هل هو عصر الاوروبيين في كرة القدم اللبنانية، وهل اصبح المدرب العربي خياراً ثانياً بعد نظيره الاوروبي؟ سؤال بات مطروحاً منذ مطلع الموسم الحالي وانسحاباً الى المراحل الاخيرة من الدوري اللبناني لكرة القدم، حيث ارتفع عدد المدربين الاوروبيين الى خمسة، وهم قادمون من مدارس مختلفة، لكنهم استقوا من نفس الثقافة الكروية التي بدأت الاندية اللبنانية تؤمن بضرورة نشر تعاليمها بين لاعبيها ضمن سعيها لأفضل النتائج الممكنة.من هنا، كان الصفاء قد اختار الروماني تيتا فاليريو للاشراف عليه، من دون ان يكرر تجربته العربية الناجحة مع العراقي اكرم سلمان الذي قاده الى لقبين متتاليين. ومثله فعل الراسينغ في الموسم الماضي عندما ذهب الى خيار التشيكي ليبور بالا بعد انتهاء تعاونه مع المصري محمد حسن «كاريكا». وعلى خطى الفريقين المذكورين، سار السلام زغرتا باستقدامه الهولندي بيتر مندرتسما بعد اقالته السوري عساف خليفة. واخيراً عمد الأنصار الى فك ارتباطه بالعراقي هاتف شمران، متوجهاً الى الصربي زوران بيسيتش، بعدما كان النجمة قد سبقه الى هذه الخطوة بالتعاقد مع الالماني ثيو بوكير إثر استقالة موسى حجيج من منصبه.
ومن دون شك سجل هؤلاء المدربين حضوراً لافتاً، وحتى اولئك الذين حضروا حديثاً الى لبنان، اذ يمكن بحسب القيّمين على انديتهم لمس الايجابيات من خلال طريقة مقاربتهم للمباريات او للتمارين بالنسبة الى الوافدين الجدد (مثل بيسيتش).
الواضح ان الاندية بدأت تذهب باتجاه «القارة العجوز» لأسبابٍ مختلفة، اهمها ان المدربين العرب بنوعية نظرائهم الاوروبيين اصبحوا قلائل جداً في محيطنا، اذ لا يخفى ان غالبية الاندية اللبنانية تفضّل استقدام مدرب عربي بالنظر الى سهولة التعامل معه من خلال امكانية تواصله مع اللاعبين بشكلٍ افضل بفعل عامل اللغة. الا انه من دون الانتقاص مما قدّمه او ما يمكن ان يقدّمه المدربون العرب في الكرة اللبنانية، يظهر جليّاً ان الاندية لم تعد ترى اي عوائق تحول دون استقدامها افضل عقلٍ فني ممكن ولا تجده الآن إلا في اوروبا.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس الراسينغ جورج فرح الذي حقق فريقه نقلة نوعية مع بالا وينافس حالياً على اللقب: «شخصياً، لطالما اعتبرت ان المدرب الذي يتكلم لغة اللاعبين هو افضل الخيارات، لكن للاسف ادت ظروف مختلفة الى تجارب غير ناجحة مع مدربين عرب، فكان خيارنا الاوروبي الذي اكد ان الكرة هي اللغة المشتركة بين المدرب ولاعبيه». ويضيف: «يبدأ المدرب الاوروبي في فهم لغة اللاعب عندما يندمج في اجوائه ويعرف عقليته المختلفة عن تلك الموجودة في اوروبا، فتكون الخطوات الاولى نحو خلق الكيميائية التي تفرز النجاح».
وصحيح ان المدربين العرب سابقاً اصابوا نجاحات في الكرة اللبنانية، أكبر من نجاحات نظرائهم الاوروبيين، لكن ما يدخله المدرب الاوروبي الى الاندية من انضباط وصرامة، اضافة الى دمج اللاعبين في نظامٍ دقيق على صعيد عدم اهدار الوقت خلال التمارين او التزام مبادئ اساسية مثل عدم التعرض للحكام خلال المباريات، يساعد هؤلاء اللاعبين على تطوير عقليتهم، وهو امر مهم في فترةٍ بات فيها لاعبون لبنانيون كثر مرشحون للانتقال الى الخارج، حيث يفترض ان يتعاملوا مع كل وضعٍ بطريقة احترافية.
ويلتقي هذا الكلام مع ما يقوله المدير الاداري في الصفاء وسام خليل، الذي يرى أن «البيئة العامة في العالم العربي لم تصل الى المستوى الاوروبي، وبالتالي يأتي المدرب الاوروبي بخلفية ثقافية اكبر، بحيث يمكنه بناء اللاعب وتطويره بسرعة، وهذا امر مهم لأن لاعبينا يحتاجون الى هذه النقطة عبر تعلّمهم اشياء كان من المفترض ان يعرفوها في مرحلة التأسيس التي لا تزال سيئة في لبنان».
وفي جولة على تمارين الاندية، يبدو لافتاً تحضير المدرب الاوروبي لتمارينه وتحويلها الى امر ممتع بالنسبة الى اللاعب الذي لا يشعر بالملل، وهذا ما يعيده المدرب الوطني اميل رستم، الذي كان من رواد استقدام المدربين الاوروبيين، الى «الدورات الجديّة التي يخوضها المدرب الاوروبي قبل حصوله على شهادته، بعكس ما يحصل في عالمنا العربي، علماً انني متعصّب للمدرب اللبناني الذي يمكنه التفوّق على اي كان في حال تخريجه من دورات مفيدة ينجح فيها من يستحق فعلاً».
وأيّاً يكن من أمر، فإن الاندية اللبنانية باتت تدرك اليوم أن المدرب الناجح هو بشخصيته لا بجنسيته.