مدريد | يستضيف نادي برشلونة الإسباني الليلة (21:00 بتوقيت بيروت) غريمه التقليدي ريال مدريد، في مباراة مؤجّلة من يوم 26/10/2019 بسبب الظروف الأمنية في إقليم كاتالونيا. هذه الظروف لا تزال حاضرة وهي حتى ليل أمس الثلاثاء كانت لا تزال الشغل الشاغل للاتحاد الإسباني لكرة القدم والناديين. تهديدات عدّة أُطلقت من أجل إيقاف اللقاء، كما أنه من المتوقّع أن يشهد الإقليم اليوم تظاهرات ضخمة مطالبة بالانفصال عن إسبانيا.«كلاسيكو تاريخي»، هو التعبير الأنسب لوصف المباراة التي ستُلعب اليوم على ملعب «كامب نو» بين برشلونة وريال مدريد. عدم إمكانية ضمان الأمن وسلامة الجماهير واللاعبين كان السبب الرئيسي لتأجيل المباراة منذ أكثر من شهر. في تلك الفترة اجتاحت إقليم كاتالونيا تظاهرات تخللتها أعمال شغب من قبل مؤيدي الاستقلال، احتجاجاً على الأحكام القاسية التي صدرت في حق بعض «السياسيين الانفصاليين» الذين بحسب حكومة مدريد، «انتهكوا الدستور الأسباني» وأقدموا على إقامة استفتاء شعبي وُصف بغير القانوني من أجل تقرير مصير المقاطعة، ومن ثم إعلان الاستقلال.
لم تتوقف التظاهرات منذ صدور الأحكام، ولكن الوتيرة لم تكن ذاتها. خلال الأيام الماضية كانت الأجواء هادئة نسبياً، ولكن هذا لا يعني أنها ستكون كذلك خلال يوم المباراة. الأكيد أن المطالبين بالانفصال عن إسبانيا لن يدعوا فرصة الكلاسيكو تمر، فهم سيستغلون هذا الحدث العالمي الذي سيشاهده حوالى 650 مليون شخص في العالم من أجل إيصال صوتهم.

«تسونامي ديمقراطي»، هي مجموعة احتجاجية انفصالية منظمة تعمل على قدمٍ وساق منذ تحديد موعد إقامة المباراة من أجل استغلالها. خطوة «تسونامي» الأولى كانت بدعوة مناصريها إلى التجمع حول ملعب «كامب نو» منذ الساعة الرابعة بتوقيت إسبانيا، والتمركز في نقاط حددتها من أجل إحاطة الملعب بالكامل. لم تتضح أهداف هذا التحرك الحقيقية بعد، فالحديث منذ أسبوعين كان عن منع وصول الفريقين إلى الملعب وبالتالي منع إقامة المباراة. غير أن المعطيات بدأت تتغير مع اقتراب الموعد، فقد عبّرت المجموعة في بيان رسمي نشرته على وسائل التواصل أنها لا تهدف إلى منع إقامة اللقاء، ما لم يمنعها نادي برشلونة من التعبير عن موقفها عبر رفع لافتات داخل الملعب تحمل هاشتاغ spainsitandtalk#، أي: إسبانيا اجلسي وتحدّثي.
تتباين المواقف في إسبانيا حول طلب مجموعة «تسونامي ديمقراطي»، فهو أمر يراه البعض محقاً، ويمثل دعوة طبيعية للحوار، بينما ترى فيه أطراف أخرى تهديداً وابتزازاً صريحاً للنادي الكاتالوني. وتشير الأرقام الأولية إلى أن أكثر من 20,000 شخص سيلبّون الدعوة، منهم من يملك بطاقة حضور المباراة، ومنهم من هو أصلاً مشترك في النادي، أي أن الحركة الاحتجاجية قادرة على التسلّل إلى داخل أسوار «كامب نو»، حيث يتواجد أمن الملعب فقط، من دون مؤازرة الشرطة التي ستكون حاضرة في الخارج حصراً.
يُتوقّع أن يقوم بعض الجماهير باقتحام الملعب عند الدقيقة 17.14 من عمر المباراة


