لا تكاد تغيب حوادث العنصرية عن الملاعب الايطالية حتى تعود وتطفو على السطح مجدداً، لتتلطخ سمعة الكالشيو أكثر فأكثر بتفشي وباء العنصرية فيه. من الهتافات المسيئة مروراً بالشتم والسباب وصولاً إلى الرمي بالموز، شهدت أوروباً عموماً وايطالياً خصوصاً انتهاكات كثيرة ضد اللاعبين. عنصرية تقوم على أساس التمييز العرقي والديني، كان آخر ضحاياها مويس كين لاعب نادي يوفنتوس. و«الحبل عَ الجرّار».لم يكن الايطالي الأسمر كين أول لاعب يتعرض لـ«هتافات القردة» في الملاعب الايطالية، والأكيد أنه لن يكون الأخير. سبقه الكثيرون ممّن تعرضوا لهتافات مسيئة. لا تزال الجماهير تتذكر دموع ماريو بالوتيلي بقميص ميلان، كما كاليدو كوليبالي وكيفين برينس بواتينغ وسولي مونتاري، وغيرهم الكثير، إلا أنّه لم يتم التعامل مع تلك الحالات أو معاقبة الفاعلين بالطريقة المناسبة.
ما زاد من حدة الانتقادات لما جرى في حادثة مويس، هو الطريقة التي تعامل بها نادي يوفنتوس مع الهتافات، لا سيما لجهة اعتبار المدرب ماسميليانو أليغري أنّ مويس هو لاعب شاب وعليه أن يتعلم القيام بالأمور بشكل أفضل، وذلك على خلفية طريقة احتفاله بالهدف عندما وقف في مواجهة المشجعين فاتحاً ذراعيه. ولم يكن كين الوحيد الذي تعرض للإهانات العنصرية في تلك المباراة، فزميله الفرنسي بليس ماتويدي واجه نفس الإساءات، ليعبّر عن غضبه إزاء ما حصل، مؤكداً أنه سيغادر أرضية الملعب في حالة تعرضه لهتافات مماثلة مستقبلاً.
ورغم أنّ الحكومة الايطالية أصدرت قوانين عقوبات عام 2014 من أجل التشدد ومنع تكرار أحداث العنف والهتافات العنصرية ضد اللاعبين، إلا أنّه غالباً ما ينجو الفاعلون أو تكون العقوبة المفروضة عليهم أقل من مستوى الإساءة بكثير. غالباً ما يتم اعتماد العقوبات المالية كجزاء أو يتم تغريم الجماهير، وهو أمر غير كاف للاقتصاص من أفعال مشينة كتلك التي تشهدها الملاعب. كما أنّ المعايير المحددة من قبل رابطة الدوري الايطالي كي تقوم بفرض العقوبة غير منطقية وتصعّب عملية تأديب الجماهير، إذ يجب على ما نسبته 1 في المئة على الأقل من مدرجات المشجعين أن تكون متورطة في الهتافات العنصرية، وأن تكون هذه الهتافات «مسموعة بشكل واضح»، وأن تستهدف «بشكل واضح» أحد اللاعبين. ولا ينسى أحد موسم 2017/2018 حين غادر لاعب بيسكارا سولي مونتاري ملعب المباراة خلال مواجهة كالياري في الدوري، وذلك بعد رفض الحكم التعامل مع الهتافات العنصرية التي وجهتها جماهير الخصم ضده. توجه مونتاري حينها إلى حكم المباراة مطالباً إياه بالتعامل مع الهتافات العنصرية التي أطلقتها الجماهير، إلا أنّ الحكم رفض ذلك، ومنحه بطاقة صفراء للاحتجاج، ليخرج اللاعب من الملعب ويحصل على بطاقة صفراء أخرى. والمؤسف في الأمر أنّ نادي كالياري لم يُعاقب لأنّ الهتاف كان آتياً من «حوالى 10 أشخاص فقط»، ولم يتم تحديد هويتهم، بمعنى أنّ الحالة لا تستوجب شروط العقوبة، لينجو الفاعلون مرة جديدة!
اتحادات كرة القدم لا تتخذ العقوبات المناسبة التي من شأنها الحدّ من هذه الظواهر


