كبر دينيس بيرغكامب. الشعر الأشقر لم يشب بعد، لكن الملامح تغيرت طبعاً في سنيه الـ 44 عما كانت عليه عندما كان الهولندي يصول ويجول في ملعب الـ«هايبري» في لندن، وفي كل ملاعب إنكلترا في التسعينيات والسنوات الخمس الأولى من الألفية الثالثة. إلى لندن عاد دينيس يوم السبت. الشمس مشرقة ظهيرة هذا اليوم، على عكس ما كان متوقعاً وما هو عليه الحال عادة في شهر شباط في عاصمة الضباب، كما ابتسامة بيرغكامب.
كل شيء يشي بالفرح في هذا اليوم في شمال لندن بمحاذاة ملعب «الإمارات»، هذا الملعب الذي لم يحظ بنصيبه من سحر بيرغكامب، ذلك أن انتقال أرسنال للعب فيه تزامن مع اعتزال الهولندي لكرة القدم عام 2006، لكنه نال الشرف بأن يُخلِّد هذا النجم بتمثال من البرونز عند أحد مداخله لإحدى أروع اللقطات للاعب ارتدى قميص «المدفعجية»، وهي اللقطة التي طار فيها بيرغكامب في الهواء ليُسكن الكرة على قدمه اليمنى في المباراة أمام نيوكاسل في شباط 2003. ولنيوكاسل هذا، قصة بحد ذاته مع سحر بيرغكامب، إذ كيف للذاكرة أن تنسى مباراة «المدفعجية» والـ«ماكبايز» في آذار عام 2002، عندما أدهش دينيس العالم بلقطة مراوغة خيالية حين وصلته الكرة في الدقيقة الـ 13 من زميله الفرنسي روبير بيريس، فتخلّص من رقابة المدافع دابيزاس بلمسة واحدة لتلتف الكرة على نحو عجيب وتسقط خلف الأخير، ويسددها بيرغكامب في شباك المرمى.
ظهيرة السبت إذاً، عاد دينيس إلى لندن. ببزته الرسمية ووشاح أرسنال يتدلى على كتفَيه، وقف بيرغكامب يناظر الجموع المحتشدة، وبينهما تمثاله البرونزي وأشواق لا تنتهي. كل الأرسناليين كانوا في المكان، كباراً جاؤوا يشكرون هذا الهولندي على ما قدمه لهم من لحظات كروية ساحرة قلّ نظيرها ويستذكرون معه آخر بطولتين في الدوري الإنكليزي حققها فريقهم عندما كان دينيس في صفوفه، وصغاراً ليتعرفوا إلى ذاك النجم الذي رسموا صورته في مخيلتهم من روايات الأهل لهم عن أسطورته في ملعب الفريق السابق «هايبيري». المشهد كان معبّراً للغاية ظهيرة السبت. ابتسامة دينيس كانت توحي بذلك، كما الفرحة في عيون أنصار أرسنال، هؤلاء الذين قاسوا، ولا يزالون، الأمرين، منذ رحيل بيرغكامب وزملائه من الجيل الذهبي «للغانرز» من طوني أدامس وديفيد سيمان إلى الفرنسيين تييري هنري وروبير بيريس وباتريك فييرا، إلى السويدي فريدي ليونغبرغ وغيرهم. في لحظات، تناست الجموع الخيبات المتتالية، وآخرها على بعد أمتار في داخل الملعب، أمسية الأربعاء الماضي، بالخسارة أمام بايرن ميونيخ الالماني 0-2، وأرادوه يوماً للفرح واستمداد الأمل لقادم الأيام من إشراقة ابتسامة أحد نجومهم الأزليين.
إذاً، عاد بيرغكامب إلى لندن. من شمال العاصمة الإنكليزية، جدد دينيس الولاء لعلم «المدفعجية» رغم مضي 9 سنوات على رحيله عن الفريق، ورغم أنه من متخرجي مدرسة أياكس أمستردام. أما أرسنال، فقدّم الدرس لقيمة الفرق الكبرى التي لا تنسى أبداً نجومها الغابرين، وتعرف، لا بل تتقن، كيف تكرّمهم.
كم كانت معبرة اللقطات حين كان بيرغكامب يوجّه كلمات لأنصار أرسنال، تحت سماء لندن الصافية بمحاذاة ملعب «الامارات»، يعبّر فيها عن حبه الكبير لهذا الفريق وامتنانه لهذا التكريم، فيما هؤلاء يحدقون فيه لحظة وفي تمثاله إلى جانبه بأخرى، وما بين النظرتين تتراءى لهم مشاهد مئات اللقطات الساحرة لنجمهم السابق بقميص «الغانرز». أما في الخلف، فملعب «الإمارات» يكاد يصرخ: يا ليتك الآن يا بيرغكامب على عشبي الأخضر تسرح وتمرح، ومن سحرك تعود مدرجاتي لتفرح.