منتخبٌ يحتاج الى حلولٍ هجومية اكثر، ومنتخبٌ سيعاني دفاعياً امام المنتخبات الكبيرة. ايضاً، منتخبٌ يفتقد اصحاب الطول، واللعب الجماعي، معتمداً على الحلول الفردية العفوية. هذه هي ابرز التعليقات السلبية التي تمّ تداولها عقب اللقاء الاول للبنان امام العراق في تصفيات كأس آسيا، حيث اضيفت اليها تعليقات اخرى حول قلّة خبرة بعض اللاعبين وضعف البعض الآخر في المواجهات الثنائية بحكم قامتهم وبنيتهم الجسدية. طبعاً هناك بعض السلبيات التي لا يمكن اخفاؤها، لكن يبدو الامر طبيعياً جداً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار مسألةً واحدة، وهي ان لبنان بدأ رحلة التصفيات بمنتخبٍ جديد الى حدٍّ كبير، ما يعني انه دخل في مرحلة تحوّل الى حقبةٍ جديدة لا يمكن الاضاءة على نتائجها سلباً قبل ان تمرّ بمحطات عديدة، وهي مسألة تحتاج الى وقتٍ ليس بقصير.من هنا، كان بالامكان استخلاص ايجابيات اكثر من تلك السلبيات التي رماها البعض بعد المباراة الاولى، ولم يجدوا مكاناً للحديث عنها بعد الفوز الساحق على البحرين أول من أمس، والذي اسكت كل المنتقدين. طبعاً لا يمكن اخذ الامتحان الذي مرّ به منتخبنا كمعيار نهائي لما يمكن ان يقدّمه مستقبلاً، لكن الايجابية الاولى كانت في تقديم منتخبٍ يتمتع بعقلية جديدة بعيدة كل البعد عن تلك التي كانت السبب الرئيس في فشله بالتأهل الى كأس العالم الاخيرة.
منتخبٌ واضح المعالم من خلال اعتماده بالدرجة الاولى على الوجوه الشابة، واعتباره وائل عرقجي العمود الفقري لتحقيق الانتصارات، كما كانت عليه الحال ايام القائد السابق فادي الخطيب. هنا كان الكلام عن فردية معيّنة في التصرّف على ارض الملعب، لكن هذه الفردية لا بدّ منها في بعض الحالات التي تحتاج الى لاعبٍ يستطيع ترجيح كفّة فريقه في اللحظات الحاسمة، كما هي الحال في حاجة اللاعبين الشبان إلى خوض هذا النوع من المباريات الدولية حيث الهامش التنافسي محدود، ويؤمّن بالتالي للوافدين الجدد الخبرة الضرورية في سكة التحسّن التدريجي للوصول الى اعلى مستوى ممكن قبل الاختبار الاقسى المتمثّل في مواجهة منتخبات الصف الاول في القارة الصفراء.
المعركة الحقيقية ليست تصفيات كأس آسيا بل التأهل الى المونديال


لذا يمكن اعتبار ان الجهاز الفني بقيادة المدرب جو مجاعص اصاب بالاصرار على اشراك كل اللاعبين في المباراتين، ولو ان البعض صوّب على مسألة ضرورة ابقاء عنصر الخبرة وعدم الاستغناء عنه في الحسابات الاساسية، والمتمثل في لاعبين مثل القائد ايلي رستم، الذي لا يزال قادراً على العطاء وقيادة الجيل الجديد نحو التحدي الاكبر. وهذا التحدي يُختصر بمحاولة بلوغ كأس العالم عام 2023. ومن هذا العنوان يُطرح السؤال حول مدى قدرة هذا المنتخب بالتحديد على اصابة الهدف المنشود.
طبعاً من الصعب الاجابة بحسم عن هذا السؤال، لان الامر مرتبط بمدى تطوّر اللاعبين ووصولهم الى مرحلة نضوج ضرورية على ارض الملعب، لكن عندما نرى ان مجموعة من اللاعبين الشبان يؤدّون بحماسة وبروح قتالية، وينتزعون الثقة بهم من المتابعين والفنيين، ندرك ان هذا المنتخب يختزن امكانات كبيرة يتوقف تظهيرها الى نتائج مميزة عند استراتيجية تسدّ الثغرات، تماماً كما وجد مجاعص حلاً لتأمين بديلٍ لم يكن موجوداً بشكلٍ فعلي سابقاً لعرقجي، وذلك من خلال فعالية لاعبٍ مثل علي منصور، وحيوية لاعبٍ مثل علي مزهر.
أضف الى هذه النقاط الايجابية، ذاك الشعور بالمسؤولية الذي اظهره اللاعبون على ارض الملعب، وهو امر طبيعي بعد الانتقادات التي انهالت على المنتخب عقب الخيبة المونديالية واتهام اللاعبين بالاستهتار، ما يعني ان اللاعبين الحاليين تعلّموا من درس اسلافهم، وهم اصلاً لديهم مهمة شخصية تختصر بتقديم انفسهم مجدداً الى دائرة الاضواء، عقب اطفاء الانوار عن كرة السلة بعد تجميد موسمها، من دون ان يقتل هذا الامر شغف جنود المنتخب لتقديم كل ما لديهم، رغم تعبيرهم غالباً عن وضعٍ نفسي صعب يعيشونه من جراء توقّف النشاط.
الواقع انه لا يمكن القول انه يفترض بنا ان نقوم بعملٍ كبير قبل 26 تشرين الثاني المقبل، اي موعد النافذة الثانية حيث سيتقابل لبنان مع الهند، فالمعركة الحقيقية ليست التصفيات الآسيوية التي تبدو محسومة نتائجها بالنسبة الى لبنان، بفعل مواجهته لخصومٍ اضعف منه، بل ان المعركة تبدأ بعد التصفيات من خلال العمل على ايجاد التركيبة المناسبة لمنازلة الكبار، من خلال تشكيل منتخب متكامل من النواحي المختلفة، يعيد الى لبنان سمعته المعروفة آسيوياً وعالمياً، وهو امر متاح بوجود كل تلك الاسماء التي قدّمت نفسها على انها ستكون من نجوم المستقبل، والاهم في خدمة الوطن من دون النظر الى البحث عن المجد الشخصي.