بعد اعتكاف عن الاجتماعات وتعاميم أسبوعية روتينية، خرج قرارٌ «تاريخي» من أروقة الاتحاد اللبناني لكرة القدم. «تاريخي»، ليس لأهميّته فحسب، بل لأنه، غالباً، واحدٌ من قرارات قليلة صادرة عن الاتحاد، ممكن أن ترفع من شأن اللعبة. صحيحٌ أن القرار كان مفاجئاً بالنسبة إلى الأندية، وتوقيته لم يكن مناسباً لها، لكن كان لا بُدَّ منه أخيراً، بسبب كل «الفوضى» التي أدّت إلى رفع أسعار اللاعبين بنحو مبالغٍ فيه، والنتائج المتردية لمنتخبات الفئات العمرية. القرار يقضي بإشراك عدد من اللاعبين دون 22 عاماً في مجمل مباريات بطولة الدوري العام وبطولة كأس لبنان، على ألّا تقلّ المشاركة عن 1000 دقيقة للاعب الواحد، و1500 دقيقة للاعبين، و2000 دقيقة لثلاثة لاعبين. أمّا العقوبة للنادي الذي لا يلتزم هذا القرار، فهي خصم ثلاث نقاط من رصيده في بطولة الدوري. وبالعودة إلى نتائج الفرق الموسم الماضي، والصراع الذي دام حتى الأسبوع الأخير للهروب من الهبوط إلى الدرجة الثانية، يمكن استنتاج أنّ النقاط الثلاث هذه غالية، وقد تؤثّر فعلاً في تحديد المراكز.القرار إيجابي، ونتائجه ستظهر على المدى البعيد، لكن الأكيد أنّ الأندية وفرقها ستعاني في الموسم الأول على الأقل عند تطبيقه، وهي عبّرت أساساً عن استيائها من توقيت صدور القرار، بعدما بدأت بالفعل بإبرام الصفقات، وهي على أبواب المشاركة في مسابقتي كأس النخبة وكأس التحدّي التنشيطيتين. لكن الأندية تأخّرت بدورها أيضاً، إذ كان الأجدر أن تُصدر مثل قرار كهذا وتُطبّقه على نفسها قبل أن يُطبّق على الجميع من سلطةٍ عُليا. القرار أيضاً سيكون مؤثّراً بعمل المدربين. ففي الوقت الذي تُطالب فيه الإدارات بنتائج سريعة، سيكون على المدرب الأخذ بالاعتبار أهمية إشراك لاعبين شباب في أكثر من نصف مباريات البطولة، على اعتبار أن مشاركة لاعب واحد بـ1000 دقيقة أو أكثر، يعني حتمية مشاركته طوال الدقائق التسعين في 11 مباراة. لكن المشكلة تكمن في عدم تمهيد الفرق لمشاركة هؤلاء، وبالتالي، معظم الذين سيخوضون البطولة في الموسم المقبل، سيكون لهم ظهور أول فيها. صحيح أن الاتحاد رفع عدد اللاعبين الاحتياطيين في المباراة من سبعة لاعبين إلى تسعة، بحيث سيتمكّن المدربون من استدعاء اللاعبين الأساسيين والاحتياطيين الذين هم في حساباتهم أصلاً، إلى جانب لاعبَين أو أكثر دون 22 عاماً، إلا أنهم سيضطرون إلى إشراك لاعب واحد منهم على الأقل في معظم المباريات.
لو كان هذا القرار فاعلاً خلال الموسم الماضي لشُطبَت ثلاث نقاط لستة فرق


في الواقع، ثمانية لاعبين دون 22 عاماً، من ستة فرق، شاركوا في أكثر من 1000 دقيقةٍ خلال الموسم الماضي، هم، حسين منذر من العهد، حسين رزق من شباب الساحل، خليل بدر من الشباب الغازية، يوسف بركات من السلام زغرتا، حارس التضامن صور هادي مرتضى، وثلاثيّ الراسينغ هادي خليل، علي فحص ووليد شور، في حين أنّ العديد من الفرق لم تُشرك لاعبيَن اثنين بأكثر من 500 دقيقة. بالتالي، لو كان هذا القرار فاعلاً خلال الموسم الماضي، لَشُطبَت ثلاث نقاط لستة فرقٍ. وبهذه العملية جدول الترتيب كان سيتغيّر، فيبقى الراسينغ ضمن أندية الدرجة الأولى، ويهبط الصفاء بدلاً منه، إلى جانب تغييراتٍ أخرى. الحال لن يكون أسهل في الموسم المقبل، إذ إنّ أربعةً من اللاعبين المذكورين تخطّوا العمر المُحدد، ما سيحتّم على الأندية إيجاد بدلائهم، إلى جانب لاعبَين إضافيين، ليشارك الثلاثي في مجموع 2000 دقيقة.
هذا بالنسبة إلى الأندية. أما في ما يخصّ المدربين، فالموضوع يصبح أكثر تعقيداً بسبب قلّة وجود لاعبين دون 22 عاماً ضمن صفوف فرقهم. عموماً، الأندية بدأت بالتعاقد مع لاعبين شباب، إضافةً إلى ترفيع لاعبي الفئات العمرية إلى الفريق الأوّل. عقب القرار، ضم الإخاء الأهلي عاليه علي مرقباوي (18 عاماً)، وتعاقد البرج مع محمد الدر (21)، ويبدو أيضاً أن الأنصار سيحافظ على لاعبيه الشباب الذين أعارهم الموسم الماضي. فكرة إعارة اللاعبين لم تعد واردةً كما السابق، لحاجة الأندية إليهم الآن. في الوسط الكروي، يُشار إلى أن الأنصار هو المتضرر الأوّل، لأنه فرّغ فريقه من اللاعبين الشباب، وهو غير قادر على وضع أحد لاعبيه الأساسيين على مقاعد البدلاء، خاصةً الذين يشغلون خط الهجوم، كالحاج مالك تال وحسن معتوق وحسام اللواتي، ومعهم سوني سعد وحسين شعيتو «موني»، لكن المشكلة على المدى القريب تنسحب على جميع الأندية، بما فيها الثنائي المنافس الآخر على اللقب، العهد والنجمة. هذان يضمّان عدداً لا بأس به من النجوم، ما يعني أن مبدأ المداورة الذي يُعتمد أحياناً، سيصبح أكثر فعالية، في حين أن الفرق الأخرى التي تملك معدّل أعمار كبيراً ستعاني أيضاً. القرار قد يؤثّر بمعدّل دقائق لعب الأجانب، أو حتّى المراكز التي يشغلونها، كمركز المهاجم الصريح، الذي يكون عادة محجوزاً للاعب الأجنبي، وهو ما أثر كثيراً في المنتخبات الوطنية.
عموماً، يصبّ هذا القرار في مصلحة الأندية، ولو أنها ستتأثّر به سلباً في الموسم الأوّل على الأقل. هكذا، ستُعزز العمل على قطاع الفئات العمرية لإيجاد لاعبين مناسبين لخوض بطولة الدرجة الأولى. المستفيد الأوّل هو المنتخب الأولمبي، الذي لم يكتفِ بظهورٍ متواضعٍ في مشاركته الأخيرة ضمن تصفيات كأس آسيا، بل ظهر أنه غير قادر على أن يكون رديفاً للمنتخب الأوّل. الأكيد، أنه إذا استمر العمل بهذا القرار، سينتهي الحديث الذي دام طويلاً، عن المواهب اللبنانية المهمّشة، وسيأخذ هؤلاء حقّهم في البروز باكراً.