ما يعيب أي مدرب لكرة القدم، هو الإصرار على الأفكار ذاتها وعدم تطويرها، والإصرار أيضاً على بعض اللاعبين، الذين كانوا في فترة من الفترات من الأفضل على مستوى العالم. لاعبون، لا يزالون يشاركون بصورة أساسيّة مع أنديتهم أو المنتخبات، رغم تراجع أدائهم. مدرب المنتخب الإيطالي ومدرب مانشستر سيتي الإنكليزي السابق روبرتو مانشيني، أكّد أنه من بين المدربين الذين يقدمون وبشكل أساسي ومميّز على منح الفرص للاعبين الشباب. رهان مانشيني نجح حتى الآن في التصفيات، ويبقى الهدف الأسمى، تحديد التشكيلة المناسبة قبل بداية الاستحقاق القاري الذي يتمثّل في بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2020).«مانشيّو»، كما يلقّب، دخل في مبارتي المنتخب الإيطالي الأخيرتين بتشكيلة مغايرة عن تشكيلة «الأتزوري» في السنوات الأخيرة. تشكيلة شابة، تعتمد على أهم وأبرز المواهب الإيطالية الحاليّة، على غرار فيدريكو برناردسكي لاعب يوفنتوس، والموهبة الصاعدة مويس كين لاعب يوفنتوس أيضاً الذي يبلغ من العمر 19 عاماً، نيكولو باريلا لاعب بولونيا، والمطلوب من أهم الفرق الأوروبية، إضافةً إلى الوجه الجديد الذي ظهر للمرة الأولى مع المنتخب الإيطالي في المباراة الأخيرة أمام منتخب ليشتنشتاين، ستيفانو سنسي (توّج سنسي مباراته الأولى مع منتخب بلاده بتسجيله لهدف من بين الأهداف الستة التي سجّلها الفريق).
لكن في الوقت عينه، لا يطبّق المدرب مانشيني هذه النظرية في خط الدفاع، حيث لا يزال يعتمد على الثنائي جورجيو كيليني وليوناردو بونوتشي (باستثناء مشاركة رومانيولي في المباراة الأخيرة). لا يمكن لأي مشاهد أو للجماهير أن تنكر أن المدرب مانشيني لا يزال في مرحلة التجربة، فلم يحدد حتى الآن تشكيلته الأساسية أو النهائية، التي من الممكن أن يثبت عليها في مقبل المباريات. إلاّ ان الإصرار الواضح منه على ثنائي يوفنتوس في قلبَي الدفاع، يوضح ببساطة أنه لا يريد تغييرهما، بل انهما من ركائز المنتخب الإيطالي من وجهة نظره، رغم التراجع «البسيط» الذي يظهر على أدائهما في الفترة الأخيرة. على الجهة المقابلة، يمتلك مانشيني، على دكّة بدلائه، مدافعاً مميزاً، يعتبر من بين أفضل ثلاثة مدافعين في العالم حالياً من ناحية الأرقام والإحصائيات، ولو أن هذه الأرقام لا تكون صادقة دائماً، إلاّ أن ما يقدّمه قائد ميلان الإيطالي أليسيو رومانيولي يستحق الإشادة والتقدير، وقبل كل ذلك، فإنه بحسب العديد من النقاد يستحق فرصة مع المنتخب الإيطالي. رومانيولي، إلى جانب مدافع ليفربول فيرجيل فان دايك، يعدّان اليوم، وبفارق بعيد أيضاً، أفضل قلبَي دفاع في العالم، على الأقل من ناحية الأرقام، ولو أن فان دايك يعد الأفضل عالمياً برأي الكثيرين، إلاّ أن الضوء والوهج الإعلامي الذي يحظى به «الصخرة الهولندية» في الدوري الإنكليزي، لا يتمتّع به المدافع الإيطالي الشاب في ميلانو وفي إيطاليا تحديداً. الأمر ببساطة يتمثّل في مقولة «سلّم وتسلّم»، يجب على كل من الثنائي كيليني وبونوتشي أن يقتنعا بأنهما باتا قريبين من نهاية المشوار في مسيرتهما الكروية. النهاية التي وصل إليها الكثير من المدافعين في الدوريات الخمسة الكبرى، الذين كانوا في السابق من بين الأفضل في العالم، كالإسباني جيرارد بيكي مدافع برشلونة، والألماني جيروم بواتينغ، وزميله ماتس هاملز مدافعي بايرن ميونخ. فكما حدث في مركز حراسة المرمى الإيطالي، بعد أن كان الحارس التاريخي جيالويجي بوفون هو من احتكر هذا المركز لسنوات عديدة، ها هو حارس مرمى ميلان الشاب جيالويجي دوناروما، تسلّم شعلةً «ثقيلة» من حارس يوفنتوس السابق وباريس سان جيرمان الحالي، وسيكمل المسير مع «الأتزوري»، وهو في الكرة الإيطالية اليوم خير من يخلف بوفون، ظاهرة الحراسة في الكرة الإيطالية، وربما العالمية.
