سقطت الخطوط الحمر ورسم الجشع خطاً عريضاً في عقول الكثيرين من نجوم اللعبة الشعبية الأولى في العالم. نيمار عكس هذه المقولة بشكل واضح قبل فترة قصيرة عندما اعتبر أن أفضل مباراة بالنسبة له كانت «الريمونتادا» الشهيرة لفريقه السابق برشلونة الإسباني ضد فريقه الحالي باريس سان جيرمان الفرنسي!قد تكون هي فعلاً أجمل ذكرى في مسيرة كل لاعبي الفريق الكاتالوني الذين قلبوا النتيجة بطريقة خرافية أمام بطل فرنسا، لكن النجم البرازيلي وجّه ضربة للروح والأخلاق الرياضية، وأكد أن هذه النقطة تحديداً لا تعنيه، إذ إن جلّ ما يريده هو شقّ طريقه بـ«القوة» نحو الخروج من العاصمة الفرنسية، والعودة إلى الفريق الذي كان قد قرر أن يدير له ظهره أيضاً في الأمس القريب.
هي فعلاً قصة غريبة توضح صورة الخيانة المتنقّلة لدى عددٍ من أبرز لاعبي كرة القدم في الوقت الحالي، والذين لم تعد تهمهم القيم الأساسية للعبة، والتي ربطت نجوماً كثراً بأنديتهم الأم إلى الأبد.
البحث في الذاكرة، يعيد إلى الواجهة أسماء خالدة لا تعرف سوى كلمة الوفاء، وليس عاقلاً من يشك للحظة، بأنها لم تتلقّ عروضاً للعب مع أندية منافسة أو خارج بلادها، لكن هذه الأسماء لم تكترث للإغراءات بل إن ارتباطها العاطفي بالأندية التي نشأت فيها، أو تلك التي قدّمتها إلى الأضواء، جعلها تلتصق بقميص أوّل مرّة، حتى النهاية. الأمثلة كثيرة على هذا الأمر، من الإيطالي باولو مالديني الذي لم يفارق ميلان، إلى مواطنه فرانشيسكو توتي الذي لم يحلم سوى باللعب لروما، ومروراً بالإسباني كارليس بويول الذي قال يوماً إنه لن يطيق نفسه بقميص غير تلك التي ارتداها منذ نعومة أظفاره أي قميص «البرسا». وقبله قالها قائد ليفربول السابق ستيفن جيرارد الذي لم يهتم يوماً للألقاب بعيداً عن «أنفيلد رود». وكذا ثنائي مانشستر يونايتد سابقاً الويلزي راين غيغز والإنكليزي بول سكولز اللذان تخرّجا من أكاديمية النادي وبقيا فيه حتى إسدال الستارة. كما تطلّ أمثلة عدة عن لاعبين لم يبدأوا مشوارهم مع الأندية التي برزوا فيها، لكنهم عاشوا كل ظروفها من دون التفكير بتركها، أمثال النجم الإيطالي، الحارس جانلويجي بوفون الذي رفض ترك فريق «السيدة العجوز» حتى عندما أُسقط إلى الدرجة الثانية بقرارٍ اتحادي على خلفية فضيحة «كالتشوبولي» الشهيرة. هو خاطر بمسيرتيه وقاتل من أجل إعادة الفريق إلى دائرة الأضواء، ولم يهتم بالعروض التي انهالت عليه، فانتظر حتى العام الماضي لخوض تجربة خارجية مع باريس سان جيرمان قبل أن يعود هذا الصيف إلى حبّه الأول والأخير لإنهاء مسيرته والتفرغ لعمل إداري مع «اليوفي».
نيمار وبوغبا المثال الأبرز للخيانة وحبّ الذات


تشبه هذه الخطوة ما فعله فرانك لامبارد، إذ إن نجم الوسط الإنكليزي ليس من مواليد ملعب «ستامفورد بريدج»، لكنه لم يفكر إطلاقاً بترك «البلوز» منذ وصوله إلى العاصمة الإنكليزية، حتى وصل إلى مرحلةٍ لم يعد فيها قادراً على مساعدة الفريق، فجرّب حظه بعيداً عنه في مواسمه الأخيرة، لكنه يعود اليوم إليه كأسطورة حيّة حيث رحّب الكل بقدومه لتدريبه رغم أن مسيرته التدريبية لا تزال في بداياتها.
أمثال لامبارد يكافأون على إخلاصهم، تماماً على غرار ما فعله إنتر ميلانو لقائده الخالد الأرجنتيني خافيير زانيتي بمنحه منصباً إدارياً رفيعاً، وهو الذي لم يعرف سواه منذ توقيعه على عقد انضمامه إليه في عام 1995.
أما اليوم فهناك قلة تشبه هؤلاء، إذ ليس الكل مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يرد الجميل يومياً لبرشلونة بعد احتضانه له صبياً يافعاً يعاني من قصور في النمو. اليوم هناك أكثر من نيمار وبول بوغبا في الملاعب. الأخير يشبه الأول كثيراً، إذ بدا وكأنه عاد إلى مانشستر يونايتد الإنكليزي للاقتصاص منه فقط. هو كان قد تركه بمبلغ زهيد لينتقل إلى يوفنتوس ويتألق هناك ويصبح أحد أغلى لاعبي العالم. قدّر نادي «الشياطين الحمر» نقلته النوعية، وأعاده إليه مانحاً إياه فرصةً ليصبح أحد أساطير «أولد ترافورد». لكن ماذا فعل بوغبا؟ هو ببساطة «تمرّد» طالباً الرحيل إلى ريال مدريد الإسباني أو العودة إلى «اليوفي»، أما السبب فهو يشبه ما يعيشه نيمار ضمنياً أي الفشل في تحقيق الأهداف التي وضعها سلفاً. فإذا كان البرازيلي قد طمح إلى إصابة المجد المطلق على المستويين الجماعي والفردي، وهو أمر لم ينجح فيه، فإن بوغبا ظنّ بأنه سيحكم مملكة اليونايتد من دون عناء ويحصل على كل الاهتمام والضجة حتى لو لم يكن أفضل نجوم الفريق تأديةً على أرض الملعب.
النجمان مخطئان بشكل كبير، إذ أن اسميهما يرتبطان اليوم بالخيانة وقلة الوفاء. هما وكأنهما لم يشاهدا أبداً كل رسائل الشكر والمحبة التي خصّها جمهور تشلسي لنجمه البلجيكي إيدين هازار يوم قرر الرحيل إلى الريال، وذلك بعدما احترمها بخروجه بطريقة طبيعية من النادي اللندني ومن دون أي تصاريح أو تلميحات مستفّزة.