استسلمت دموع ماريو بالوتيللي. هناك في ملعب نابولي. استسلمت تماماً لما يراد له أن يكون قدر اللاعبين المظلومين. أظهرت اللقطات التلفزيونية بالوتيللي الإنسان وهو يبكي بحرقة على مقاعد البدلاء. حاول إخفاءها قليلاً بوضع سترة على وجهه، إلا أنه لم يفلت من الكاميرات التي ركزت عليه. الكاميرات نفسها التي تلازمه وتلازم ما يفعله إيجاباً كان أو سلباً.خلال مزاولته لعبة كرة القدم، تلقى من الإهانات ما قد يتلقاه آخرون في أعوام طويلة. في ملاعب عدة، أيام كان مع إنتر ميلانو، مانشستر سيتي، أو ميلان، أو أيام لعبه مع منتخبه الوطني في كأس أوروبا الأخيرة. إيطالي المولد والثقافة، ليس بإمكان أحد أن ينكر أو يشك بذلك. لم يولد في غانا ـــــ وإن كان هذا القول الأخير لا يستحي أو يضرّ به لو حصل ـــــ بل ولد في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية ــ جنوب إيطاليا.تبنّته عائلة إيطالية وأدخلته في ثقافة البلاد وشجعته على لعب الكرة.

يحاول بعض العنصريين، القلائل في تلك البلاد، رفض هذه الحقيقة برسوماتهم على حيطان المدينة: «أنت لست إيطالياً حقيقياً... ما أنت إلا أفريقي أسود».
هذه السخافات من الممكن أن تجعل بالوتيللي يرتكب جريمة قتل، هذا ما قاله في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، ومن الممكن أن «أدخل السجن لأنني سأقتل من يرمي الموز عليّ». ربما هذا السبب الذي يدعو كثيرين الى أن يدعوه بالمجنون!
هؤلاء الذين يدعونه بهذا اللقب يعانون من عقدة تقبل الآخر، الآخر الذي لا يقع على شاكلتهم. لقد كان أسبوعاً عصيباً على «سوبر ماريو»، على الصعيد الشخصي أثبتت الفحوصات أبوّته للطفلة بيا من صديقته السابقة رافاييلا فيكو والتي تسكن في مدينة نابولي، وجاء هذا تزامناً مع تراجع مستواه، إذ لم يقدّم الأداء المأمول منه مع ميلان في المباراة وبدا فاقداً للتركيز ولم يترك أدنى بصمة على أرض الملعب.
دخل المهاجم الإيطالي في نوبة بكاء وبدأت الدموع تنهمر من عينيه بعدما تم تبديله في آخر ربع ساعة من المباراة والدفع بزميله جيامباولو باتزيني.
سيكون صعباً جداً للمشاهد أن يسمع أنين بالوتيللي عند بكائه على الشاشة بسبب صيحات جماهير نابولي. نابولي الذي أكد، ومدرب ميلان الهولندي كلارنس سيدورف، أنه لم تكن هناك أي هتافات عنصرية تم ترديدها من جانب الجماهير ضد بالوتيللي، كما أن ملعب «سان باولو» لم يشهد على مدار تاريخه حدوث مثل هذا الأمر على الإطلاق. بل على العكس تماماً، تقابل جماهير نابولي، عادة، بالوتيللي بودٍّ كبير.
جميل ماريو. رأى كثيرون صورة بالوتيللي الآخر. ربما قابلوا صورته الأخيرة مع صورة لقطته الخارقة للعادة في نهائيات كأس أوروبا عام 2012 عندما أحرز الهدف الثاني في مرمى ألمانيا. وقف مستعرضاً عضلاته، في مشهد لا يخلو من «نشوة» القوة، مؤكداً أنه يلعب من أجل إيطاليا وطنه.
هذا اللاعب الذي أُلصقت به صفة «الولد المشاغب»، بدا في غاية اللطف. ولعل هذه الدموع الجميلة اللامبالغ فيها، هي إخراج لكل ما يتحمله من أعباء ثقيلة. خرجت بهدوء. هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها بالوتيللي بهذا الشكل. لا ليس ضعيفاً، بل إنه عاطفي، ومن المؤسف حقاً شعوره بالإحباط. وصورته العاطفية تجلّت غير مرة. لكن الإعلام لم يلفت النظر إليها بشكل كاف، أو على الأقل بشكل مواز لما يحدثونه من ضجة عند قيامه بأي شيء يصنّفونه، هم، بالسلبي.
هذا الـ«بالوتيللي» توجّه سريعاً لاحتضان والدته بعد الفوز على ألمانيا في نصف نهائي كأس أوروبا الأخيرة وأهداها الفوز. وهو الذي ذرف الدموع للخسارة أمام إسبانيا بعدها في النهائي، وهو الذي لم يتوان في إحدى المرات عن الترجل من سيارته لمساعدة امرأة مسنّة حتى تقطع الشارع.
لأجل أسباب كهذه يبكي «بالو»، لا لردة فعل على السخرية من «تُفَّه» يعايرونه بسبب لون بشرته.
ومن المؤكد أنه لا يكتشف في ذاته غير التفاهة والشفقة تجاه العنصريين. هؤلاء الذين يتمنى لهم كثيرون وبحماسة كل أنواع الشرور.
قيل الكثير عن ماريو، وكتب الكثير عن هذا اللاعب، وأُثير الكثير من الجدل حول شخصيته، لكن قطعاً لم يلتفت كثيرون إلى النضج الذي يطرأ على شخصيته.
في النهاية، وكما يأمل محبوه، ستنتصر دموع بالوتيللي على كل ما يقف في وجهها من تحديات على أرض الملعب وخارجها.


يمكنم متابعة هادي أحمد عبر تويتر | @Hadiahmad




سيدورف يدافع عن بالوتيللي

أبدى مدرب ميلان، كلارنس سيدورف، دعمه لبالوتيللي بعد دموعه على مقاعد البدلاء. وقال الهولندي في تصريحات لوسائل الإعلام الإيطالية: «ماذا يمكن أن تقول عن دموع بالوتيللي؟ كانت دموعاً رياضية، ولا أرى أي شيء غريب في رؤية بالوتيللي يبكي»، وأضاف: «ماريو إنسان، وهذه الأشياء تحدث مرات عديدة في كرة القدم، وأود أن أقول إنها كانت جميلة في الواقع»