لم يكن خوض العهد لنهائي كأس الاتحاد الآسيوي ليمرّ مرور الكرام عند جمهور الكرة الذي لم ينسَ أصلاً معشوقته في عزّ الأزمة التي يعيشها لبنان. هو أمرٌ واضح وطبيعي وعكسه تصريح فكاهي لأحد الأشخاص عبر شاشة «الجديد» أمس قائلاً بأنه يقطع الطريق اعتراضاً على التأجيل المستمرّ لمباريات الدوري اللبناني، ومعبّراً عن اشتياقه لرؤية فريقه المفضّل النجمة.اشتياقٌ لم يكن بحجم الشوق إلى بداية الدقائق التسعين للقاء التاريخي بالنسبة إلى كرة القدم اللبنانية، فشوق الجمهور (بغالبيته) لرؤية إنجازٍ كروي طال انتظاره خرق الصراخ المتعالي من الشوارع عبر صرخة الفرح بالهدف الغالي الذي سجّله الغاني عيسى يعقوبو، مانحاً لبنان أول بطولة خارجية في تاريخه.
قبل وخلال وبعد المباراة عرفت مواقع التواصل الاجتماعي موجةً من المواقف، منها المؤيّدة لنادي العهد، ومنها الكارهة لمجرد فكرة تتويجه باللقب الآسيوي، ومنها فكاهي، والبعض الآخر رسمي وتحديداً في ما خصّ الأندية الأخرى التي خرجت مهنّئة بالإنجاز المحقّق، إضافةً إلى لاعبي هذه الأندية المختلفة.
الجميل كان في صبيحة يوم المباراة هو ما كان يمكن متابعته عبر «فايسبوك» تحديداً، ويشبه وضع الشارع الثائر، حيث الالتفاف من قبل الأكثرية الساحقة حول العهد رغم حملة التخوين التي حاول البعض تسويقها في حق زملاء له في المدرّجات. لكن اللافت كان هو حملة الدفاع الشرسة التي قام بها نجماويون وأنصاريون (على سبيل المثال لا الحصر)، للتأكيد على أنه في هذه المرحلة الحسّاسة يفترض أن يقف الجميع وقفة وطنية مع «العهد الرياضي» كون الكرة اللبنانية تحتاج إلى هذا الإنجاز أكثر من أي وقتٍ مضى.
وفي خضم الجوّ المتوتر في البلاد والحساسية التي ولدت تجاه كلمة «العهد»، كانت الإشارة واضحة من جمهور الكرة حول أن العهد المقصود هو بطل الدوري اللبناني، وذلك منعاً لأي التباس، وخصوصاً لناحية أولئك الذين تصدّروا مشهد التحركات المطلبية في الشارع وخرجوا بالأمس ليقولوا: «أنا مع العهد (الرياضي)».
الواضح أن «ألتراس» متعصّباً لفريقه كان حاضراً بقوة عبر الصفحات، وهو أمر طبيعي ولا يُلام عليه هؤلاء، فحبّهم لفرقهم تجعلهم «متطرفين» في عاطفتهم له، لكن ما كان صادماً بحق هو ذهاب البعض إلى تزيين صفحته، لا بل استبدال صورته الشخصية بشعار فريق «25 أبريل» الكوري الشمالي. وإذ خرج معارضون لهؤلاء قائلين بأنه يفترض عليهم اتخاذ موقف وطني، كان الرد فكاهياً من أحدهم «لأنني أحب لبنان سأشجع الفريق الكوري الشمالي، فهو سيرتدي ألوان منتخب لبنان (الأحمر) خلال المباراة».
وفي موازاة التعليقات العلنية المعترضة على «حبٍّ طارئ ومؤقّت» للبعض تجاه فريقٍ اعتادوا مهاجمته يومياً عبر «السوشال ميديا»، تسلّل آخرون إلى حساباتهم عبر رسائل خاصة فيها اللوم والعتب وأحياناً التخوين بسبب وقوفهم خلف العهد في هذا الاستحقاق، الذي شدّد كثيرون على أنه وطني، وعلى أن الإنجاز المنتظر هو حاجة للعبة أكثر منه لقباً لنادٍ فقط. مشهدٌ عبّر عنه ما كتبته الزميلة تالا عسيران على صفحتها، وهي المعروفة بتعصّبها للنجمة «يلي مزعوج لأن انا عم شجّع نادي العهد ممثّل لبنان بكأس آسيا... عادي في ينزل على جسر الرينغ».
ويمكن القول بأن إنجاز العهد في آسيا سيرفع من مستوى التحدي بين الأندية، وهو أمر سيضغط له جمهورها، الذي لا يبدو قسمٌ منه متقبّلاً لفكرة تتويج «الأصفر»، إذ بالنسبة إلى علي علوية «المسؤول عن عدم وقوف النجمة على منصة التتويج القارية بدلاً من العهد هو الإدارات المتعاقبة على النادي «النبيذي» منذ عام 1944». أما محمد عبد الرازق وهو مشجع أنصاري فيلتقي معه في هذا الكلام معتبراً أن عدم تحوّل الأنصار بطلاً لآسيا سببه «الإدارات المتعاقبة على النادي منذ عام 2000 وحتى اليوم».
كل هذا الكلام اصطدم باحتفالات عهداوية لا حدود لها لدرجةٍ طغى فيها اللون الأصفر على الصفحات. وربما كان الأبرز ما كتبه المشجع العهداوي المعروف جهاد زهري «فريق العهد يُدخل مليون و800 ألف دولار إلى الاقتصاد اللبناني»، في إشارةٍ منه إلى مبلغ المليون و500 ألف دولار الذي يحصل عليه الفائز باللقب، معقّباً بالمطالبة بتسمية رئيس النادي تميم سليمان وزيراً للشباب والرياضة، ومفتخراً بصورة يحمل فيها وزميلاً له العديد من الكؤوس تعلوها عبارة «ما بقى في مطرح» للدلالة على الإنجازات الكثيرة للعهد في الأعوام الأخيرة.
ولم تغب روح الفكاهة عن حارس العهد السابق حسن بيطار الذي يعيش في أنغولا حالياً، فسأل عن ميداليته، إذ على حدّ قوله بأن المدرب باسم مرمر كان قد سجّله على كشوفات الفريق للبطولة القارية على سبيل الاحتياط. مطلب لاقاه محمد الحاج حسن على صفحة بيطار بصورةٍ للعهد وشعار الميدالية مع عبارة بدلالات سياسية «في عهد قوي واحد بلبنان».
أما الواضح أكثر فإن هناك من أخذ الأمور بجديّة وصوّب بكلمات عميقة تعطي أمثولة يمكن البناء عليها لتحقيق النجاحات، وهو ما ظهر تحديداً في كلام الزميل حسين ياسين الذي كتب: «الفريق الذي بدأ قصته مطلع الثمانينات تحت اسم الهدى، ولم يكن يملك بدايةً عدداً كافياً من اللاعبين لكي يلعب على ملاعب كبيرة. الفريق الذي كانت أقوى مواجهاته وقتها ضد نجمة المصيطبة، جبشيت و... العهد هذا الفريق صار بطلاً لآسيا اليوم، صار فخراً لكل لبنان...».
هو فخر بلا شك لكل محبٍّ لكرة القدم اللبنانية قبل أن يكون محبّاً لفريق العهد، لا بل لكل لبناني يحبّ أن يصف بلاده بوطن الإنجازات.