نظراً إلى استفحال أزمة العنصرية بشكل واسع أخيراً في أوروبا، انتقد رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ألكسندر تشيفيرين تزايد الإهانات العنصرية التي يوجهها المشجعون للاعبين ذوي البشرة السمراء في ملاعب القارة، معتبراً أنّ الأمر يدفع إلى الشعور بالخجل. وخلال مشاركته في مؤتمر لمكافحة التمييز أقيم في ملعب ويمبلي بلندن، تطرق الرئيس السلوفيني الى تزايد الحوادث ذات الطبيعة العنصرية في الملاعب في الآونة الأخيرة، قائلاً، «أنا أخجل، أخجل من اضطرارنا في العام 2019 إلى تنظيم مؤتمر للترويج للتعددية»، معتبراً أن «من المثير للقلق رؤية قادة عالميين وشخصيات سياسية يقللون من شأن الأحداث العنصرية والتمييزية».
إلا أنّ الجماهير الايطالية ليست الوحيدة التي تتحمل مسؤولية التصرفات العنصرية، إذ إنّ رئيس الاتحاد الايطالي لكرة القدم السابق كارلو تافيكيو أثار جدلاً كبيراً في السابق عندما أدلى بتعليقات وصف فيها اللاعبين الأفارقة بأنهم «أكلة الموز»، خلال حملته الانتخابية لرئاسة الاتحاد، وكان يتحدث حينها عن تقلص فرص اللاعبين الشبان الإيطاليين في اللعب مع أنديتهم. وقال تافيكيو، «في إنكلترا يتم التعرف أولاً على اللاعبين القادمين ويتم السماح لهم إذا كانوا من المحترفين، نحن هنا في المقابل نستقبل الأفريقي الذي يعتاد أكل الموز في السابق ثم يتحول إلى لاعب في الفريق الأول للاتسيو». ورغم أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قد فرض عقوبة بالإيقاف ومنع تافيكيو عن شغل أي منصب داخل الفيفا لمدة ستة أشهر، إلا أنه تمكن لاحقاً رغم تصريحه المُهين من الفوز بولاية جديدة لرئاسة الاتحاد الإيطالي بعد منافسة مع دميتريو ألبرتيني، لاعب ميلان السابق. وإذا كانت تصريحات كهذه تصدر من رأس الهرم الكروي في ايطاليا سابقاً، فماذا يُنتظر من الجماهير غير الشغب والإساءة وتوجيه الكلام العنصري للاعبين؟
وبالعودة إلى أسباب تزايد هذه الظاهرة، تلعب الرسائل السياسية التي يطلقها السياسيون الايطاليون دوراً كبيراً في تأجيج خطاب التمييز في البلاد، وعلى رأسهم وزير الداخلية وزعيم اليمين المتطرف ماتيو سالفيني الذي ينكر وجود «مشكلة عنصرية» في بلاده، رغم تفشي حالات إهانة اللاعبين ذوي العرق أو الدين المختلف. كما أنّ العديد من وسائل الإعلام الايطالية تعمل على تعميم أفكار نمطية عن المهاجرين واللاعبين الأفارقة، لتسهم بالتالي في رفع منسوب الكراهية ضدهم، وتشجيع أصحاب العقليات العنصرية على ارتكاب تلك الأفعال. ويتفاقم هذا الوضع أكثر في ايطاليا بسبب غياب حركة مناهضة للعنصرية في كرة القدم الإيطالية، كما أنّ الجمعيات التي تُعنى بمواجهة العنصرية لا تركز في نشاطاتها على كرة القدم. الأكيد في الوقت الحالي أنّ العنصرية في ايطاليا لن تتوقف، وأنّ الإساءات ستتوالى مباراةً تلو الأخرى، في ظل غياب أي جهود جدية لمكافحة هذه الظاهرة التي تسيء إلى كرة القدم الأوروبية والعالمية.



بريطانيا في الواجهة


لا شكّ في أنّ الملاعب الايطالية ليست المسرح الوحيد للعنصرية. فقد أكد الظهير الأيسر لنادي توتنهام ومنتخب إنكلترا داني روز أنه يتطلّع إلى إنهاء مسيرته بسبب العنصرية المتزايدة في ملاعب كرة القدم وضعف الإجراءات للحدّ منها. وقال اللاعب البالغ 28 عاماً، والذي كان عرضة للهتافات العنصرية، «لقد ضقت ذرعاً. تتبقى لي خمس أو ست سنوات في كرة القدم، وأتطلّع قدماً لكي أضعها خلفي، نظراً إلى ما نشهده حالياً». وألقى مدافع توتنهام باللوم على المسؤولين في عالم اللعبة لأنهم يقومون بفرض غرامة محدودة على الأندية أو الدول التي لا تستطيع التحكم في سلوك مشجعيها، قائلاً في هذا الصدد «عندما لا نعاقب الدول سوى بغرامة لا توازي ما أنفقه اللاعب خلال حفلة في لندن، ماذا يمكننا أن نأمل؟». كما أشار إلى أن جهود مكافحة هذه الظاهرة هي مجرد «مهزلة». ومن جهته، يتعرض لاعب مانشستر سيتي الإنكليزي أيضاً رحيم سترلينغ لهتافات عنصرية في مباريات عديدة، من دون وجود محاسبة حقيقية من قبل اتحاد الكرة في بريطانيا.