داخل مقهى شعبي في العاصمة اللبنانية بيروت، يأخذ اللاعب نفساً أخيراً من النرجيلة قبل بداية المقابلة. يقول: «ليش بدي إرجع إحترف؟ طالما عم باخد هون متل برا، يمكن أقل شوي، وموجود بين عيلتي ورفقاتي»، مجيباً عن سؤال يتعلّق بعودته إلى لبنان، وما إذا كان يفكّر باللعب مع فريقه الجديد لفترة قصيرة والانتقال إلى الخارج مجدّداً.
يمكن لمدرب المنتخب استدعاء منتخب كامل من المحترفين للقاء تركمانستان (عدنان الحاج علي)

كل شيءٍ يجري كما يريد اللاعب، لكن توقّف الدوري يعني استرخاءً أكثر من الحاجة، ويعني أيضاً، معاشاً أقل، إذا دُفِع. أليس المال أحد أهم الأسباب الدافعة إلى الاحتراف في الخارج أساساً؟ هكذا، ترك لبنان مجدّداً، هو وخمسة لاعبين آخرين، وسابعٌ كان بصدد العودة لكنّه اتّخذ طريقاً آخرَ بسبب توقّف النشاط الكروي، ليرتفع عدد اللاعبين الدوليين المحترفين في الخارج حالياً إلى 12 لاعباً، رافقهم 4 لاعبين آخرين، غير دوليين، انتقلوا من الدوري المحلي إلى دورياتٍ عربية وأوروبية. لكن ما يجمع جميع هؤلاء، أن عقودهم مع فرقهم الجديدة قصيرة الأمد، وهم يخطّطون للعودة إلى بلدهم مجدداً في الموسم المقبل، إذا لُعِب.
لم يسبق يوماً، أن استدعى مدربٌ لمنتخب لبنان، تشكيلةً كاملة، من 11 لاعباً محترفاً في الخارج، إلى مباراةٍ واحدة. أساساً، لم تشهد كرة القدم اللبنانية احتراف عددٍ كبيرٍ من اللاعبين الدوليين، لكن سبق أن انتقل أكثر من 11 لاعباً، مثّلوا المنتخب، للاحتراف في الخارج في الفترة عينها، كان ذلك بعد تسلّم المدرب الإيطالي جيوسيبي جيانيني القيادة الفنية، عقب إنجاز التأهل إلى المرحلة النهائية من التصفيات الموندالية 2014 مع الألماني ثيو بوكير. اليوم، يستطيع المدرب الروماني ليفيو تشيوبوتاريو، دخول المباراة المقبلة بمواجهة تركمانستان، ضمن التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم «قطر 2022» و«الصين 2023»، بتشكيلةٍ أساسيةٍ كاملة، من محترفين في الخارج.
الاحتراف يلعب دوراً إيجابياً في رفع مستوى اللاعبين، والمنتخب سيكون المستفيد الأبرز


الحارس مهدي خليل انتقل إلى ذوب آهن الإيراني، الذي يقوده مدرب المنتخب السابق المونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش. أربعة مدافعين ضمن القائمة الدولية أيضاً، هم: جوان العمري (طوكيو الياباني)، ألكسندر ملكي (الخور القطري)، قاسم الزين (ميناء العراقي)، وخليل خميس (باهانغ الماليزي). ثلاثة لاعبين في الوسط: باسل جرادي (هايدوك سبليت الكرواتي)، فليكس ملكي (آيك السويدي) وسمير أياس (بيرسيراجا الإندونيسي). ضمن القائمة أربعة مهاجمين: هلال الحلوي (مبين الألماني)، محمد قدوح (الجندل السعودي)، عمر بوغيل (سوتون يونايتد الإنكليزي) وربيع عطايا (مارا الماليزي). ليفيو لن يستدعي جميع هؤلاء بطبيعة الحال، لكنه يعتمد على الأغلبية منهم، خاصةً أنهم الأكثر جاهزية، بما أن الدوري المحلي متوقّف.
الموضوع لا يتعلّق حصراً بحجم قائمة اللاعبين المحترفين، التي لطالما كانت كبيرة بسبب وجود هؤلاء الذين لم يسبق أن لعبوا للأندية المحلية، بل بفكرة الانتقال من لبنان إلى الخارج، التي بدا أخيراً أنها تتبدّد من ذهن اللاعبين، خاصةً بعد «التخبيص» الإداري في سوق الانتقالات الصيفي الأخير، ودفع مبالغ ضخمة، لمن ليسوا من نجوم الصف الأوّل حتّى. فإلى جانب هذه القائمة الدولية، ترك بعض اللاعبين غير الدوليين أنديتهم، بعد توقّف الدوري. مهاجم الصفاء حسن مهنا انتقل إلى أرمينيا، وزميله ماجد عثمان وقّع عقداً مع الرمثا الأردني، فيما يُكمل المدافع حسين الدر مسيرته في الخارج، بعدما انتقل أخيراً إلى «ماكاسار» الإندونيسي الذي يشارك في كأس الاتحاد الآسيوي، كما سيلعب حسين غملوش، لاعب الصفاء السابق، مع الشباب البحريني.

