شهد الموسمان الأخيران في كرة القدم اللبنانية تعاقد عدد من الأندية مع لاعبين من أصول لبنانية منتشرين بين القارات، وبعضهم لم يسبق له أن زار لبنان. مصلحة مشتركة جمعت الأندية مع هؤلاء اللاعبين، فالفِرق تريد أن تدعم صفوفها بلاعبين قادرين على صناعة الفارق محليّاً، واللاعبون يريدون الاستفادة من العقود المالية الجيّدة نسبياً أولاً، والمشاركة كأساسيين مع الأندية المحلية ثانياً. علاقة جيّدة بُنيت، عادت بالكثير من الإيجابيات على الكرة اللبنانية، ولكن ماذا عن الاستمرارية؟منذ ما قبل الحرب العالميّة الأولى، إلى ما بعد الحرب العالمية الثانيّة، مروراً بالحرب الأهلية عام 1975 وصولاً إلى اليوم، شهد لبنان حركة هجرة أو تهجير كبيرة جداً، فخرج مئات الآلاف في البداية، حتّى وصلت أعداد اللبنانيين في بلاد الاغتراب إلى أكثر من عشرة ملايين نسمة. حلم الهجرة لا يزال يراود مئات الآلاف في لبنان، للهروب من الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد، كذلك الخضّات الأمنيّة التي تحصل من وقت إلى آخر. في عالم كرة القدم اللبنانيّة، الذي غالباً ما يسير بعكس التيّار، فُتح باب العودة لأبناء وأحفاد المهاجرين، الذين وجدوا في الأندية المحليّة، أخيراً، مصدراً لدخل كبير نسبياً، ومحطّة مؤقتة للعودة من الاغتراب مجدّداً. هذه العودة إلى البلد الأم، تنقسم الآراء حول استمراريتها لسنواتٍ مقبلة، وهناك من يعتبر أنّها مرحلة مؤقتة، تنتهي مع استسلام رؤساء الأندية الحاليين، المتوقّع من واقع اللعبة في لبنان.
يرجّح أن يرتفع عدد اللاعبين القادمين من الخارج إلى 20 | تصميم رامي عليّان | أنقر على الصورة لتكبيرها

19 لاعباً لبنانياً مغترباً وقّعوا عقوداً مع سبعة أندية في الدرجة الأولى من بطولة الدوري اللبناني لكرة القدم، منذ مطلع عام 2017، حتّى قبل إغلاق سوق الانتقالات الصيفي هذا العام، مع توقّع ارتفاع هذا العدد في الشهرين المقبلَين ليفوق العشرين لاعباً. هي المرة الأولى التي يحضر فيها هؤلاء اللاعبون إلى لبنان، بل حتّى إن زيارات بعضهم تكون موسميّة، أو في المناسبات، أو لانخراط الدوليين منهم في تدريبات ومشاركات المنتخب الوطني الخارجية. السبب الأول في خطوة العودة التي لم يتّخذها آباؤهم هو المال، بعدما ارتفعت عقود اللاعبين اللبنانيين في السنوات الأخيرة مع الأندية المحلية، الأمر الذي أعاد معظم الذين احترفوا في الخارج بعد انتقالهم من الأندية المحليّة. في الواقع، لم تعد الملاعب الآسيوية والخليجية تحتضن سوى لاعبَين فقط، هما محمد غدار وحسين الدر اللذان يلعبان في ماليزيا، في حين أن ثمّة فترة تبعت تأهّل منتخب لبنان إلى التصفيات النهائية لكأس العالم في البرازيل 2014، شهدت ازدهاراً في احتراف اللاعبين اللبنانيين في الخارج، والذين فاق عددهم العشرة لاعبين، من غير المغتربين، خلال سنةٍ واحدة. عام 2017، عرفت كرة القدم اللبنانية استقدام نجوم المنتخب الوطني من اللاعبين المغتربين إلى الأندية المحليّة. قبل ذلك العام، انتقل العديد من اللاعبين إلى لبنان لكن على فتراتٍ متقطّعةٍ وبأعدادٍ قليلة. سواء كان اللاعبون الذين يحترفون في أوروبا أو الخليج أو شرق آسيا، أو