بعد الخسارة المذلّة أمام أياكس أمستردام في دوري أبطال أوروبا، بدأت الصحف الإسبانيّة ومن بينها كل من الصحيفتين المقربتين من النادي الملكي ريال مدريد (آس وماركا)، بتوجيه النقد للفريق وإدارته. ما يمكن استنتاجه، هو أنه لا وجود لـ«مجرم» وحيد متّهم بهذه القضية، بل هي مجموعة تتحمّل المسؤولية، وتتفاوت نسبة مشاركتهم في ما يحدث مع ريال مدريد. اللاعبون، إيسكو وغاريث بايل وكريم بنزيما، لهم حصّتهم أيضاً في القضية، الأمر عينه بالنسبة إلى المدرب الأرجنتيني سانتياغو سولاري. لكن، لا بدّ من وجود شخص واحد، يدير كل هذه العملية، عملية غير ناجحة، على الأقل في الموسم الحالي (كانت ألقاب دوري الأبطال تغطّي عيوب النادي الملكي). فلورنتينو بيريز، رجل الأعمال الإسباني، رئيس ريال مدريد منذ سنوات عدّة، هو المسؤول الأكبر عن انهيار النادي الملكي هذا الموسم بحسب رأي الصحافة في إسبانيا وخارجها، وتحوّله من فريق بطل لدوري الأبطال، إلى فريق هُزم برباعية من شباب أياكس وفي ملعبه سانتياغو بيرنابيو، ما يضعه أمام مسؤوليات وتحديات كبيرة جدّاً.
رحيل زيدان ورونالدو
مشكلة الرئيس بيريز، أنه أحد أبرز رجال الأعمال في العالم إلى جانب كونه رئيساً لريال مدريد، وهذا يعني، بأنه لا ينظر إلى اللاعبين بطريقة صحيحة، بل بكل بساطة، كان بيريز يرى كلاً من رونالدو وبنزيما وبايل وغيرهم من نجوم الفريق، دولارات تسير على أقدامها، تذهب وتقدّم واجبها، وتلقى جزاءها. هذا الكلام لم يأت من عدم، بل هذا ما أكّده نجم ريال مدريد السابق ولاعب يوفنتوس الحالي البرتغالي كريستيانو رونالدو، بعدما رحل عن النادي الملكي، حيث قال: «بيريز لديه يد في خروجي، إنه يتعامل مع اللاعبين على أنهم سلع تجارية، وهذا الأمر لا يناسبني». كلام صادر من أفضل لاعب في تاريخ ريال مدريد ربما، ومن هدّافه التاريخي، ومن النجم الذي حقق أربعة ألقاب لدوري أبطال أوروبا خلال خمس سنوات. خرج رونالدو من مدريد، وكان يبلغ من العمر 33 عاماً، كانت وجهة نظر بيريز حول رحيل رونالدو، هو أن اللاعب يتقاضى أجراً كبيراً جداً، وهو في الوقت عينه، يتقدّم في العمر، ولم يعد يعطي إنتاجاً كما كان في السابق. كلام بيريز يحمل شيئاً من المنطق، ولكن، في الوقت عينه، هو كلام فيه تقليل من احترام نجم، صنع تاريخاً حديثاً لريال مدريد، وأصبح «أيقونة» النادي الأولى. صحيح أن «الدون» لم يعد كما في السابق، وهذا أمر طبيعي لأي لاعب في العالم، حيث أن رونالدو لم يشارك في أي هدف في الدور النصف نهائي، وفي المباراة النهائية لدوري الأبطال الموسم الماضي، أي إن تأثير رونالدو بات قليلاً، ولم يعد كما في السابق. كل هذه المعطيات، كانت بمثابة سلاح، تمسّك به بيريز، وواجه فيه رونالدو، حيث أن العلاقة كانت متوتّرة بين الطرفين حتّى قبل أن تلعب المباراة النهائية أمام ليفربول. تصريح رونالدو بعد المباراة، عن رحيله عن النادي، وجوابه السّهل الذي تمثّل بجملة واحدة «لا أدري، سنرى في المستقبل». بيريز، وبحسب صحيفة «ماركا»، يتحمّل مسؤولية كبيرة في رحيل رونالدو، ولكن، المسؤولية الأكبر، والتي يتحمّلها الرئيس الإسباني كاملة، هي رحيل المدرب الفرنسي زين الدين زيدان. الأخير، خرج من أسوار مدريد من دون أن يشعر أحد بذلك. مؤتمر صحافي، أكّد خلاله رحيله عن النادي، بعد ثلاث سنوات مجيدة، حقق فيها «زيزو» ثلاثة ألقاب لدوري الأبطال. لم يعلن بدوره زيدان عن سبب الرّحيل، سوى بأنه يريد أخذ فترة من الاستراحة، وهذا ما لا يعدّ جواباً منطقياً. الحلقة المفقودة، هي بين كل من بيريز وزيدان.

