بعد فوزها بشرف تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، اتخذت قطر العديد من الخطوات لإتمام العرس الكروي الأكبر في عالم المستديرة على أحسن وجه ممكن، خاصةً أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة من الشرق الأوسط بطولة من هذا الحجم. للظهور بأفضل صورة ممكنة، عملت الدولة المستضيفة على شقّين رئيسيين، تجهيز منشآت رياضية عالية الجودة، وتطوير مستوى المنتخب الوطني. تحسن هذا الأخير كثيراً في فترةٍ وجيزة. مزيج من سياسة التجنيس والاعتماد على مواهب أكاديمية «أسباير»، جعلا من منتخب قطر أفضل المنتخبات الآسيوية أخيراً، كما يتوقع أن يكون ظهور المنتخب بصورة مشرفة عام 2022، في ظل النتائج الجيدة أخيراً.بالعلامة الكاملة، تربّع منتخب قطر على عرش آسيا، بعد أن حقق سبعة انتصارات في سبع مباريات خلال بطولة آسيا الأخيرة. الأداء العالي لـ«العنابي» جعله ضيفاً في بطولة كوبا أميركا لعام 2019، كأوّل منتخب عربي يشارك في المسابقة. بعيداً عن النتائج، قدّم المنتخب أداءً جيّداً. ثبات فنيّ واستقرار إداري، أوصل رسائل واضحة بأن قطر جاهزة لبطولة كأس العالم، التي ستُقام على أرضها وبين جماهيرها، وهو ما أكده وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عندما علّق على التتويج الأول لمنتخب قطر بكأس آسيا، «الوعد هو كأس العالم في قطر 2022».
منذ أن تم الإعلان عن استضافة قطر لنهائيات كأس العالم 2022، بات هدف العنابي الأول هو الاستعداد للذهاب بعيداً في المشاركة الأولى بالمونديال، إضافةً إلى المنافسة على جميع البطولات القارية الممكنة. لتحقيق هذا الهدف، قام الاتحاد القطري بتقديم عروض الاحتراف عن طريق ضم اللاعبين إلى الفرق القطرية (في مختلف الفئات العمرية)، خاصةً فريقي لخويا والسد، ومن ثم منح الجنسية القطرية للاعبين المميّزين.
الخطوة الأبرز للقيّمين على هذا المشروع، تمثلت في تطوير أكاديمية «أسباير»، التي عملت على صقل العديد من المواهب الشابة وصولاً لتألقها مع المنتخب الأول. تقضي فلسفة أسباير ورؤيتها تكوين جيل رياضي عالي المستوى، قادر على رفع راية قطر في المحافل الدولية، وذلك عبر الجمع بين الرياضة والتعليم تحت سقف واحد. تأسّست الأكاديمية عام 2004، وكان إيفان برافو ـ المدير السابق للاستراتيجيات داخل نادي ريال مدريد ـ المفتاح الرئيس لنجاح هذه التجربة، بعد أن وقع الاختيار عليه من جانب الاتحاد القطري. لم تأخذ التجربة وقتاً طويلاً لتثبت نجاحها، فسرعان ما تكوّن فريق قطري شاب، حقق لقب كأس آسيا للشباب تحت سن الـ 19 سنة في ميانمار. تدرجت هذه المواهب الشابة في مختلف الفئات العمرية، وصولاً إلى المنتخب الأول الذي شارك في كأس آسيا، والذي ضم 8 لاعبين نشأوا في أكاديمية أسباير، أبرزهم هداف البطولة المعز علي، وتدين قطر للمدرب فيليكس سانشيز الذي أشرف على لاعبيه الحاليين على مدى السنوات الماضية.
مع نهاية كأس آسيا الأخير، باتت أكاديمية أسباير مثالاً يحتذى في عالم كرة القدم، وقد نالت العديد من الإشادات من مختلف الجهات الكروية، كان آخرها من رئيس اللجنة الأولمبية النيوزيلندية مايكل رولاند ستانلي، الذي زار الأكاديمية مطلع الأسبوع الماضي. وبعد جولةٍ بين أسوار الأكاديمية، رحّب مدير الرياضة والاستراتيجيات في أسباير ماركوس إيغر بالضيف النيوزيلندي، وقدم له شرحاً موسعاً عن الأكاديمية، ثم أخذه في جولة للتعرف على منشآتها، بما في ذلك مبنى مدرسة الأكاديمية ومركز تطوير أداء كرة القدم الجديد، إضافةً إلى باقي المرافق. وصرح ستانلي عقب جولته في الأكاديمية قائلاً، «لقد سافرت كثيراً حول العالم من موقع منصبي كرئيس للجنة الأولمبية النيوزيلندية، ورأيت مؤسسات رياضية كثيرة، لكنني صراحة لم أرَ قط مثيلاً لما رأيته في أكاديمية أسباير هنا في قطر. ولعل الجمع بين الرياضة والتعليم تحت سقف واحد، في ظل وجود منشآت بهذا الحجم والدقة وكذلك وجود كفاءات وكوادر تدريبية وفنية وعلمية من مختلف الجنسيات، هو ما يميز أكاديمية أسباير عن باقي المؤسسات الرياضية العالمية، وهو السر وراء تألق الرياضة القطرية في الآونة الأخيرة في عدة مجالات ومناسبات دولية وقارية».