ظاهرة اقتحام المشجعين لأرض الملعب في كرة القدم ليست جديدة، فهي تعود لسنوات طويلة سابقة، ولكن بفعل النقل التلفزيوني، ووصول المباريات إلى مئات ملايين المشجعين أخيراً، باتت هذه الظاهرة محطّ اهتمام، كما أنها بدأت بالازدياد. تاريخياً هناك محطات أساسية محفورة في سجلات كرة القدم عن اقتحام المشجعين أرض الملعب.عام 1909، جمهور كلّ من سيلتك ورانجرز الإسكتلنديين اقتحم ملعب المباراة التي جمعت الفريقين، اعتراضاً على الدفع لشراء بطاقات مباراةٍ ثالثةٍ، بعد انتهاء اللقاء الثاني بالتعادل، وسط إشاعاتٍ عن أن النتيجة تم التلاعب بها عمداً، للحصول على عائداتٍ ماليةٍ إضافيةٍ من المشجعين.
عام 1980، مشجعو الفريقين عينهما تشاجروا على أرض الملعب في نهائي مسابقة الكأس، ليتم من بعدها حظر الكحول على المدرجات في الملاعب الإسكتلندية. بعد هذه الخطوة، لجأ الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم أيضاً إلى حظر الكحول على المدرجات.
في عام 1977، جمهور المنتخب الإسكتلندي يحطّم مرمى المنتخب الإنكليزي في واحدةٍ من أبرز مشاهد شغب الجماهير في عالم كرة القدم.
عام 2010، مشجعو نادي سراييفو البوسني يقتحمون أرض الملعب للاحتجاج على عدم قبض الشرطة على قاتل أحد مشجعي ناديهم في مباراةٍ سابقة.
عام 2014، الكوميدي فيتالي زدوروفيتسكي يدخل أرض ملعب مباراة ألمانيا والأرجنتين ضمن بطولة كأس العالم، ويحاول تقبيل الألماني بينيديكت هوفيديس.
السبت 1 حزيران/يونيو 2019، عشيقة زدوروفيتسكي، كينزي ولانسكي، تنزل من على المدرجات شبه عارية، خلال مباراة ليفربول وتوتنهام في نهائي دوري أبطال أوروبا، للترويج لموقعٍ إباحي.
تعوّدت الجماهير الرياضية في الألعاب كافة على مقتحمي الملاعب. لكلٍّ منهم رسالة، غالباً لا تكون رياضية. البعض يهدف إلى الشغب، والبعض الآخر لحضنٍ أو قبلةٍ من لاعب يحبه وكان يتوق لرؤيته وأخذ صورة معه، وآخرون يسعون خلف الشهرة، فيما قلّة تحاول إرسال رسالةٍ عالمية.
بعض المشجعين يرون في اقتحام أرض الملعب إهداراً لثمن تذكرة المباراة، خاصةً إذا كانت لنهائي دوري أبطال أوروبا مثلاً، أو نهائي بطولة قاريّة كبيرة، وتودي بحاملها إلى السجن، ولو مؤقتاً، وإلى المنع من حضور المباريات في الملعب، بحُكمٍ مؤبّد، وأحياناً، إلى غلق حساب إنستغرام من قِبل الشركة. هكذا حصل مع الروسية كينزي ولانسكي خلال نهائي دوري أبطال أوروبا قبل أسبوع. عشيقة مقتحم المباراة المونديالية قبل خمس سنوات، قفزت من على المدرجات إلى أرض الملعب الذي جمع ناديي ليفربول وتوتنهام ضمن نهائي دوري أبطال أوروبا، شبه عارية، للترويج لنفسها ولعشيقها، الذي يعرض مقالب كوميدية على موقع «يوتيوب». الفتاة التي كان يتابعها نحو 300 ألف شخص، ارتفع عدد متابعيها إلى أكثر من مليونين خلال 24 ساعة فقط، الأمر الذي رأت فيه شركة إنستغرام تشجيعاً على تكرار هذه الأفعال لكسب الشهرة بسرعة، فقامت بإغلاق الحساب. خطة المشجعة وصديقها لم تنجح.
نزول المشجعين من على المدرجات إلى المستطيل الأخضر ليس مشهداً غريباً على الملاعب اللبنانية، بل يكاد يكون اعتيادياً في المباريات المهمة التي يحضرها عددٌ كبيرٌ من الجماهير. في معظم الأحيان، يكون الشغب هو الهدف الأساسي من ترك المشجعين لمقاعدهم - إن وجدت - والاشتباك مع مشجعين آخرين على أرض الملعب وعلى المدرجات. بعضهم حاول التعدّي على الحكّام، وآخرون نجحوا في ذلك. عادةً يفلت هؤلاء من قبضة القوى الأمنية على الرغم من وجود مسار المسابقات في الملاعب الأولمبية، قبل أن يُسلّموا أنفسهم ليخرجوا من الملعب، وأحياناً ليعودوا إلى المدرجات مجدداً. بعض المشجعين يحملون أعلاماً حزبية، وآخرون يسعون إلى الحصول على حضنٍ من لاعبهم المفضل، أو التقاط «سيلفي»، أو على العكس، للوصول إلى لاعبٍ منافس بغية أذيته، وهو مشهدٌ يتكرر كل فترة. مشاهدُ تحصل أيضاً في ملاعب عربية ولاتينية وأوروبية، حتى مع دخول أشخاصٍ يحملون أسلحة. في المقابل يبقى المشهد الأكثر قبولاً، هو اقتحام الجمهور للملعب للاحتفال بلقبٍ أو كأس أحرزه فريقه، ولو أن هذا المشهد يتكرر في لبنان حتى في مبارياتٍ غير نهائية.
عموماً، لا يكسب هؤلاء المشجعون شيئاً من اقتحام أرض الملعب في لبنان، لكن على العكس في أوروبا، قد يكون لهذا الاقتحام قيمة تسويقية كبيرة. الروسية ولانسكي مثلاً، روّجت لموقع عشيقها من دون مقابل، متجنّبةً دفع مبلغٍ يُلامس الأربعة ملايين دولار خلال نهائي البطولة الأوروبية الأعرق، ذلك إلى جانب إمكانية ربحها عشرات آلاف الدولارات من التسويق الإعلاني عبر حسابها على إنستغرام لو كان لا يزال يعمل، ولم توقفه الشركة.
يبقى جيمي جامب مقتحم الملاعب الأكثر شهرةً على الإطلاق، وهو غالباً، له دوافعه المختلفة. ظهوره الأول كان مع رميه علم برشلونة على النجم لويس فيغو، اعتراضاً على انتقاله من برشلونة إلى ريال مدريد، وتم وصفه حينها بالخائن. بعدها كانت له رسالة سياسية حين اقتحم مباراة ألمانيا وتركيا في بطولة أوروبا (يورو 2004)، مرتدياً قميصاً كُتب عليه «التيبت ليست للصين»، كما كان له ظهورٌ مونديالي، وآخر في الدوري الإسباني والدوري الهنغاري.
ظاهرة اقتحام الملاعب قديمة، والأكيد أنها لن تتوقف لا في لبنان ولا في مختلف الملاعب الأوروبية والعالمية، والرسائل من ورائها كثيرة. ربما هي نكهة جديدة في كرة القدم، ولها جمهورها الواسع الذي يتفاعل معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.