خلال الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2015، كان الإيرلندي الشمالي بريندان روجيرز مدرباً لنادي ليفربول. في الفترة نفسها، أشرف الإيطالي كارلو أنشيلوتي على تدريب ناديَي باريس سان جيرمان وريال مدريد توالياً. تغيّرت الظروف اليوم، فروجيرز بات مدرباً لليستر سيتي الإنكليزي فيما يقترب أنشيلوتي من تدريب الـ«توفيز» إيفرتون. المدرّبان انتقلا بطريقة تراجيدية من أندية القمة إلى فرق المنتصف، ولو أن صفقة أنشيلوتي اكتملت خلال اليومين الماضيين لكان هو من يشرف على إيفرتون لمواجهة روجيرز (الليلة 21:45).هذه المقدمة الصغيرة تأتي للدلالة على المفارقات في كرة القدم، وكيف أن اللعبة الشعبية الأولى تغيّرت كثيراً. تحولت هذه الرياضة من ترفيهية إلى مصدر يدرّ الكثير من الإيرادات المالية. مع وجود علاقة قوية بين عائدات النقل التلفزيوني وغنى الأندية، انفرد الدوري الإنكليزي بطليعة أكثر الدوريات درّاً للأموال، نظراً إلى تمتّع الـ«بريميرليغ» بقاعدة جماهيرية كبيرة حول العالم. ساهمت العائدات الاستثنائية للدوري الإنكليزي بتوسيع الهوة بينه وبين باقي الدوريات الأوروبية الكبرى، لتصبح إنكلترا الوجهة الأفضل للاعبين. أصبحت أندية إنكليزية «متوسطة» تجذب العديد من المواهب الشابة والأسماء اللامعة على حدٍّ سواء، غير أنّ الأمر تخطّى نطاق اللاعبين في الفترة الأخيرة، ليشمل دخول بعض المدربين إلى معادلة الربح الوفير.
وافق أنشيلوتي شفهياً على تدريب إيفرتون براتب يفوق الـ12 مليوناً


قلّة هم المدربون الذين بلغوا القمة، ثم عادوا وهبطوا إلى الدرجات الأدنى بملء إرادتهم. بنظرة سريعة على أبرز مدربي الفترة الماضية، قد تكون الخطوة التي أقدم عليها المدرب الإسباني رافاييل بينيتيز عام 2016 هي الاستثناء الوحيد، حيث شغل منصب المدرب لفريق نيوكاسل بعد أن كان مدرباً لريال مدريد في الموسم الذي سبقه. اليوم تغيّرت الأمور، وما كان استثناءً بات طبيعياً، فبسبب زيادة الإغراءات المالية في الدوري الإنكليزي تكرّرت حالة بينيتيز هذا الموسم مع مدربين آخرين هما روجيرز ومورينيو، مع احتمالية امتدادها إلى 3 إذا ما وقّع أنشيلوتي مع الـ«توفيز».
يحتل ليستر سيتي المركز الثاني في الدوري، مبتعداً عن المتصدر ليفربول بـ10 نقاط. مركزٌ غير مستغرب في ظل إشراف بريندان روجيرز على تدريب الذئاب. ما يقوم به روجيرز اليوم، سبق وأظهره رفقة ليفربول. بأقلّ الإمكانيات المادية الممكنة، أعاد المدرب الإيرلندي ليفربول إلى الواجهة عام 2014، وكان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق لقب الدوري للمرة الأولى منذ 1989/1990، غير أن سلسلة النتائج السلبية، تحديداً في الجولات الأخيرة، حالت دون تحقيق ذلك. رحل روجرز عن الـ«ريدز» بعدها، تاركاً إرثاً كبيراً بنى عليه المدرب الألماني يورغن كلوب نجاحات ليفربول الحالية، وحطّ رحاله في نادي سيلتيك الاسكتلندي، حيث قضى ثلاثة مواسم ناجحة، ليعود في أواخر الموسم الماضي إلى الدوري الإنكليزي من بوابة ليستر سيتي. عودة روجرز إلى إنكلترا كلّفت خزائن الـ«ذئاب» راتباً وصل إلى 5 ملايين جنيه استريليني سنوياً، وقد ضوعف هذا المبلغ الشهر الماضي ليصل إلى 10 ملايين جنيه استريليني إثر النتائج الممتازة للفريق. هكذا أصبح روجيرز ثالث أعلى مدرب أجراً في إنكلترا خلف كل من بيب غوارديولا (20 مليوناً) وجوزيه مورينيو (15 مليوناً).


لهذا الأخير قصته أيضاً، فقد لعبت الأموال دوراً بارزاً في توقيعه مع نادي توتنهام. بعيداً عن المشروع الواعد للفريق اللندني، تكبر الهوة بين تاريخ مورينيو التدريبي وفريق الـ«سبيرز»، غير أنّ غياب المدرب البرتغالي عاماً كاملاً عن عالم التدريب بعد إقالته من مانشستر يونايتد، إضافةً إلى الراتب الخيالي والظروف المتاحة في لندن، عاد مورينيو إلى إنكلترا من بوابة توتنهام، خلفاً للمدرب الأرجنتيني المقال ماوريسيو بوكيتينيو.
على خطى روجيرز ومورينيو يسير الإيطالي كارلو أنشيلوتي، حيث بات قريباً من العودة إلى إنكلترا من بوابة إيفرتون، وذلك للمرة الأولى منذ إشرافه على تدريب تشلسي في الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2011. مع نابولي، حصل أنشيلوتي على مبلغ 6 ملايين يورو سنوياً، ووفق الصحافة الإنكليزية، فإن المدرب الإيطالي قد وافق شفهياً على تدريب إيفرتون براتب يفوق ضعف راتبه السابق في إيطاليا.
هي لغة المال التي تحكم اليوم، فبعد اللاعبين جاء الدور على المدربين الذين باتوا يبحثون عن المال لا عن التجربة المميّزة التي تحفر أسماءهم في سجلات التاريخ.