من السييراليوني محمد كالون، مروراً بالثنائي الليبيري نييما كولينز وإيمانويل هاريس، والثنائي النيجيري صنداي أوكو وأديمولا أكوداسي، والسنغالي ماكيتي ديوب، وقبلهم السوداني مجدي كسلا والمصري حمادة عبد اللطيف، وبعدهم الكاميروني بيار بويا، وصولاً إلى الغاني عيسى يعقوبو والسنغالي الحاج مالك تال حالياً. أسماء إفريقية كثيرة طبعت كرة القدم بطابعها الخاص، وبقي ما خطّته من تألق في الملاعب اللبنانية عالقاً في الذاكرة. قلّة منهم ارتقوا إلى مستوى أفضل وأعلى في عالم اللعبة، وبعضهم كان الدوري اللبناني المنصة الاحترافية الأفضل له، فغادره ثم عاد إليه أو تنقّل بين أنديته. لكن في كل الأحوال، بقي للأفارقة الكلمة الأعلى في غالبية المواسم عبر التاريخ، وهم الذين كانوا دائماً الهدف للأندية في كل مرّة أرادت فيها تعزيز صفوفها على الصعيد الأجنبي.المعادلة لم تتبدل هذا الموسم أيضاً. فمع انطلاق الدوري، كانت السيطرة الإفريقية واضحة في ما خصّ العنصر الأجنبي مع الأندية الـ12. وبقي الأمر على ما هو عليه مع انطلاق مرحلة الإياب وذهاب بعض الفرق إلى تبديلٍ على صعيد الأسماء الأجنبية، حتى إن بعضها استغنى عن لاعبين قادمين من قارات أخرى لفسح المجال امام أبناء القارة السمراء للدفاع عن ألوانه.
ويمكن الجزم بأن اللاعب الإفريقي هو الأفضل للدوري اللبناني ووضعه الخاص، ويأتي تألقه بسبب أمورٍ عدة، وهي تبدو منطقيّة بالنظر إلى أوجه تشابهٍ كثيرة بين وضع الكرة في لبنان ونظيرتها في القارة الإفريقيّة.
أول الأسباب التي عكست نجاح الأفارقة في لبنان هو ما يمكن تسميته «كرة الشوارع»، وهو مصطلح يتردد عادةً في البلدان التي لم تصل فيها اللعبة إلى أعلى مستوياتها التكتيكية، وهي مسألة حاضرة بقوة في بلدانٍ إفريقيّة كثيرة، وطبعاً في لبنان حيث تفتقر غالبية الفرق إلى الانضباط التكتيكي أو إلى لعب الكرة المنظّمة، والدليل حين تسيطر العشوائية على قسمٍ لا بأس به من المباريات. وهذه النقطة تصبّ في مصلحة اللاعب الإفريقي الذي لا يجد فارقاً كبيراً بين الساحة التي بدأ فيها لعب الكرة والبلد الذي وصل إليه لخوض مغامرة خارجية.
وهنا كل ما يحتاجه اللاعبون الأفارقة لتقديم أنفسهم بقوة في الدوري اللبناني، هما القوة البدنيّة والمهارة الفرديّة، علماً أن النقطة الأخيرة تغيب في حالات كثيرة تخصّ اللاعبين السمر الموجودين حالياً في لبنان، بعكس ما كان عليه الأمر في تسعينيات القرن الماضي. لكن رغم ذلك، فإن تألق الأفارقة حاضر، لأن نوعية اللعب والملاعب وطريقة العيش والتمارين تناسبهم وتتشابه كثيراً مع ما عايشوه في بداياتهم، إذ حتى الفوضى التي تحضر على أرض الملعب أحياناً تخدمهم كثيراً. وهذه المسألة لا ترتبط بجنسيّة اللاعب، بل بالبيئة الكروية التي احتضنته خلال نشأته. فعلى سبيل المثال، لا يمكن للاعب إفريقي نشأ في أوروبا التأقلم مع الكرة اللبنانية بالصورة نفسها التي يندمج فيها القادم من القارة السمراء، لكون الأول نشأ على أسسٍ مغايرة كليّاً.
