تَعمل العلامات التجارية الكبرى وتحديداً الرياضية منها على الترويج لنفسها عبر استخدام شعارات محددة، إيماناً منها بقدرتها على إقناع المستهلكين والرياضيين على حدٍّ سواء بـ«أيديولوجية العلامة التجارية». شركات عالمية مثل «أديداس»، «نايكي»، «ريبوك» وغيرها الكثير تسعى عبر إعلاناتها إلى إبراز القوة والشغف في عالم الرياضة عبر دعم الرياضيين الذين تقوم برعايتهم. إلا أنّ الواقع ليس دائماً كذلك، وتحديداً مع السيدات. شركة «نايكي» الأميركية التي تدّعي مناصرة المرأة، كانت تعاقب الرياضيات اللواتي يوقفن مسيراتهنّ مؤقتاً لإنجاب طفل، من خلال تجميد عقود رعايتهنّ وإيقاف الدعم المادي لهنّ. لكنّ الوضع اختلف أخيراً، بعدما اضطرت الشركة للتراجع عن سياستها الجائرة، تحت الضغط.
نشرت نجمة ألعاب القوى الأميركية أليسون فيليكس نهار الجمعة الفائت على حسابها على «إنستغرام» رسالة تلقتها من «نايكي»، مفادها أنّ الشركة عدّلت سياستها ولن تقوم بتخفيض المستحقات المالية للرياضيات اللواتي ترعاهنّ لمدة 18 شهراً في حال قرّرن الحمل. هذا القرار جاء بمثابة انتصار للرياضيات بعدما رضخت الشركة لمطالبهنّ، وهو طبعاً لم يكن ليأتي إلا بعد تعرض «نايكي» لانتقادات لاذعة وشنّ حملة عليها خلال الأشهر الماضية بسبب سياستها القاسية ضد الحوامل.
وكانت فيليكس، العداءة الوحيدة المتوجة بـ6 ذهبيات أولمبية، قد نشرت مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» في أيار/مايو الفائت ذكرت فيه أن شركة «نايكي» قررت تخفيض عقد رعايتها بنسبة 70 في المئة منذ ابتعادها عن المجال خلال فترة حملها في العام الماضي. في العادة، تشمل عقود رعاية الرياضيين عامة بنوداً تخفّض بمقتضاها الشركة المبالغ المدفوعة إذا لم يحقّق هؤلاء الأهداف الموضوعة على صعيد الأداء أو بلوغ مستويات معينة (تحقيق الميداليات الذهبية أو بالحد الأدنى المراكز المتقدمة). لكن عندما طالبت النجمة الأولمبية بضمانات لعدم تغريمها إذا حققت أرقاماً أقل من مستوياتها الاعتيادية «في الأشهر المحيطة بالولادة»، وطبعاً لاستثنائية وضع الحمل، اعترضت الشركة الأميركية على ذلك. فما كان من فيليكس إلا رفضت العقد المخفّض الذي عرضته «نايكي» بعد عودتها إلى المنافسات إثر إنجاب ابنتها، وانتقلت للتعاقد مع شركة «آيزكس» اليابانية للملابس الرياضية، ليتم تهديدها أيضاً بالتوقف عن الدفع لها للسبب نفسه. إلا أنّ البطلة الأولمبية نجحت لاحقاً بالتوقيع مع شركة «أثليتا» للملابس الرياضية الخاصة بالسيدات التي قدمت الدعم لها، طاويةً صفحة علاقتها مع الشركتين السابقتين على خلفية معاملتهما المجحفة بحق أمومتها.
اعتُبر القرار الجديد بمثابة انتصار للرياضيات بعدما رضخت الشركة لمطالبهنّ


إلا أنّ فيليكس لم تكن الأولى التي أطلقت شرارة الهجوم على عملاق صناعة الملابس الرياضية، إذ سبقتها إلى ذلك العداءة الأميركية أليسيا مونتانو، المصنفة ضمن أفضل 3 عداءات في العالم. في فيديو لها نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أيضاً، كشفت فيه مونتانو حقيقة ما يجري خلف الكواليس، رداً على الإعلان الذي أطلقته «نايكي» في عيد الأم والذي سلطت الضوء فيه على قدرة السيدات على تحقيق أحلامهنّ أيّاً كانت. يمكن للسيدات أن يصبحن لاعبات جمباز، ملاكمات، لاعبات كرة قدم، لكن تبقى الأمومة حلماً غير مشروع بالنسبة للشركة الأميركية، وهي بالمناسبة ليست العلامة التجارية الوحيدة التي تقوم بفرض العقوبات المالية في حال حمل إحدى السيدات التي ترعاهنّ. والأمر لا يقتصر على ذلك، فهذه الشركات تفرض شروطاً تقتضي التكتّم على مثل هذه البنود في عقود الرعاية، كي لا تكشف الرياضيات لاحقاً حقيقة ما يتعرضن له، ويطالبن بالحصول على تعويضات.

شاركت مونتانو في سباق وهي حامل في الشهر الثامن(أرشيف)

في الوقت الذي يعتبر احتراف الرياضة مهنة كاملة للرياضيين الذكور الذين يحصلون على الاهتمام والرعاية حتى حين تعرضهم للإصابة، فإنّ السيدات في المقابل يتمّ التضييق عليهنّ مادياً، وكأنّ صعوبة الحمل والإنجاب والقلق الذي يرافق هذه المرحلة وحده لا يكفي. وبدل أن تقوم العلامة التجارية بمراعاة قرار الرياضية بتكوين أسرة وتخفيف الأعباء عنها، فإنها تقوم بخلق المزيد من الضغوط عليها. جزء كبير من هذه المشكلة يكمن في حقيقة غياب العنصر النسائي عن مناصب القوة والنفوذ في مجال التسويق الرياضي أو عن الأدوار التنفيذية في هذا القطاع، أو ربما تغييبهن، من يدري. فغالباً ما يكون الرجال هم القائمون على صياغة هذه العقود والتفاوض عليها، بالإضافة إلى وضع الشروط التي تناسبهم، مع غياب أيّ تفهم حقيقي للوضع الصحي والنفسي للرياضية خلال فترة الحمل.
بطبيعة الحال وعلى خلفية الضجة الكبيرة التي سببها كشف هذه القضية، فقد تعهدت عدة علامات تجارية وشركات خاصة بالتجهيزات والمعدات الرياضية بتنفيذ سياسة جديدة والتعامل بشكل منصف مع الرياضيات اللواتي ترعاهنّ أثناء فترة الحمل، عبر إعطائهنّ ضمانات باستمرار حصولهن على الدعم اللازم خلال تلك الفترة. فيليكس، مونتانو، وغيرهما العديد من الرياضيات المحترفات اللواتي انضممن إليهنّ في هذه الحملة أثبتن أنّ الحمل وإنجاب الأطفال ممكن أن يكون جزءاً من مسيرة رياضية محترفة، وأنه لم يضعف قدرتهنّ على المنافسة على الألقاب أو يشكّل عائقاً بالنسبة لهنّ، بل العكس تماماً.