انتهى أولي هونيس. في ظرف أقل من أسبوع انقلبت حياة هذا الرجل رأساً على عقب، وخسر كل شيء. كل شيء تماماً. هكذا، وبسرعة البرق حدث السيناريو _ الصدمة والذي لم يكن ليخطر على عقل: اتّهم رئيس بايرن ميونيخ بالتهرب من دفع ضرائب قدّرت بـ 27 مليون يورو، اعترف بالتهمة، مثل أمام المحكمة، عوقب بالسجن لثلاث سنوات ونصف، قدّم استقالته من جميع مناصبه في النادي البافاري، وها هو يدخل السجن.يا لهذه الخاتمة لرئيس أهم نادٍ في العالم حالياً. يا لها من نهاية درامية لأحد أهم اللاعبين الذين مروا على ألمانيا وبايرن ميونيخ! في رمشة عين، انهار كل التاريخ الذي راكمه هونيس سواء على المستطيل الأخضر أو في المكاتب، هو الذي لمع نجمه في السبعينيات كلاعب وسط مهاجم وأحرز مع البافاري لقب «البوند سليغا» ثلاث مرات ومثلها في دوري أبطال أوروبا، ومع المنتخب الألماني لقب كأس العالم عام 1974 وكأس أوروبا عام 1972. أما في منصب الرئيس، فيكفي القول إن بايرن وصل في عهده إلى ما لم يصل إليه طيلة تاريخه بإحرازه خماسية رائعة في الموسم الماضي.

هكذا إذاً، الرجل القوي والممسك بمفاصل الأمور والعالِم بخباياها في أروقة ملعب «أليانز أرينا» والذي كوّن ثلاثياً إدارياً مدهشاً وشهيراً الى جانب «القيصر» فرانتس بكنباور وكارل هاينس رومينيغيه، أصبح خارج المعادلة. الرجل الذي اشتهر بحمله وشاح البايرن دائماً على كتفيه وبتفاعله وحماسته المفرطة خلال مبارياته، أضحى خارج الصورة. الرجل الذي جعل من البافاري نموذجاً في النجاح الاقتصادي ولم يكتفِ بما وصل إليه بايرن في الموسم الماضي، بل كان «عراب» قدوم مدرب بحجم الإسباني جوسيب غوارديولا لتدريب الفريق وفتح صفحة مشرقة جديدة في تاريخ النادي، بات سراباً.
لا شك في أن هونيس أخطأ. أخطأ بحق نفسه وتاريخه أولاً قبل أي أحد آخر. غرق الرجل في التيار الذي ما انفك يسحب إليه كل أصحاب الأرصدة في البنوك ممن يبحثون عن زيادتها، ليفقد كل رصيده المعنوي الذي راكمه في أذهان الرأي العام العالمي، حيث بدا هذا واضحاً من ظهوره بمظهر المذنب في عناوين الصحف العالمية عقب صدور الحكم بحقه.
لكن رغم الخطأ الكبير جداً الذي اقترفه هونيس، فإن ما يحسب للرجل هو إظهاره وفاءه لبايرن ميونيخ حتى في أحلك لحظة في حياته، وذلك من خلال عدم تلطّيه خلف منصبه في أهم نادٍ في العالم حالياً واستدرار عطف أنصار الفريق وزج هذا الأخير في قضيته الشخصية، حيث لم ينتظر مرور 24 ساعة على صدور الحكم ليتقدم باستقالته (سيحل مكانه رئيساً نائبه كارل هوفنر، ومدير شركة «أديداس» هيربرت هاينر في منصب رئيس المجلس الاستشاري). هونيس ودّع بايرن قائلاً: «أريد تحاشي أي ضرر يمكن أن يلحق بالنادي».
ويحسب لهونيس أيضاً، رغم مكانته الكبيرة في عالم كرة القدم، اعترافه بخطئه الذي اعتبره «أكبر خطأ ارتكبته في حياتي»، وأكثر، فإنه رفض استئناف الحكم والمماطلة فيه، وبالتالي تشويه صورته أكثر وقرر تنفيذه بدخول السجن، ليقدّم بذلك نموذجاً، على المستوى الإنساني قبل الرياضي، لكيفية تحمل المسؤولية.
أولي هونيس صفحة جميلة من تاريخ بايرن ميونيخ طويت إذاً. طواها صاحبها بيده على نحو درامي ومؤسف. خرج الرجل من اللعبة الخاسر الأوحد. أوحد؟ لا شك في ذلك، إذ رغم أثره الكبير في ناديه، فإن هذا الأخير، قطعاً، لن يتأثر لرحيله، فبايرن ميونيخ، كمؤسسة، لا يقف على شخص، مهما علا شأن هذا الشخص.