عدم استقطاب لاعبين جدد
من المسؤوليّات التي يتحمّلها فلورنتينو بيريز أيضاً، هو إهماله تعويض لاعب ونجم بحجم رونالدو. بل إنه أرغم نفسه على الاقتناع بأن الفريق لا يمكن أن يقف على لاعب مثل رونالدو. الواقع كان يُظهر، أن النادي الملكي، فريق كامل ومتكامل، حيث أن المهاجم البرتغالي رونالدو، اقتصرت وظيفته على الأقل في السنتين الأخيرتين، على تسجيل الأهداف وحسم نصف الفرص وتحويلها إلى أهداف. بيريز، اقتنع ببنزيما، كمهاجم أوّل في الفريق، وبأن غاريث بايل مع رحيل رونالدو، سيعود إلى أجواء ملعب «وايت هارت لاين»، التي نسي كيف كانت حتّى، ويستعيد حاسة التهديف. ما كان يتوقّعه بيريز لم يحدث، بل إن الفريق عانى في ظل غياب رونالدو.
فضل رئيس النادي الملكي صرف الأموال على الملعب على حساب تدعيم الفريق بنجوم جدد


لكل سبب مسبب، وبين أبرز الأسباب التي جعلت من بيريز، يثق بكل من لديه من لاعبين متوفرين في النادي، هو أهدافه الاقتصادية ونظرته المالية ـ التجارية الخالصة، التي لا يمكنه أن يبصر غيرها. في أواخر عام 2018، أي قبل بداية هذا الموسم بقليل، نجح رئيس ثاني أغنى ناد في العالم ريال مدريد، بالحصول على موافقة من مجلس المشجعين المساهمين المعروفين بـ«سوسيوس» على طلب الاستدانة، وذلك بهدف تطوير ملعب الفريق «سانتياغو برنابيو»، والذي تصل كلفته لحوالى الـ 525 مليون يورو. من المقرر أن تبدأ خطّة تمويل الملعب خلال السنة الحالية (2019)، وتنتهي في 2022، وذلك من دون أن تؤثر سلباً على استضافة الملعب للمباريات. وأوضح بيريز أن المشروع الذي كانت تقدّر كلفته الأوّلية بـ 400 مليون يورو، سيكلّف خزائن النادي في نهايته 525 مليوناً، وهذه القيمة سيتم اقتراضها وتسديدها على فترة قد تصل لـ30 عاماً. وبما أن الرئيس الإسباني، لديه خلفية «رأسمالية» واسعة، فالهدف الأساسي من تطور الملعب التاريخي لريال مدريد، ليس زيادة مقاعد المتفرّجين، بل على العكس تماماً، الأهداف وراء هذا التطوير، ستعود على النادي بالكثير من الأرباح، نظراً لوضع خطّة بإنشاء فندق داخل الملعب، وتوسيع عدد المحال التجارية والـ«مولات» الكبيرة، إضافة إلى المتاجر والمطاعم وغيرها من المحال الاستهلاكية الموجودة داخل الملعب، وعلى أطرافه. وقال بيريز أمام الجمعية العمومية: «نطلب الإذن للاستدانة بغرض تمويل تطوير ملعب سانتياغو برنابيو بقيمة يبلغ حدها الأقصى 575 مليون يورو، ولفترة قصوى تصل إلى 35 عاماً»، قبل أن توافق الجمعية على هذا الطلب. وأضاف بيريز أن كلفة الاقتراض ستصل إلى 25 مليون يورو سنوياً، إلا أن ذلك، وبحسب بيريز لن يكون له أي تأثير على النشاط الرياضي للفريق. وأن الملعب الجديد سيعود على النادي بـ150 مليون يورو سنوياً بعد إنجازه برأيه. «لن يكون له أي تأثير على النشاط الرياضي للفريق»، كذب