قبل الدخول في الموضوع، لا بد من العودة إلى أحد أعمال زياد الرحباني الذي تحدث عن أوضاع البلاد بصورة مختلفة. ولأن الرياضة تمرّ اليوم بما تمرّ به، كان لا بد من استعادة هذا السيناريو.«وليه إنت سامعو قبل بمرة لناقوس الخطر؟
سامعو ما هو منو شي
منو شي؟ رح سمعك ياه (...) سمعتو؟
اي، شي رهيب
بتحب سمعك شفير الهاوية؟ غير شي. وليه هيدا لو شي مرة فعلاً داقق خمس ثواني بس، ما كان بقي منكن مين يخبّر. ولو صدفةً بقي مين يخبّر ما كان لاقى واحد ليخبرو. ما إنتوا ما بصرلكن شي إنتوا ما بتموتوا، اللذة إنكن ما بتغلطوا».
يتحدّث السيناريو الذي كتبه زياد الرحباني في مسرحية «بخصوص الكرامة والشعب العنيد»، عن صوتٍ لشفير الهاوية، وهذا غالباً لا صوت له، لكن إن كان هناك واحدٌ، ليدقّه أحد، لأن كرة القدم اللبنانية تقع في الهاوية، والقعر بشع، بشعٌ جداً. والأبشع، أن المسؤولين يدفعون اللعبة إلى هذا القعر، والأخير ليس مزدحماً، لأن جيراننا ارتقوا، وإن وقعنا نغدو وحدنا.
كان مؤسفاً أن يشاهد متابعو كرة القدم اللبنانية، ما بدر من قائد المنتخب السابق وسفيره إلى الاحتراف رضا عنتر على ملعب مجمّع فؤاد شهاب في جونية خلال مباراة الراسينغ الأخيرة. أخطأ رضا، واعترف بخطئه واعتذر، لكنه أعلن ابتعاده عن اللعبة أيضاً. ابتعادٌ لم يأتِ كاستباقٍ للعقوبات التي تعرّض لها، بل بسبب الجو الرياضي العام وكواليسه. تعليب النتائج والمراهنات والأداء التحكيمي والإدارة غير الناجحة على جميع المستويات، وصولاً إلى الجو الجماهيري ربما، كلّها ساهمت في ابتعاد أحد رموز اللعبة عنها وانفعاله بهذه الطريقة، وغيره سبقوه، وآخرون سيلحقون به.
عام 2013 اتخذ الاتحاد اللبناني لكرة القدم قراراً تاريخياً بإيقاف عددٍ من اللاعبين والإداريين بعد الكشف عن تورّطهم بقضية المراهنات. اليوم، بعض هؤلاء، عادت أسماؤهم إلى الواجهة مجدداً، ليستدعوا إلى التحقيق لدى شعبة المعلومات في قوى الأمن للقضية عينها. حسناً فعل اتحاد اللعبة بعدم السماح لجميع من تورّط بهذا الملف بالعودة إلى منتخب لبنان الوطني، حتّى ولو كان تورّطهم لا يرتبط بالمنتخب بنحو أساسي. إلا أن الاتحاد لم يمضِ بالقضية حتّى لا تتكرر، بل تورّط فيها من بابٍ آخر يُعرف بـ«تعليب النتائج»، مراتٍ حين غضَّ النظر والسمع عن تصريحات رؤساء أندية وإداريين ولاعبين أشاروا إلى وجود هذا النوع من التلاعب في اللعبة، ومرة حين استسلم أمام الضغط السياسي وغير السياسي في قضية التلاعب بنتائج الدرجة الثالثة. ما دام الرقيب والحسيب غائبين، ستبقى الأمور سائبة، وصولاً إلى ما عُرض على شاشات التلفزيون الاثنين الماضي في برامج بحثت عن الفضيحة لا الحل، حتّى شاهد المتابعون رمزاً كروياً ثانياً اسمه موسى حجيج يُذكر اسمه في قضايا غير رياضية كهذه.
قضية المراهنات لم تُفتح إلا بتدخّل شعبة المعلومات وبإشارةٍ من رئيس نادٍ، فيما بقيَ الاتحاد اللبناني صامتاً، فيما كان يجب أن يكون هو المبادر بفتح مثل هذه التحقيقات منذ سنوات. هذه القضية جاءت لتكون خاتمةً لموسمٍ هو الأسوأ، وللعبةٍ تتدهور يوماً تلو الآخر، ككرة ثلجٍ تُراكم كل إخفاقٍ وإهمالٍ حتّى تهدم ما بطريقها، وصولاً إلى الهاوية.