أوّل الأسباب التي عكست نجاح الأفارقة في لبنان هو ما يمكن تسميته «كرة الشوارع»


وكيل اللاعبين رامي سعود الذي نشط في قارة إفريقيا منذ أكثر من 20 عاماً، يقول في حديثٍ مع «الأخبار»: «اللاعبون الذين تستقدمهم الأندية حالياً لا يتمتعون إلا بالقوة البدنيّة، والدليل أنهم لم يتمكنوا من الارتقاء إلى مستوى أعلى بعد رحيلهم، إن كان إلى البلدان العربية، أو إلى خارج القارة الآسيوية». ويضيف: «أفضل لاعب إفريقي في الدوري حالياً هو السنغالي الحاج مالك، لكن لنعد بالذاكرة إلى التجربة التي خاضها مع فريق أُحد السعودي، فهي لم تطل كثيراً لأسبابٍ فنية بحتة».
ويشرح سعود، قائلاً إن هناك نوعية من اللاعبين الأفارقة التي تخرج إلى أوروبا مثلاً «لأنها تأسست في أكاديميات تابعة لأندية أوروبية في بلدانها، وبالتالي فهي سارت على الدرب الصحيح في نشأتها، بينما من يصل إلى لبنان هم اللاعبون الذين نشأوا في الملاعب الشعبية أو الشوارع حيث الخزان الرئيس للاعبين، فلا ضوابط هناك ولا التزامات تكتيكية أو غيرها من الامور».
وبالحديث عن الأكاديميات الأوروبية، فهذه الأخيرة اثّرت كثيراً بوصول نوعية معيّنة من اللاعبين الأفارقة إلى لبنان، إذ إن انتشارها في بلدانٍ مثل السنغال ونيجيريا وغانا مثلاً، أصبح مفصلياً، لكونها تجمع المواهب وتضمّها إليها فور رؤية الكشافين لها، فتجري عملية صقلها ثم تصديرها إلى أوروبا، ويبقى الجزء الأضعف من اللاعبين من دون أي ارتباط، فيكون انتقالهم إلى بلدانٍ مثل لبنان. وطبعاً دخول هذه الأكاديميات على الخط عبر أندية أوروبية ثرية بدّل من المعادلة في ما خصّ استقدام اللاعبين الجيدين إلى لبنان، وهي نقطة يشرحها سعود بالقول: «سابقاً كان بالإمكان جذب موهبة جيدة جداً مقابل 50 أو 60 ألف دولار في الموسم، لكن هذا المبلغ تتقاضى المواهب أضعافه في حال انتقالها إلى أوروبا حيث الأضواء أيضاً».
ولا يمكن إسقاط مسألة ارتفاع معدل الرواتب في أندية إفريقية كثيرة، وخصوصاً تلك التي تؤدي الأدوار الأولى في المسابقات القارية، أمثال أندية نيجيريا والكونغو، حيث يحصل اللاعبون على مبالغ أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن يتقاضونها في لبنان.
وإذ لا يفضّل البعض من هؤلاء اللاعبين الحصول على مبالغ معيّنة، بل الانتقال إلى بلدانٍ تفتح لهم الأبواب إلى أوروبا على غرار المغرب، فإنهم لا يحبذون فكرة المجيء إلى لبنان، لكونهم يدركون أنّ من الصعب على الكشافين الأوروبيين إيجادهم في الدوري اللبناني، وطبعاً لإدراكهم أن مستواهم سيتراجع بفعل الظروف الكروية الموجودة في لبنان. وهنا يمكن إعطاء أكثر من مثال عن لاعبين قدموا من القارة السمراء وبرزوا في موسمهم الأول أو الثاني في الدوري ثم تراجعوا فجأة، وذلك بسبب انغماسهم بالنظام العام. فأحياناً لا جديّة في التمارين أو تطويراً فردياً للاعب، الذي يمكن أن يرى حتى أنه ليس بحاجة إلى القيام بمجهودٍ إضافي، لكونه يبرز بأقل مجهودٍ ممكن.
واللافت أن غالبية اللاعبين إذا لم يأتوا من الملاعب الشعبيّة، فإنهم يحضرون من فرقٍ في الدرجة الأولى في بلدانها، وهو أمر غير مستغرب، إذ إن غالبية البطولات في إفريقيا لا تعلو بمستواها عن نظيرتها اللبنانية، والسبب هو النظام التدريبي المعتمِد على المدربين المحليين أصحاب الإمكانات المتواضعة التي لا تُسهم في تطوّر اللاعبين عادةً.
وبعيداً من كل الأسباب، سيبقى اللاعب الإفريقي الخيار الأول للأندية اللبنانية، فهو الأفضل فنياً، والأنسب مالياً، وأيضاً الاكثر قدرةً على تحمّل الصعوبات اليومية في الملاعب أو خارجها.