طريقة لعب المنتخب الإيطالي حاليّاً مغايرة تماماً لما كان عليه في السنوات العشر الأخيرة


مما لا شك فيه أن ما يقوم به مانشيني من عمل، ولو على صعيد الاستدعاءات، يعتبر مميّزاً، ومختلفاً عن المدربين السابقين للمنتخب الإيطالي أمثال أنطونيو كونتي وجيامبييرو فنتورا، اللذين كانا يعتمدان وبصورة أساسية على لاعبي الخبرة قبل الشباب في كثير من الأحيان والمسابقات. وعلى ما يبدو، فإن مانشيني لا يختلف عمّن سبقوه في تدريب المنتخب الأزرق فقط في خياراته الفنية من لاعبي الدوري الإيطالي، فما يلاحظه الجميع من صحافيين ونقاد، أن المنتخب الإيطالي، ومنذ تسلّم مانشيني لزمام الأمور على دكّة البدلاء، بدأ يعتمد على طريقة لعبه الخاصّة، طريقة لعب مشابهة لما كان يعتمد عليها عندما كان مدرباً للـ«سيتيزنس» مانشستر سيتي، والتي تتمثّل في اللعب الهجومي، وتعتبر طريقة لعب مغايرة تماماً لما كان عليه المنتخب الإيطالي في السنوات العشر الأخيرة على أقل تقدير.
الثقة التي أعطاها مانشيني لمويس كين، أكّد الإيطالي ذو الأصول الأفريقية أنه على قدر تحمّل مسؤوليتها، وليس في مباراة وديّة، بل في مباراتين متتاليتين ضمن التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأوروبية (يورو 2020) أمام فنلندا ولشتنشتاين، والتي سجّل فيها كين هدفاً في كل مباراة، ليقصّ بذلك شريط أهدافه الشخصية الأولى مع «الأتزوري». بل ان كين أيضاً، أصبح ثاني أصغر لاعب في تاريخ إيطالياً يسجّل هدفاً، إضافة إلى أنه أصبح أصغر لاعب في تاريخ إيطاليا يسجّل في مباراتين متتاليتين وفي عمر الـ19 عاماً. كين، برناردسكي، فيديريكو كييزا، ماتيو بوليتانو، كلها أسماء إيطالية شابة بات المراقب يلاحظ أن مانشيني يعتمد عليها بصورة أساسية، على حساب أسماء أخرى لم تقدّم المطلوب في السنوات الماضية. وهذا ما يحسب لمانشيني وعلاقته المميزة مع اللاعبين الشباب. مانشيني، هو المدرب الذي كانت تربطه علاقة مميّزة مع المهاجم الإيطالي ونجم مارسيليا الفرنسي الحالي ماريو بالوتيلي، فهو من أطلقه إلى العالمية، ومن أعطاه الثقة في كثير من المباريات. ما لا يختلف عليه اثنان، أن موهبة الـ«سوبر ماريو» مميّزة، إلاّ أن اللاعب مرّ بفترات تخبّط بسبب الكثير من الأحداث التي كانت تواجهه، وربّما أبرزها العنصرية التي كان يتعرّض لها. اليوم، وتحت إشراف المدرب عينه، تظهر موهبة إيطالية جديدة، مويس كين، لاعب إيطالي من أصول أفريقية أيضاً. ولكن الخشية أن يكون هو الآخر ضحيّة لعنصرية الكرة الأوروبية «البيضاء»، كما حدث مع بالو، وكما يحدث الآن مع الإنكليزي رحيم ستيرلينغ. وهنا ايضاً تقع على عاتق مانشيني مهمة جديدة، وهي معرفة كيف يساعد اللاعب ذهنياً على تخطّي هذه الصعوبات والتحديات التي يتعرّض لها الكثير من اللاعبين ذوي البشرة السمراء في الملاعب الأوروبية، والتي بدأت ترتفع حدّتها خلال الفترات الأخيرة لاعتبارات عديدة.