حتّى في الأميركيتين. استطاع بعض الأندية إغراء اللبنانيين المغتربين بالعودة إلى بلدهم، فجاء سمير أياس من بلغاريا ليلعب مع نادي العهد، بعد فترةٍ وجيزةٍ من ظهوره الدوليّ الأوّل مع المنتخب، ولحقه جهاد أيوب من فنزويلا وقاسم الحاج من السويد. ومن هناك استقدم نادي النجمة الحارس الدولي عباس حسن، وعلي علاء الدين من الكويت، ثم كريم درويش من ألمانيا. الأنصار بدوره ضمَّ عدنان حيدر قادماً من النرويج، ومعه أمير الحصري من بلجيكا (خاض تجربة مع السلام زغرتا)، فيما تعاقد البقاع الرياضي مع كلفن ضو الذي جاء إلى لبنان من فنزويلا. نجاح معظم هؤلاء من جهة، وتراجع مستوى اللاعبين المحليين من جهةٍ أخرى، دفع هذه الأندية إلى استقدام لاعبين آخرين، فسلك ناديا التضامن صور والسلام زغرتا هذا الطريق من أجل تدعيم الصفوف. تجربة الأخير لم تكن ناجحة فعلياً، ومعظم الذين تعاقد معهم لم يقدّموا أداءً لافتاً، على غرار إميليو يمّين وألفريدو جريديني اللذين قدما من المكسيك، وعلي جابر من ألمانيا، في حين كان مستوى يوسف بركات الذي جاء من السنغال أفضل نسبيّاً، ومنحه التمثيل الدولي مع المنتخب الأولمبي، حيث رافقه الحارس هادي مرتضى الذي استقدمه التضامن صور من ألمانيا أيضاً.
ثمة رأيٌ يقول إن حركة العودة إلى لبنان لن تستمر طويلاً

أندية المقدّمة استمرت في ضمّ المغتربين، فجاء وليد شور إلى العهد قادماً من سيراليون، وسوني سعد انضم إلى الأنصار مع تجربةٍ طويلةٍ في الولايات المتحدة الأميركية تخلّلتها أخرى في تايلاند، في حين وقّع يحيى الهندي مع النجمة قادماً من أستراليا. نادي الصفاء دخل على الخط بتعاقده مع حسين غملوش من الكويت، لكنّه لم يعطِه فرصة اللعب، ليعود سريعاً من حيث جاء. قبل انطلاق هذا الموسم، يرجّح أن يرتفع العدد إلى أكثر من عشرين لاعباً، مع استقدام الأنصار الحارس نمر لحود من المكسيك، ومتابعة النجمة عدداً من المغتربين، في ظلّ الحديث عن محاولة العهد ضمّ أحد الدوليين أيضاً. بعض هؤلاء اللاعبين لم يتقاضوا مبالغ عالية، فكان هدفهم اللعب بشكلٍ أساسي مع الأندية المحلية بدلاً من البقاء على مقاعد الاحتياط في الخارج، فيما أراد بعضهم المرور بلبنان للانضمام إلى المنتخب، ورفع آمالهم بالانضمام إلى أندية الخليج. أحد هؤلاء، (يفضّل عدم ذكر اسمه)، يقول إن هدفه الأول كان الانضمام إلى المنتخب والمشاركة في بطولة كأس آسيا 2019، طامحاً بالانتقال إلى أحد أندية الخليج، حيث يُمكن الحصول على مبالغ مالية كبيرة، مفضّلاً ذلك على إكمال مسيرته الكروية في أوروبا. الغريب في موضوع حضور هؤلاء اللاعبين، أن الذين نجحوا فعلاً، لم يتركوا لبنان، بل جدّدوا عقودهم، أو يسعون إلى تجديدها، على غرار ما فعل المحترفون الذين بدأوا مسيرتهم في لبنان. ثمة رأيٌ يقول إن حركة العودة إلى لبنان لن تستمر طويلاً. الأندية تدفع مبالغ كبيرة أخيراً، لكنّها لن تُكمل السير في هذا الطريق. أساساً، ثلاثة أنديةٍ فقط قادرة على استقدام اللبنانيين عبر العقود المالية الكبيرة، ومموّلوها غالباً سيصلون لاحقاً إلى مرحلة الاستسلام من واقع اللعبة، كما يشيرون ويلوحون دائماً، وبالتالي، تنتهي أيضاً مرحلة عدم الاحتراف.