في كتابه كرة القدم بين الشمس والظلّ يقول الكاتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو إنّ كرة القدم هي مرآة العالم. لا شكّ أن هذا أبرز تعبير لوصف كرة القدم، ولشرح ما تعنيه في حياة الشعوب والمجتمعات. العالم اليوم يبدو وكأنّه ملعب عملاق يستضيف مباراة نهائية، ولكن من دون جمهور. المدن من دون أهلها تكون كئيبة مظلمة، وكذلك الملاعب التي تغيب عنها أصوات جماهيرها. صيحاتهم عند الفوز، والشتائم عند الخسارة، والدموع في الحالتَين. عندما تدور الكرة فإنّ العالم كلّه يدور، ولكن ما يحدث اليوم هو الموت. الفيروس حكَم على عشاق كرة القدم بالإعدام مرّتَين، الأولى عندما فرض عليهم البقاء في منازلهم، والثانية، وهي الأصعب، عندما أمر بتوقّف هذه الكرة عن الدوران. في كتابه يسأل غاليانو «هل دخلت يوماً إلى ملعب مقفر؟ جرّب ذلك. توقف في منتصف الملعب وأنصِت. ليس هناك ما هو فارغ أكثر من ملعب فارغ، ليس هناك ما هو أكثر بُكماً من المدرّجات الخاوية».المشهد الذي كان يخاف منه غاليانو بات اليوم حقيقة قائمة. الملاعب باتت فارغة تماماً، وكذلك المدن والساحات التي كانت تجمع مشجّعي الأندية والمنتخبات للاحتفال. كانت المدرّجات والساحات مساحة مهمّة للجماهير لكي تعبّر عن نفسها، تحمّس، تعترض، تتشارك الأفكار والأغاني والهتافات، ولكن كلّ هذا توقّف الآن. كورونا ورغم الخوف الكبير الذي يزرعه في قلوب الناس حول العالم، إلّا أنه كان ليكون أسهل لو أن كرة القدم كانت موجودة. أغلب عشّاق الكرة يقضون أوقاتهم اليوم بمشاهدة مباريات قديمة، بينها نهائيات كأس العالم، نهائيات أوروبا، والمباريات التي تصنّف ضمن «الكلاسيكيات» في التاريخ. الجماهير تتمنّى اليوم عودة المنافسات حتى ولو كانت من دون جمهور، بات مقبولاً مشاهدة كرة القدم عبر الشاشة الصغيرة، وعدم الذهاب إلى المدرّج، المهم أن تعود المنافسات، وتعود الكرة إلى الدوران.
العالم صعبٌ جداً من دون كرة القدم. هذه العبارة ربّما لا تعني من لا يحبّ كرة القدم، ولكن هي بلا شك تدور في رأس كلّ عاشق للجلد المدوّر. تدور برأس من كان يقطع مسافات طويلة لمشاهدة فريقه المفضل، أو لاعبه المفضل. هناك مشجعون كانوا يسافرون من قارّة إلى أخرى لمشاهدة مباراة ورؤية نجم يداعب الكرة. كانوا يقاتلون الملل. الشعور بعد كلّ «ريمونتادا» لا يُعوّض، وكذلك عند تسجيل ركلة حرّة، أو صناعة هدف بطريقة عبقرية... اليوم يشاهد الجمهور هذه اللقطات عبر «يوتيوب» ويتحسّر.
العالم في ظلّ كورونا مُظلمٌ وكئيب، ومن دون كرة القدم هو أكثر من ذلك. كرة القدم لغة مشتركة بين الشعوب، وبعودتها سيتغيّر شكل العالم إلى الأفضل، سيخرج من الظلّ إلى الشمس...