إيطاليا اليوم تعيش مرحلة انتقالية واضحة، ومانشيني هو قائد هذه السفينة الجديدة. سفينة يترأسها مهاجمون ولاعبون شباب، مفعمون بالشغف والطموحات الكبيرة، والأمل بإعادة إيطاليا إلى منصات التتويج. طموحات فقدها الكثير من الأسماء السابقة، أسماء تعرّضت لثلاث خيبات أمل متتالية، أدّت إلى انكسارها تماماً (الخروج من الدّور الأوّل في مونديال 2010، والخروج من الدور نفسه من مونديال 2014، والفشل في التأهل إلى المونديال الروسي الأخير في 2018).



بُعث من جديد


شهدت المباراة الأخيرة للمنتخب الإيطالي، عودة اللاعب السابق وهدّاف الدوري الإيطالي حالياً فابيو كوالياريلا إلى التشكيلة بعد غياب دام لتسع سنوات. كان آخر ظهور لمهاجم نادي سامبدوريا مع الـ«أتزوري» يعود لمباراة الـ«طليان» أمام المنتخب السلوفاكي في بطولة كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا. سجّل كوالياريلا هدفين من ركلتي جزاء في المباراة الأخيرة للمنتخب الإيطالي أمام منتخب ليشتنشتاين، ضمن الجولة الثانية من التصفيات المؤهلة لبطولة كأس الأمم الأوروبية في 2020. كثير من المشاعر والأحاسيس تحرّكت لدى هذا المهاجم الذي لم يعرف الاستسلام منذ استبعاده عن التشكيلة من قبل العديد من المدربين الذي مرّوا على إيطاليا في السنوات الماضية، بل ان إصراره وعمله الجاد، أعاداه من جديد ليكون من بين أبرز الأسماء الإيطالية المستدعاة لخوض التصفيات الأوروبية من ناحية الأرقام. ما يمكن أن يحسب لكوالياريلا، هو أنه، وبعمر الـ36 سنة، يتصدّر ترتيب هدافي الدوري الإيطالي برصيد 21 هدفاً، متفوّقاً على الشاب المميز البولندي كريستوف بياتيك مهاجم ميلان، والهداف الآخر نجم يوفنتوس كريستيانو رونالدو (19 هدفاً لكل منهما).


«بالوتيلي مارسيليا» لم يقنع!
لم تضم التشكيلة الإيطالية المستدعاة من قبل المدرب روبرتو مانشيني لخوض مباريات التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأوروبية 2020، اسم المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيلي. الأخير، ليست المرّة الأولى التي لم يكن فيها ضمن تشكيلة منتخب الـ«أتزوري»، إلاّ أن الغريب في الأمر، أن العلاقة الجيّدة بين سوبر ماريو ومانشيني مدرب المنتخب، لم تثمر استدعاءه إلى المنتخب من جديد. يقدّم بالو موسماً أو نصف موسم جيّد جداً في الدوري الفرنسي، وتحديداً بعد أن انتقل من فريقه السابق نيس إلى فريق عاصمة الجنوب الفرنسي مارسيليا. في هذا الفريق، وجد بالوتيلي الراحة النفسية قبل الفنيّة، نظراً إلى أن أغلبية فرق الجنوب تملك بيئة حاضنة للاعبين المهاجرين، وخاصّة للذين يتعرّضون لعنصرية الفرق الفرنسية الأخرى، «مدّعي التفوق». سجّل بالوتيلي خمسة أهداف مع فريقه الجديد مارسيليا، وذلك خلال تسع مشاركات للسوبر ماريو ما بين أساسي وبديل، في حين أنه لم يسجّل أي هدف مع فريقه السابق نيس هذا الموسم في الدوري، ما يعكس أن ماريو لم يكن منسجماً مع مدربه الفرنسي باتريك فييرا. وبسبب نصف الموسم الأول، ها هو بالوتيلي يتحمّل مسؤولية أدائه السيّئ، الذي بدأ بالتحسن شيئاً شيئاً، وأصبح ينتظر إشارة واحدة من مانشيني، لكي يعود إلى المنتخب. ولكن اللاعب فاجأ الجميع وغرّد عبر حسابه الرسمي على موقع إنستغرام، قائلاً «قد تحتاجني إيطاليا يومًا ما، لكن بالطريقة التي تقومون بها بإهانتي، فقد أقرر عدم الذهاب». وأضاف ماريو بالوتيلي، «سأفكر في ذلك الأمر، لست إنساناً آلياً».