ماذا كان ينتظر مشجعو نادي العاصمة الإيطالية روما من كلاديو رانييري؟ هل للفوز بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز برفقة ليستر سيتي دور في هذا الأمر، أم أن العلاقة العاطفية بين المدرب الإيطالي وروما لها دور مؤثر في استكمال الصفقة؟ كلها أسئلة، كان يجب على إدارة النادي أن تسألها لنفسها، قبل التعاقد مع رانييري، في خطوة يمكن وصفها بالذهاب «نحو المجهول». بالنسبة إلى رانييري، ليس بإمكان أحد أن ينكر أنه واحد من بين أكثر المدربين خبرة في عالم كرة القدم حالياً، وذلك نظراً إلى المحطّات الكبيرة والمختلفة التي مرّ بها خلال مسيرته التدريبية. إلا أنه في الوقت عينه، لا يستمر المدرب في العطاء إلا في حالة واحدة، «الإبداع». مدرب مانشستر سيتي، الإسباني بيب غوارديولا، أينما ذهب حلت معه أفكار جديدة، تتلاءم مع أجواء البلد الذي استقر فيه، ومع العقلية الاحترافية التي تختلف بين دوري وآخر. بيب استطاع تغيير أفكاره، في كل فريق دربه. وهذا ما يميّز أي مدرب عن الآخر، ما يميّز المدرب «المبدع» عن المدرب «المفلس».
الخطأ الكبير الذي وقعت به إدارة نادي ذئاب العاصمة، هو التخلي عن المدرب السابق أوزيبيو دي فرانشيسكو، المدرب الوحيد منذ فترة طويلة، الذي نجح في إيصال روما إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا على حساب النادي الكاتالوني برشلونة. من الطبيعي أن يختلف عطاء المدرب بين موسم وآخر، إلا أن تغيير الإدارة المتكرر لأسماء اللاعبين، من طريق استقطاب لاعبين جدد في فترات الانتقالات، يؤدي إلى خلق جو من صعوبة التفاهم والانسجام بين اللاعبين أنفسهم، وبينهم وبين المدرب. أشخاص ولاعبون جدد، أفكار جديدة وطرق لعب مختلفة، كلها عوامل من المؤكد أنها ستؤدي في المستقبل إلى نهاية حقبة ما، أو إذا كان المدرب على قدر كافٍ من المسؤولية، يمكنه حينها التكيف مع هذه العقليات، ويحولها إلى عناصر نجاح. هذا تماماً ما قام به دي فرانشيسكو الموسم الماضي، الموسم الاستثنائي، إلا انه في الموسم الحالي لم يستطع أن يضبط الفريق، وأن يقدّم كرة قدم جميلة، اشتهر بها. الخروج على يد بورتو البرتغالي من دوري أبطال أوروبا أحدث صدمة لدى رئيس النادي جيم بالوتا، الذي بدوره لم يفكّر مرّتين في إقالة دي فرانشيسكو. الخطأ الكبير الذي وقعت فيه إدارة النادي، ليس في إقالة أوزيبيو، بل في تعيين رانييري مدرباً للفريق. هل الحل يكمن في التعاقد مع مدرب، أقيل من منصبه في الفريق الإنكليزي فولهام، بعدما حقق ثلاثة انتصارات في 17 مباراة وقف فيها على العارضة الفنية لملعب «كرافن كوتييج». الإجابة بحسب العديد من النقاد هي «لا». لن يقدر رانييري على انتشال روما من الحالة النفسية والفنية الحالية، يحتاج الفريق العاصمي إلى مدرب شاب، لديه قدرات وطموحات كبيرة، يريد إثبات نفسه من خلال عمله. دي فرانشيسكو مدرب نادي ساسوولو السابق، ورغم كل الملاحظات عليه، يبقى أفضل من مدرب يبلغ من العمر 67 عاماً، ربّما أفكاره لم تعد صالحة لهذا العصر ربما.
أخطأت الإدارة بتعيين رانييري بدلاً من أوزيبيو دي فرانشيسكو


ما تعيشه روما، تعيشه الكثير من أندية المدن الإيطالية التي لا تزال تعيش في الماضي، الماضي الجميل، الماضي الذي كان خلاله الدوري الإيطالي، يتربّع على عرش الدوريات الأوروبية الكبرى. ففي ميلان، أصبح أيقونة النادي باولو مالديني جزءاً من الإدارة، في الإنتر يوجد زانيتي، في يوفي (ولو أن اليوفي يحقق نجاحات محليّة) يوجد بافيل ندفيد، واليوم في روما يوجد رانييري وتوتي. وهنا تكمن المشكلة الأكبر التي تعانيها إيطاليا بصورة عامّة ربما، فالتعلق بالماضي يكون على حساب البناء السليم، واختيار الأشخاص القادرين على بث روح جديدة في الأندية.
خسارة أمام سبال بهدفين مقابل هدف واحد، وخسارة مذلّة أمام نابولي برباعية مقابل هدف في «الأولمبيكو»، وتعادل بهدفين لمثلهما أمام فيورنتينا، كلها نتائج يمكن الجزم بأنها كانت متوقّعة، فرانييري، لا يمتلك عصا سحرية، بل التغيير يحتاج إلى الوقت، وهذا ما سيجعل كلاً من رئيس النادي والمدير الرياضي والنجم التاريخي لروما فرانشيسكو توتي يصبرون عليه حتى بداية الموسم المقبل. من جهته، توتي رحّب برانييري، كيف لا وهو من دربه ما بين 2009 و2011. رانييري، أعرب عن أنه «رومانيستا» منذ الطفولة، ولا يمكنه رفض عرض يأتي من نادي العاصمة، لكن العاطفة وحدها لا تكفي.
يحتل روما المركز الثامن. الفريق تراجع إلى الوراء منذ أن أصبح أسطورة نادي ليستر سيتي مدرباً للفريق. كانت المهمة سهلة بعض الشيء منذ أن تسلم رانييري المهمات، فكان لا يزال في المركز الخامس، وبعيداً بفارق ثلاث نقاط عن إنتر الرابع. يبقى رانييري مدرباً له تاريخ مميز، لكن لكل بداية نهاية، وربّما هي حقبة بداية ــــ نهاية صانع معجزات ليستر.