خلال السنوات العشر الأخيرة تغيّرت الكثير من الأمور داخل نادي ميلان الإيطالي. في عام 2011، كان آخر لقب حقّقه نادي «الروسونيري» على صعيد الدوري المحلّي، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، أصبح النادي الأكبر في إيطاليا على الصعيد الأوروبي بين الأندية المتواضعة والمتوسطة من حيث النتائج. أسباب عدّة أوصلت نادياً كبيراً بحجم ميلان إلى ما هو عليه الآن. من بينها سوء الإدارة، والتغييرات المتتالية في ملكية النادي بعد أن تم بيعه من قبل رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني عام 2017. قبل هذه السنة «المشؤومة»، كان نادي ميلان يعاني كثيراً من مشاكل فنية وإدارية بسبب سوء التعامل من قبل برلسكوني من جهة، ونائبه أدريانو غالياني. صفقات متواضعة، وأسماء لم تكن لتحلم يوماً بارتداء اللونين الأحمر والأسود. فساد مستشرٍ من قبل هذين الرجلين، أوصل ميلان إلى أدنى الدرجات من حيث الإفلاس المادي والإداري وحتى الفني. عُرض ميلان للبيع، وتم شراؤه في البداية من قبل بعض المستثمرين الصينيين، ليعود ويتم بيعه من جديد لـ«صندوق إيليوت الأميركي».خلال العشر سنوات هذه، اختلفت أصداء وردود الأفعال على صفقة انتقال المهاجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش. في عام 2010، صفقة انتقال إبرا من النادي الكاتالوني برشلونة وصولاً إلى ميلان، هزّت العالم أجمع. مهاجم إنتر ميلانو وبرشلونة ويوفنتوس السابق انتقل إلى ميلان! قضى زلاتان موسمين اثنين بين أسوار ملعب «سان سيرو»، لينتقل بعدها إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، مانشستر يونايتد الإنكليزي ولوس أنجلس غالاكسي الأميركي. خلال فترته في ميلان، حقّق زلاتان لقب الدوري، إضافة إلى كأس السوبر الإيطالي. كان لقب الدوري الذي حقّقه إبراهيموفيتش رفقة «الروسونيري» هو الأخير بالنسبة إلى صاحب ثاني أكبر عدد من ألقاب دوري الأبطال بعد ريال مدريد الإسباني.
ما بين انتقال 2010 وانتقال أواخر الـ2019 ملاحظات كثيرة تُسجل. في عام 2010، زلاتان كان يشبه ميلان، واليوم هو يشبه ميلان أيضاً، وهذا هو الواقع السيّئ. لاعب أعلن اعتزاله الشكلي لكرة القدم منذ أن انتقل إلى الدوري الأميركي. هذا ما هو متعارف عليه اليوم، فاللاعب الذي ينتقل إلى أميركا أو الصين أو اليابان يكون في طريقه لإنهاء مسيرته.
إعلان انتقال زلاتان إلى ميلان هو بمثابة تأكيد على واقع «الروسونيري» الصعب


إعلان انتقال زلاتان إلى ميلان اليوم، هو بمثابة تأكيد على واقع «الروسونيري» الصعب. إبرا لاعب «انتهى سوقه» في أوروبا منذ موسمه الثاني مع مانشستر يونايتد، أي قبل انتقاله إلى «لوس أنجلس غالاكسي». ما يدل أيضاً على أن إبرا لا يمكن له أن ينتشل ميلان من واقعه الصعب، هو أن أندية من الصف الثاني كانت تفكر بضم اللاعب وهي كبولونيا، تورينو وفيورنتينا.
على الورق، هو تعاقد حتى نهاية الموسم الحالي، لكن ما سبب هذا الانتقال؟ وما الذي يدفع بلاعب كزلاتان للانتقال إلى ميلان وفي هذه الفترة تحديداً؟ من الممكن أن تكون إدارة النادي اللومباردي قد فكّرت في الأمور المتعلّقة بالـ«حياة التسويقية» وبالـ«ماركيتينغ» في المقام الأول. صاحب الرقم 11، ستباع قمصانه في كل العالم، نظراً إلى شعبيته الكبيرة وإلى شعبية نادٍ بحجم ميلان في العالم. أمّا في ما يتعلّق في الشق الفني، فميلان اليوم يعاني من فقدان شخصيته، ونتيجة مباراة أتلانتا الأخيرة (5-0) خير دليل على ذلك. إبراهيموفيتش، من بين اللاعبين الذين يحبون التحديات، ويملك شخصية قوية وهو قادر على نقلها إلى غيره من الزملاء، إضافة إلى قدرته على القيادة وضبط غرفة الملابس. إبرا ليس لاعباً عادياً، ولم يأت إلى ميلان ليكون لاعباً إضافياً في التشكيلة، انتقال إبراهيموفيتش إلى ميلان أكبر من انتقال لاعب، بل انتقال فكر وقيادة وشخصية، ولكن هل سيكون قادراً على إعادة ميلان إلى المراتب الأولى في الجدول؟ هذا ما يبدو شبه مستحيل.

ميلان الأسطوري
عندما يتذكّر مشجعو نادي ميلان تاريخ فريقهم ما قبل عام 2010، تدمع العيون على أحد أكبر وأعرق الأندية في تاريخ كرة القدم. تاريخ ميلان لا يقتصر على لاعبيه، بل على المدربين العظماء الذين درّبوه خلال فتراته الذهبية. مدربون ككارلو أنشيلوتي، فابيو كابيلو، أريغو ساكي وغيرهم من المدربين الذين تركوا بصمتهم في عالم «المستديرة». أمّا في ما يتعلّق باللاعبين، فالقائمة تطول. لن ينسى أبناء وأحفاد الـ«روسونيري» الثلاثي الهولندي، رود خوليت، فرانك رايكارد وماركو فان باستن. ذاكرة المتابعين لن تخلو من إبداعات البرازيليين ريكاردو «كاكا»، ولا من لمسات الـ«ساحر» رونالدينيو والمهاجم التاريخي «رونالدو داليما نازاريو». وبالنسبة إلى أبناء بلاد النهضة، فركلات أندريا بيرلو الثابتة ستبقى محفورة في ذهن كل محبّ وعاشق لميلان. ويبقى الحب الأوّل والأخير، لصانع أمجاد هذا النادي العريق في دوري الأبطال، باولو مالديني، القائد المميّز وأفضل مدافع في تاريخ اللعبة في رأي الكثير من المتابعين والنقّاد. النادي تتحدّث عنه غرفة ألقابه التي تضم 7 ألقاب لدوري أبطال أوروبا، 18 لقباً للدوري الإيطالي المحلي، وغيرها الكثير. ميلان، من بين الأندية التي لا يتمنى حتى منافسوه أن يشاهدوه في هذه الحالة. ولكن ما هو مؤكّد، أن هذا النادي سيعود مرّة جديدة وفي المستقبل القريب، وسيعيد معه الكثير من المتعة والأداء.