منذ حوالى الأسبوعين وصل كتاب إلى الاتحاد اللبناني لكرة القدم موقّعاً وممهوراً بأختام الأندية الـ12 المنتمية إلى دوري الدرجة الأولى. في هذا الكتاب أشارت الأندية إلى الظروف الدقيقة التي تعيشها البلاد، والضوابط التي وضعتها المصارف لناحية تحويل الأموال أو سحبها، إضافةً إلى التظاهرات والوضع في الشارع (هذه الظروف مستمرة). كل هذا كان مقدّمة للتصويب على الوضع الاقتصادي الذي عطّل الأندية، وخصوصاً مع توقّف دعم المعلنين والرعاة لها أو غيرها من المصادر التمويليّة، وكذلك للدلالة على أنها تعيش ظروفاً صعبة، ولتصل إلى ما تطلبه وهو إعلان الاتّحاد أن اللعبة استسلمت لـ«القوة القاهرة»، وبالتالي يجب أن يطبّق هذا الوصف على العقود التي سبق أن وقّعتها إدارات الأندية مع اللاعبين.هذا الكلام إذا ما أشار إلى شيء فهو إلى مسألة واحدة: ترحيل الأجانب من دون عودة!
على هذا الأساس يبدو أن الاتّحاد اللبناني وضع على لائحة مقترحاته للجمعية العمومية «غير العادية» المقرّرة في الـ27 من الشهر الحالي بنداً يتضمّن استكمال البطولة من دون اللاعبين الأجانب، لتنقسم الآراء من جديد وتفتح الباب على نقاشات وتحليلات وحتى اتّفاقات. كما ينظر القيّمون بالتأكيد إلى مسألة تكافؤ الفرص ومراعاة ظروف الأندية وإنقاذ الموسم نسبياً بأقل أضرارٍ ممكنة.
لكن المشهد ليس بهذه البساطة بحسب البعض، إذ أنه في غياب الأجانب سيفقد الدوري قيمةً كبيرة، إذ ليس خفياً على أحد أن أفضل اللاعبين في الدوري اللبناني هم الأجانب، وأبرز الهدافين هم الأجانب. كما يشكّل هؤلاء علامة فارقة في الفرق المختلفة وعلى أرض الملعب رغم أن عددهم لا يتجاوز الثلاثة في كل فريق. إذاً وفي ظلّ عدم قدرة الأندية بغالبيتها الساحقة على إنتاج مجموعة من اللاعبين الجيدين سنوياً أو تقديم لاعبين على مستوى عالٍ للدفاع عن ألوان المنتخب الوطني، كان اللاعبون الأجانب هم الأمر الجديد الأبرز في البطولة، وما استكمالها من دونهم إلا خطوة إلى الوراء، في محاولات تشكيل الإضافة الإيجابية التي سعت إليها الأندية، من خلال التعاقد مع لاعبين أجانب بمبالغ كبيرة، أي أن مستوى العنصر الأجنبي ارتفع أقله في الموسمَين الماضي والحالي، ما أعطى متعةً أكبر لمباريات البطولة.

«القوة القاهرة» تحمي الأندية
كذلك، المشهد مغاير الآن بالنسبة إلى الأندية مع عدم قدرتها على تأمين السيولة بالدولار لدفع رواتب الأجانب، فكان اتّجاه بعضها إلى إبقاء الارتباط معهم على مضض، والبعض الآخر وصل إلى تسويات لفكّ الارتباط بهم، بينما جمّد آخرون كل شيء بانتظار الانفراج المصرفي والقرار الاتحادي النهائي. وطبعاً ليس هناك كلام جازم يمكن البناء عليه للتحدث عن إمكانية فسخ الأندية لعقودها مع لاعبيها من دون الخوف من الارتدادات القانونية، وهو أمر كان واضحاً من خلال تصرف الأندية مع أجانبها حيث عملت على التوصل إلى اتفاقات لا تضرّ بالطرفين لتخفيف العبء المالي عنها في ظلّ بقاء اللاعبين في لبنان من دون استئناف النشاط حتى الآن، ووسط شكوكٍ أيضاً بإمكانية استئنافه بعد بروز أكثر من رأي في ما خصّ الاقتراحات التي أرسلها الاتّحاد إلى الأندية.
يسعى اتّحاد اللعبة لإرضاء الجميع والأندية تريد حماية مصالحها


ويقول المحامي المتخصّص جو يزبك في هذا الإطار لـ«الأخبار» إن «القوة القاهرة في القانون والاقتصاد هي إحدى بنود العقود، تعفي كلا الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما، مثل الحرب أو الثورة أو إضراب العمال، أو جريمة أو كوارث طبيعية كزلزال أو فيضان. قد يمنع أحد تلك الأحداث، طرفاً أو الطرفين معاً، من تنفيذ التزاماته طبقاً للعقد». ويتابع: «تَوَفُّر ظروف القوة القاهرة يؤدي مبدئياً إلى منع أحد الطرفين أو كليهما من تنفيذ موجباته والتزاماته التعاقدية طيلة مدة استمرار هذه الظروف، وإذا طالت هذه المدة وأصبح تنفيذ العقد غير ممكن عملياً، جازَ لأيٍّ من طرفيه إنهاء العقد بسبب القوة القاهرة من دون أن يُعتبر مخلّاً بموجباته. وأحياناً يمكن أن يتضمن العقد بنداً يتعلق بالقوة القاهرة ويحدّد صراحة مدة معينة يمكن في حال انقضائها دون زوال ظروف القوة القاهرة أن يتم إنهاء العقد. وهنا يقتضي الالتزام بهذا البند، عملاً بمبدأ العقد شرعة المتعاقدين» يقول يزبك في حديثه مع «الأخبار».

