عندما يتعلق الأمر بأندية كرة القدم غير المحبوبة جماهيرياً في أوروبا، فلا شك أنّ نادي باريس سان جيرمان يعتلي صدارة هذه القائمة. النادي الفرنسي الذي فاقت قيمة إنفاقه المليار يورو (منذ 2011) أملاً بالتتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا، بقي قطافه الأوروبي صفراً بعد 8 أعوام من انتقاله إلى طاعة القطريين. لم ينجح الفريق في إرضاء جمهوره رغم سطوته على الألقاب المحلية في السنوات الأخيرة، إذ إنّ هذا الأمر لم يكن كافياً لتخطي مرارة العقم الأوروبي.إلا أنّ الجمهور ليس الطرف الوحيد غير الراضي عن أداء الفريق. فقد أكدت تقارير صحافية فرنسية أنّ شركة قطر للاستثمارات الرياضية، والتابعة لجهاز قطر للاستثمار المملوكة للدولة، تفكّر جدياً في فكّ ارتباطها بالنادي، خاصة أنّ الأخير لم يحقق أي تقدم ملحوظ في بطولة دوري أبطال أوروبا خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى خسارة بطولة كأس فرنسا في الموسم الحالي. وجاءت هزيمة الفريق لنهائي كأس فرنسا أمام نادي رين «المتواضع»، لتؤكد وجود أزمة حقيقية في صفوف النادي، الذي لم تشفع له ملايين الدولارات لتحقيق الخطة المرسومة له.
وأشارت صحيفة «لو باريزيان» في تقرير لها، إلى أنّ قطر تدرس سحب التمويل المادي لباريس سان جيرمان، معتبرةً أنّ المؤسسة القطرية «نفد صبرها» من إخفاق المشروع الكروي الباريسي، الذي أثّر على سمعة دولة قطر بشكل سلبي، وجذب الانتقادات لها. بحسب الصحيفة، فإنّ الرئيس الحالي لدولة قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى جانب مستثمرين آخرين شعروا بخيبة أمل من التقدم الذي أحرزه الفريق منذ استثمارهم في النادي عام 2011 (النادي سيطر محلياً ولكن أوروبياً نتائجه لم تكن مرضية). خطوة الاستثمار في النادي الفرنسي حينها وتعيين ناصر الخليفي على رأس النادي كانت تهدف إلى جعل باريس سان جيرمان عملاقاً أوروبياً ينافس كبرى الأندية مثل ريال مدريد، برشلونة، بايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد. وقد نجح النادي بالفعل في فرض اسمه بين الكبار خلال سنوات قليلة.
تشير تقارير صحافية إلى أنّ هيئة قطر للاستثمار تفكر في شراء أحد ناديي روما أو ميلان الإيطاليين


أنفق الخليفي الملايين على صفقات ضخمة، أبرزها ضمّ البرازيلي نيمار من برشلونة لقاء مبلغ خيالي بلغ 222 مليون يورو، جعل منه أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم، بقيمة مضاعفة تقريباً للمبلغ الذي أنفقه مانشستر يونايتد الإنكليزي في صيف عام 2016، لضم الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس الإيطالي. لم يتوقف سان جيرمان عند هذا الحد. فبعد أسابيع فقط، ضم كيليان مبابي في صفقة قُدرت بنحو 180 مليون يورو، ليبرم النادي أكبر صفقتين في تاريخ كرة القدم في أقل من شهر.
هذه الصفقات إلى جانب أُخرى من العيار الثقيل، أراد من خلالها الخليفي خطف الكأس التي لم تعرف طريقها يوماً إلى خزائن الفريق، إلا أنها جعلت من النادي قبلةً للنجوم الذين يسعون لجمع الأموال وكسب الشهرة، لا حباً بالنادي وإيماناً بمشروعه. نتائج الفريق أثبتت أنّ إغداق النادي بالأموال دون سياسة مدروسة وقيادة حازمة غير كافية لتحقيق الهدف المنشود. فشلت الاستراتيجية القطرية بعد عجز النادي الباريسي في تجاوز دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا خلال المواسم الثلاثة الأخيرة، ولا سيما خسارته هذا الموسم في مباراة الإياب بثلاثية من مانشستر يونايتد (المتواضع) رغم تقدمه في الذهاب بهدفين نظيفين على ملعب «الأولد ترافورد». والأمر لم يقتصر على هذا الحد، فبحسب الصحيفة الفرنسية، بدأت المؤسسة القطرية تشعر بنوع من «نكران الجميل» من قِبل فرنسا، التي لم يتوقف إعلامها وجماهيرها عن انتقاد سياسة النادي، إذ إنّ المشروع القطري في فرنسا دائماً ما يتعرض للانتقادات والضغوطات، رغم نجاحه بتحويل النادي إلى علامة تجارية كبرى، ليس فقط في أوروبا بل في العالم. إلى جانب ذلك، فقد دفعت الشركة القطرية ما يزيد على مليار يورو كضرائب للحكومة الفرنسية منذ استحواذها على النادي، لتصبح هذه المخاوف المالية عبئاً إضافياً يُثقل كاهل القطريين.
وفي ظل خيبة الأمل القطرية في فرنسا، ظهرت تقارير صحافية تشير إلى أنّ هيئة قطر للاستثمار تفكر حالياً في شراء أحد ناديي روما أو ميلان الإيطاليين، ليكون أحدهما بوابتها لدخول عالم الكرة الإيطالية. في حين أشارت تقارير أخرى إلى أنّ قطر تسعى إلى خطف أحد أندية دوري الدرجة الأولى الإنكليزي وتحسينه ثم الصعود به للمنافسة على الدوري الممتاز، مكررةً النجاح في الدوري المحلي الذي حققته مع باريس سان جيرمان. حتى الآن لا شيء مؤكداً في الخطوة المقبلة للمستثمرين القطريين، إلا أنّ التخفيض الكبير في تمويل المشروع الباريسي يبدو أكثر الخيارات المطروحة في المستقبل القريب.