3600 عنصر سيحرصون على ضمان السلامة العامة، 1000 منهم من شرطة كاتالونيا الخاصة، بالإضافة إلى عناصر من الدفاع والحرس المدني والشرطة الوطنية. هو المستوى الرابع من التأهّب الأمني، ويتم اللجوء إليه للمرة الأولى في مباراة كرة قدم في إسبانيا.
«سنحرص على إقامة المباراة بسلامة تامة»، هكذا طمأن كبير مفوّضي شرطة كاتالونيا الخاصة إدوار سالينت الجميع في مؤتمر صحفي عَرض خلاله التدابير الذي سيتم اتخاذها من أجل ضمان إقامة المباراة وتفادي التعقيدات.
وفي حدث تاريخي آخر مرتبط بهذه القمة، سيمكث الفريقان في الفندق نفسه (صوفيا) وسيغادرانه معاً نحو الملعب الذي يبعد حوالى 750 متراً. وستنطلق حافلتا الفريقين بحماية عدد كبير من عربات الشرطة الخاصة.
سيناريو مَنع الفريقين من الوصول إلى الملعب لا يبدو مرجّحاً، وبحسب جميع المؤشرات من الواضح أن المباراة ستقام بشكل طبيعي. كما أنه نظراً إلى كفاءة الشرطة الإسبانية المشهود لها، وإلى حرص المطالبين بالانفصال على عدم ترك انطباع سيّئ أمام العالم، يُتوقع أن تسير الأمور بصورة طبيعية إلى حد كبير.
سيناريو آخر غير مرجّح، لكن ممكن، سيكون اقتحام أرض الملعب من قبل بعض مؤيدي الـ«تسونامي»، وهو ما قد يعرض استمرارية المباراة للخطر، وستعود الكلمة الأخيرة في هذا الشأن إلى حكم المباراة هرنانديز هرنانديز.
هذا «الغزو» لأرض الملعب قد يحدث في الدقيقة 17.14 من عمر اللقاء، بالإشارة إلى عام 1714 حين سقطت كاتالونيا أمام جيش الملك فيليبي الخامس. آخر سيناريو ممكن ومستبعد أيضاً هو منع النادي الملكي من العودة إلى مدريد بعد الكلاسيكو، مغلقين الطريق المؤدي إلى مطار برشلونة.


تدابير استثنائية لتفادي سيناريوهات مقلقة في ظل أوضاع سياسيّة وأمنية دقيقة جداً في برشلونة. قلقٌ لم يظهره رئيس نادي برشلونة جوسيب ماريا بارتوميو في تصريحه الأخير حيث قال: «لن يتم تأجيل الكلاسيكو مرة أخرى. ستقام المباراة، إنها مسؤولية الجميع أن يلعب الكلاسيكو. نحن نمر بلحظات صعبة ولكنها متوافقة مع كرة القدم». من جهة أخرى، فتح بارتوميو المجال أمام أي تعبير سلمي للرأي من دون شتائم ونعرات، وبذلك يكون قد وافق ضمنياً على طلب الـ«تسونامي» بتعليق اللافتات.
إذاً، هو الكلاسيكو الأكثر اشتعالاً من حيث الظروف غير الرياضية التي تحيط به. عيون الجميع مصوّبة إلى هذه القمة، شغف ورغبة وحماس، ولكنْ أيضاً ترقبٌ وقلقٌ وخوف، على أمل أن تَفشل السياسة في تفرقة ما تجمعه كرة القدم.


نقاط متعادلة


إضافة إلى النقاط الأمنية، تُسجل نقاط فنية ـ رياضية تاريخية في هذا اللقاء. كلاسيكو اليوم هو أول كلاسيكو يصل إليه الفريقان متعادلين في النقاط منذ تسع سنوات. كما أنه يقام بعد جولةٍ اشتكى فيها برشلونة من التحكيم وأبدى إعلامه قلقاً تجاه التحكيم أمام ريال المدريد، فيما الأخير لم يكن راضياً عن تعيين الحكم هرنانديز هرنانديز لقيادة المباراة بسبب بعض السوابق التي لم تعجب النادي الملكي.