العهد والأنصار الأكثر تضرراً
عند استطلاع آراء الأندية تبرز عدة أمور غير بسيطة، منها سعي مجموعة كبيرة من هذه الأندية إلى اللعب من دون أجانب، وخصوصاً تلك التي قامت بإنهاء عقود أجانبها، وهو أمر مبرّر بحسب وصف البعض، على اعتبار أنها لن تكون قادرة على منافسة أندية أخرى لا تزال تحتفظ بأجانبها، وبالتالي قد توافق على أي صيغة للدوري بلا أجانب، أو من دون هبوط، إذا ما كان هناك قرار بإبقاء العنصر الأجنبي في الدوري. لكن هذا الموقف لا يخدم المصلحة العامة للعبة، ولا يخدم طبعاً أندية معيّنة على غرار العهد والأنصار اللذين لا يمكنهما الاستغناء عن أجانبهما في ظل المهمة التي تنتظرهما في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي.
واللافت أن موقف الناديين واضح هنا، فهما تعاقدا مع لاعبين أجانب بمبالغ تُعتبر الأكبر على هذا الصعيد، ورغم وجود ختم كلٍّ منهما على الورقة التي أُرسلت إلى الاتّحاد، إلا أنهما يرفضان اليوم استكمال البطولة من دون الأجانب. لكن كتاب الأنصار يوم الجمعة الماضي الذي أرسله إلى الاتحاد موضحاً موقفه من المقترحات لا يلتقي مع موقف العهد في مسألة شائكة، إذ اختتم بنقطةٍ تقول: «إن نادي الأنصار وشعوراً منه مع الأندية الشقيقة ووقوفاً منه إلى جانبها وتحديداً من الناحية الاقتصادية بسبب الظروف القاهرة التي يمر بها لبنان لأول مرة في تاريخه، فإنه يرى بأن عدم الهبوط هو الحل الأمثل على أن يتم تعميمه على كافة الدرجات».
لكن لماذا ذهب الأنصار إلى اقتراحٍ غير معني به إلى حدٍّ كبير كون الفريق الأخضر لن يكون أبداً مهدّداً بالهبوط؟
الجواب يوجد في النقطة الثالثة من الكتاب الأنصاري التي تقول: «إن نادي الأنصار يؤكد موافقته على إقامة الدوري من مرحلة واحدة على أن تنطلق من بدايتها (يرى الأنصار أن استكمال البطولة وفق نظام جديد هي مسألة غير قانونية)، وتنتهي بمربع ذهبي (بصفر نقاط أي مرحلة جديدة دون الاستفادة من نقاط مرحلة الذهاب) من أجل تحديد هوية بطل لبنان لموسم 2019-2020».
والأنصار كغيره يتوقّف عند حماية حظوظه، فهو كان قد تلقى خسارةً من منافسٍ مباشر هو النجمة، وبالتالي استكمال البطولة من مرحلة واحدة لا يخدمه، كما لا يخدمه التخلي عن أجانبه، فيريد هنا بطولة جديدة بوجود العنصر الأجنبي. لكن للدخول إلى الجمعية العمومية بهذا الاقتراح لا بدّ من الحصول على تأييدٍ له، ويبدو أن العمل للحصول على الدعم بدأ من خلال النقطة الخامسة أي كسب الأندية المطالبة بإلغاء الهبوط للوقوف في صفّه، ما يعني أن «اتفاقاً» وُلد أو في طور الولادة يطلّ من خلال هذه المعادلة!
تعتبر بعض المصادر المتابعة أنه من حقّ أيّ نادٍ العمل على تقديم طرحٍ يصبّ في مصلحته، لكن هنا يجب التنبّه إلى المصلحة العامة أيضاً، وإلى نقطةٍ أخرى يمكن لمسها من أحاديث عددٍ كبير من الإداريين وهو أن ما يحكيه بعضهم في اجتماعات الاتّحاد أو في الاجتماعات في ما بينهم مغاير تماماً لمّا يقولونه في الدوائر المغلقة، ما يكشف بالتالي روايات أخرى، منها أن أحد الأندية المطالبة بلعب البطولة من دون أجانب سيؤيّد انطلاقها من النقطة الصفر رغم أنه كان أحد السبّاقين إلى ترحيل أجانبه، والسبب لتأييد هذا المقترح أنه سيكون بمقدوره استقدام أجانب جدد بعدما وجد الحل لهذه المسألة من دون أن يتحمّل أعباء التكلفة!
من هنا يمكن تخيّل ما سيكون عليه الأمر في الجمعية العمومية في حال بقي الوضع على ما هو عليه بالنسبة إلى تموضع الأندية خلف المقترحات المختلفة، وهو ما يجعل خطر إلغاء البطولة قائماً ولو أن هناك تشكيكاً عند البعض في اتّخاذ الاتّحاد قراراً كبيراً مثل هذا القرار، وهو الذي بدا من خلال مقترحاته بأنه يسعى إلى إيجاد حلولٍ ترضي الجميع ولا توقف البطولة، ولو أن قرارات سابقة لحظت التوازنات ولم تفضِ إلى النهاية المنتظرة.