حقق المنتخب القطري فوزاً مهماً على منتخب كوريا الجنوبية المدجج بالنجوم. كوريا التي هزمت ألمانيا في مونديال روسيا الأخير، ها هي اليوم تخسر بهدف دون ردّ أمام المنتخب القطري، الذي يعتمد على تشكيلة شابّة. الإمارات بدورها فازت على أستراليا. ربما هي أكثر الصور وضوحاً عن أن التوازن موجود في آسيا بين المنتخبات. في نصف نهائي آسيا توجد المنتخبات العربيّة إضافة إلى إيران، بالعلامة الكاملة وبشباك نظيفة.«كرة القدم في هذه المنطقة مختلفة وبحاجة إلى التنظيم والمسؤولية. كثيرون يريدون التسلية دون مسؤولية». هذا ما قاله مدرب منتخب العراق لكرة القدم السلوفيني سريتشكو كاتانيتش عن كرة القدم في المنطقة العربيّة، ملخصاً الكثير من الأسباب التي تحول دون التوافق بين شغف البلدان العربية بالكرة وإمكانات منتخباتها. فالبعض يرى أن منتخبي اليابان وكوريا الجنوبية يتفوقان على المنتخبات العربية أو منتخبات غرب القارة، ولكن نظرة هادئة تظهر عكس ذلك.
رغم أن الهوة بين قطبي القارة الصفراء قد يبدو ضخماً للوهلة الأولى، غير أن الفارق الشاسع قد لا يكون موجوداً. تتعادل بعض فرق غرب آسيا بالإمكانات مع نظيراتها الشرقية. فالمهارة والموهبة موجودتان بكثرة في البلدان العربية وبلدان غرب آسيا، ولعل ما يؤكد ذلك، فوز قطر على كوريا أمس. كذلك فإنّ الأندية العربية تقدم مستويات مميّزة، وتذهب بعيداً، سواء في بطولة آسيا أو بطولة كأس العالم للأندية.
نجحت قطر بإقصاء كوريا، وإيران بإقصاء الصين، ليتأكد أن منتخبات شرق القارة لا تتفوق على منتخبات الغرب


تجلّت السيطرة العربية على كرة القدم الآسيوية في أوائل الثمانينيات، بدءاً من فوز المنتخب الكويتي بكأس آسيا عام 1980، وانتهاءً بفوز المنتخب السعودي باللقب عينه عام 1996، لتنتزع المنتخبات العربية بين تلك الأعوام 4 ألقاب آسيوية من خمسة ممكنة. لم ينحصر النجاح الكروي الذي شهده العرب في الإطار القاري فقط، إذ فاز المنتخب السعودي في تلك الفترة بكأس العالم للناشئين الذي أقيم في اسكتلندا عام 1989. سيطرةٌ مطلقة لمنتخبات غرب آسيا في الفترة الممتدة بين عامي 1968 و 1996، حققت خلالها سبعة ألقاب آسيوية من أصل 8 ممكنة، غير أن هذه السيطرة تلاشت تدريجاً مقابل تعاظم قوة القسم الشرقي من القارة، التي شكلت الثقل في الفترة الأخيرة.
بدأ الاختلال في ميزان القوّة بين قطبي آسيا منذ بداية الألفية الجديدة، بالتزامن مع زيادة اهتمام اليابان وكوريا الجنوبيّة بتطوير مستوى منتخبيهما، لتشهد بعدها دول الشرق سيطرة شبه مطلقة على الألقاب الآسيوية. منذ بداية الألفية حتى الآن، فازت منتخبات الشرق بـ4 ألقاب لكأس آسيا من أصل خمس نسخ، توجت منها اليابان بثلاثة، ما جعلها أكثر من توج بلقب كأس آسيا، مقابل بطولة واحدة لأوستراليا، التي توجت بلقبها الوحيد في النسخة الماضية بعد انضمامها إلى القارة الآسيوية.
يعود تفوق منتخبات شرق آسيا على نظيراتها في القارّة لأسبابٍ عديدة، أهمها احتراف اللاعبين في الخارج. يتاح للاعب عند احترافه خارج حدود القارة، اكتساب ثقافات كروية جديدة تعود عليه وعلى منتخب بلاده بالمنفعة. أسلوبٌ طبقته كل من كوريا الجنوبية واليابان، بعد أن أتاحت للاعبيها فرصة التوزع بين مختلف الأندية الأوروبيّة. في بلاد غرب آسيا، يكون الاحتراف غالباً محصوراً ضمن القارة الصفراء، حيث تتحقق أحلام أغلب اللاعبين إثر التحاقهم بالأندية الخليجيّة بسبب ارتفاع الأجور. الأرقام الفلكيّة التي تدفعها الأندية الخليجية مقارنةً بباقي أندية القارة، انعكست سلباً على مردود منتخباتهم الوطنية أيضاً، إذ إن تفضيل اللاعب البقاء في دولته دون التفكير في الانفتاح كروياً على باقي الدول، سيحول دون تطوير مهارته الفنيّة والتكتيكية على حدٍّ سواء. من أسباب تراجع منتخبات غرب آسيا أيضاً، المفهوم الخاطئ لمصطلح «احتراف»، الذي يؤدي دوراً بارزاً في الحؤول دون تطوير منتخبات غرب آسيا. تعتمد بعض المنتخبات العربية على استقطاب لاعبين يحملون الأصول العربية (بلد أهلهم) ويحترفون في الدرجات الدنيا من الدوريات غير الآسيوية. وبفعل الانبهار الزائد، يدخل هؤلاء اللاعبين في تشكيلات المنتخبات بشكلٍ أساسي على حساب لاعبين محليين ذي جودةٍ أفضل، ما يعكس خللاً واضحاً في المنظومة. الحكم على قيمة الدوريات الخارجية دون تقييم اللاعبين فنياً، من شأنه خلق مشاكل في صفوف المنتخبات لعدم التوافق بين حقوق اللاعب «نصف المحترف» وواجباته.

