هو منتخب الإقليم الذي أثار غضب قسمٍ غير بسيط من دول العالم يوم قرر انتزاع استقلاله والانفصال عن صربيا. هذا الحدث كان قبل 11 عاماً، لتشرع بعدها البلاد التي لا يصل عدد سكانها إلى المليونين في بناء نفسها على مختلف الأصعدة، ومنها على الصعيد الرياضي وتحديداً كرة القدم التي جمعت أبناءها وشرعت في بناء منتخبٍ لفت الأنظار إليه بشكلٍ سريع.منتخب كوسوفو الذي لم يكن معترفاً به من قِبل الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم قبل عام 2016، أثار أيضاً موجة اعتراضات يوم انتزع هذا الاعتراف، إذ كانت هناك خشية من دول أوروبية أخرى من أن تجد نفسها مجبرة على الجلوس على طاولة واحدة في الاتحاد القاري أو «الفيفا»، مع ممثلين لأقاليم تابعة لها، ومنها إسبانيا التي تعيش دائماً هاجس إقليم كاتالونيا، والذي لا يوفّر المسؤولون فيه أو الذين ينادون بالاستقلال، فرصة لتنظيم مباريات لمنتخب الإقليم، والذي يضم غالباً أسماء ثقيلة في عالم اللعبة.
المهم أنه وبعد ثلاثة أعوام فقط على تحوّل منتخب كوسوفو إلى منتخبٍ «شرعي»، أطلّ إنجاز غير متوقع، إذ إن المنتخب الفتيّ هو صاحب أطول سلسلة من المباريات من دون خسارة بين كل المنتخبات الأوروبية!
لم يعرف منتخب كوسوفو طعم الهزيمة في 2018 و2019، إذ خاض 14 مباراة ففاز في 9 منها وتعادل في 5، وتعود هزيمته الأخيرة إلى أواخر عام 2017. هي صدفة قد يراها البعض أو قد يعتبر البعض الآخر أنه لم يواجه منتخبات كبيرة، لكن الحقيقة مختلفة، فهو فاز في أرض بلغاريا (3-2) بطريقة مثيرةٍ جداً وبهدفٍ قاتل في الجولة الماضية من تصفيات البطولة القارية ليضع نفسه في موقفٍ جيّد في المجموعة الأولى متحدّياً منتخبي إنكلترا وتشيكيا اللذين يتقدّمان عليه بفارق نقطة واحدة فقط حالياً.
الأكيد أن كوسوفو اليوم قلبت كل التوقعات والرهانات بنتائجها المفاجئة مع المدرب السويسري برنار شالانديس الذي يعرف التعامل مع الوضع الجديّ للمباريات، والذي لم تعتَد عليه البلاد سابقاً كونها سارت ببطء نحو دخول دائرة المنافسات الرسمية، وهي منذ استقلالها في عام 2008 خاض منتخبها مباريات وديّة فقط، في وقتٍ كان تركيز الدولة على تمتين أسسها وسط صراعاتها مع جيرانها، والتي تُرجمت حتى في الإطار الكروي وبشكلٍ فاضح عندما رفض مدرب منتخب مونتينغرو ولاعبَان في تشكيلته مواجهة كوسوفو ضمن التصفيات القارية أخيراً بسبب عدم اعترافهم بها كدولة مستقلة.
لكن الواقع أن كوسوفو لا تكترث لأي شيء في ما خصّ تطورها الكروي، لا بل إنها تصدّرت إحدى مجموعات دوري الأمم الأوروبية، ولو أن هذه المجموعة ضمّت منتخبات ضعيفة مثل أذربيجان ومالطا وجزر فارو، لكن أقله فإن المنتخبات المذكورة تنشط على الصعيد الرسمي منذ زمنٍ بعيد، لكنها رغم ذلك انكفأت أمام المنتخب اليافع الذي سجل 15 هدفاً وتلقى هدفين فقط في 6 مباريات.
هذه الأرقام عكست بلا شك تفاؤلاً بإمكانية تقديم شيء أفضل في المستقبل، لكن أحداً لم يتوقّع أن يكون التطور بهذه السرعة فالمنتخب الذي يحتلّ المركز 127 في تصنيف «الفيفا» تعادل مع الدانمارك ومونتينغرو وفاز على بلغاريا، ليقف حتى أمام البرتغال كصاحب سلسلة النتائج النظيفة الأطول، إذ إن بطل أوروبا لم يخسر في 10 مباريات متتالية.
كل هذا جاء بفضل مجموعة من اللاعبين الذين ينشطون خارج البلاد، إذ وحده الحارس الثالث فيسار بيكاي الذي يلعب لنادي بريشتينا ينشط في الدوري المحلي، بينما يتوزع اللاعبون الآخرون في بلدانٍ مختلفة في أوروبا، فهناك من يلعب في إلمانيا وإنكلترا، وهناك من يدافع عن ألوان أندية في السويد والنروج والدنمارك وسويسرا وكرواتيا وتركيا وبلجيكا والمجر.
أسماء عدة لفتت الأنظار منها مهاجم فيردر بريمن الألماني ميلوت راشيكا الذي سجل 13 هدفاً ومرر 6 كرات حاسمة في 22 مباراة خاضها مع ناديه ومنتخب بلاده خلال السنة الحالية. لكن هناك اسم معروف آخر وهو لاعب سوانزي سيتي برسانت سيلينا الذي سجل واحداً من أجمل الأهداف التي شهدتها البطولات الإنكليزية في الموسم المنتهي، وذلك عندما هزّ شباك مانشستر سيتي في مسابقة كأس إنكلترا. وبالحديث عن بطل إنكلترا فهو سبق أن ضم حارساً من كوسوفو إليه وهو ابن الـ 20 عاماً أرييانت موريتش. ويضاف إليهم مدافع دينامو زغرب أمير رحماني، ومهاجم شيفيلد ونسداي الإنكليزي أتدي نوهيو.
هي مجرد أسماء قد تبرز لاحقاً بشكلٍ أكبر وقد تختفي كليّاً، لكن الأمر الذي يمكن الجزم به هو أن منتخب كوسوفو يعطي درساً حالياً في عملية البناء المرتكزة على روح الانتماء قبل أي شيء آخر.