الهجرة مستمرة!
توقّف الدوري وانتهاء الموسم الكروي عملياً هو آخر اهتمامات اللبنانيين أساساً. الأزمة الاقتصادية التي كانت السبب الأساسي في تمنّع الأندية ـ المتحجّجة بـ«الوضع الأمني» ـ عن المشاركة في البطولة، لم تُحل، بل تتفاقم، ولا شك في أن هذه الأندية التي لم تكن قادرة قبل انتهاء العام الماضي، على دفع مستحقات اللاعبين وإقامة التمارين، لن تؤمّن ميزانية كافية للتعاقد مع لاعبين أجانب، بل ستكون عاجزة عن دفع الرواتب للاعبيها، وبالتالي ستكون مشاركتها في البطولة المقبلة، إذا أقيمت، مقتصرة على الاعتماد على الشباب، وهذا سيحدّ من المستوى العام، المتدني أصلاً. اللاعبون المرتبطون مع أنديتهم بعقودٍ احترافية، لن يتوانوا عن مقاضاة الأندية في حال التخلّف عن دفع مستحقاتهم، ما سيفرض على هذه الأندية التخلّي عن لاعبيها أو إعارتهم، كما تفعل أخيراً.
لاعبون أمثال نادر مطر، عدنان حيدر، سوني سعد، محمد حيدر، حسن معتوق وغيرهم، قادرون على الاحتراف في الخارج مجدداً، كما أن غيرهم من نجوم الدوري وشبابه، الذين لم يسبق لهم أن لعبوا خارجاً، مرشّحون لمغادرة أنديتهم بحثاً عن تجربةٍ احترافية. هذه «الهجرة» تلعب دوراً إيجابياً في رفع مستوى اللاعبين، والمنتخب سيكون المستفيد الأبرز منها، فيما يبدو أن مستوى الدوري المحلي سيستمر بالتراجع.



أندية الجوار استغلت «الأزمة»

ذهب عيسى يعقوبو إلى العربي الكويتي على سبيل الإعارة

باستثناء الأنصار، فسخ باقي الأندية اللبنانية عقود اللاعبين الأجانب، أو إعارتهم، بسبب توقّف النشاط الكروي. مهاجم شباب الساحل، السنغالي عبد العزيز نداي انتقل إلى الوحدات الأردني. زميله ومواطنه باكاري كوليبالي رحل إلى الرمثا في الدوري عينه. اتحاد تطاوين التونسي ضم مراد الهذلي بعد فسخ عقده مع النجمة، وزميله السابق إدريسا نيانغ انتقل بالإعارة إلى نادي دياراف في بلاده. مهاجم التضامن صور كبيرو موسى، انتقل بدوره إلى النصر العماني، فيما يلعب لاعب العهد، الغاني عيسى يعقوبو مع العربي الكويتي (إعارة)، برفقة زميله السوري أحمد الصالح، علماً أن التونسي أحمد العكايشي وقّع للشحانية القطري. وإلى أندونيسيا غادر لاعب البرج، البرازيلي تياغو أمارال.