بيريز بهذا التصريح بحسب الإعلام الإسباني، إذ إن التفكير الكبير بالملعب وبتطويره، جعل من الرئيس الأشهر في العالم يوفّر بعض الأموال، وذلك بعدم شرائه للاعب يعوّض رونالدو، وهذا ما ساهم بإيصال ريال مدريد إلى ما هو عليه الآن. التفكير بهذه الطريقة الماديّة، والتي تراعي أمواله على حساب النادي، هو ما أوصل ريال مدريد إلى ما هو عليه الآن. وتأكيداً لما ذكر في السابق، يبدو أن ريال مدريد، أصبح، رغماً عن كل محبّيه ومشجّعيه، فريقاً تجارياً كغيره من الفرق الحديثة، الذي يلعب على أكثر من جبهة، حيث أن الأهداف الرياضية باتت جزءاً من بين عدّة أجزاء أو أهداف يسعى من خلالها بيريز والنادي لضخ أكبر كمية ممكنة من الأموال داخل الحسابات المصرفية. ومثال على ذلك، العلاقات التجارية التي تعقدها إدارة النادي الباريسي باريس سان جرمان، مع شركة «جامب مان» والتي يملكها لاعب كرة السلة التاريخي مايكل جوردن. في كرة القدم، ومع مرور السنوات، بدأت الفرق «الرأسمالية» الكبرى فيها كالـ«بي أس جي»، تنقل عدوى هذه الأفكار لغيرها من الأندية، ومن المتوقع أن تصل الأمور إلى مكان، لا تعد الكؤوس على رأس الأولويات، أو من بين أهداف أي ناد في العالم، بل الكسب المادي هو الهدف الأسمى.



يد زيدان أم يد مورينيو؟
يتفق الجميع في ريال مدريد اليوم على ضرورة التغيير. ولكن تنقسم الآراء حول هوية المدرب الأفضل للنادي الملكي في هذه المرحلة. بعض الجهات تطالب بأن يعود البرتغالي جوزيه مورينيو، على اعتبار أن الأخير يمثّل الثورة أو اليد «اليد القاسية» بحسب الصحافة الإسبانية، وهو الوحيد القادر على تغيير 5 أو 6 لاعبين في نادي الريال حاليّاً. أما وجهة النظر الثانية فتنادي بضرورة التعاقد مع زين الدين زيدان، على اعتبار أن الفرنسي قادر على احتواء غضب غرفة الملابس، وهو يمثل «اليد الناعمة»، القادرة على احتضان اللاعبين. وتقول مصادر صحافية إسبانيّة إن التيار الذي يطالب بعودة مورينيو اليوم هو الأقوى، خاصة بعد طلب زيدان التريث للصيف المقبل، ويسمى تيار مورينيو في مدريد بـ«المورينيستاس». وفي هذا الموضوع قالت الصحافة الإسبانية إن زيدان كان قادراً على التعاقد مع حارس أتليتيكو بلباو السابق وتشيلسي الحالي كيبا الموسم الماضي مقابل 20 مليون يورو، ولكنه رفض لكي لا يؤثر الأمر سلباً على كايلور نافاس وبالتالي على غرفة الملابس، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يقوم به مورينيو. والأمر الذي زاد الأمر تعقيداً خلال الأيّام الماضية، هو ما كشفه الصحافي في جريدة «آس» الإسبانية مانو ساينز عن الخلاف الكبير الذي دار بين سيرجيو راموس وفلورنتينو بيريز في غرف الملابس، ومطالبة الأول بمستحقاته المالية للخروج من النادي. الأمور معقدة في مدريد، ولكن الأكيد أن التغيير سيكون قريباً.