استحق المنتخب القطري التأهّل (موقع الاتحاد الآسيوي )

تؤدي العشوائية المفرطة في بناء أسس الكرة دوراً بارزاً أيضاً في خلل بعض منتخبات غرب آسيا. تعمد بعض الدول إلى استقطاب مدربين بارزين لتولي قيادة الدكة الفنية لمنتخباتهم الوطنية، دون تقدير الفارق الكبير بين ثقافة المدرب وتجهيزات البلد، لتقف سياسات اتحادات بعض دول غرب آسيا المتمثلة بسوء إدارة المنشآت الرياضية عائقاً أمام تطوير مستوى المنتخبات. في شرق القارّة، الأمر مختلف. يُنفق اتحادا اليابان وكوريا الجنوبية الملايين من الدولارات سنوياً لتطوير الفرق والحكام والأجهزة الإداريّة والفنيّة، إذ بلغت نفقات الاتحاد الياباني، بحسب مستندات الاتحاد الآسيوي، ما يقارب 130 مليون دولار عام 2015، فيما أنفقت كوريا الجنوبية 90 مليون دولار، وأوستراليا 60 مليون دولار. على الجانب الآخر ،أنفقت السعودية والإمارات 30 مليون دولار لكلٍّ منهما، وأنفقت الكويت قرابة 10 ملايين دولار، فيما أنفق العراق أقل من 7 ملايين دولار.
أنفق الاتحاد الياباني على كرة القدم ما يقارب 130 مليون دولار عام 2015


رغم فرض اليابان وكوريا الجنوبية نفسيهما كأحد أبرز المنتخبات الآسيوية أخيراً، تبقى الهوة (تعطى أكبر من حجمها) بين طرفي القارة قابلة للتقليص. منتخباتٌ كإيران، وقطر، والسعودية والعراق أثبتت أنها تمتلك ما يكفي من المهارات والمقوّمات لتقف نداً في وجه البلدان الشرق آسيوية. ظهر ذلك جلياً في المباراة التي جمعت اليابان، صاحبة الأربعة ألقاب في كأس آسيا، بالسعودية صاحبة الثلاثة ألقاب، في دور الـ16 من البطولة الحالية، إذ ظهر المنتخب السعودي بشكلٍ أفضل، خاصةً في الشوط الثاني، غير أن الهدف الذي سجله تاكيهيرو تومياسو، أسهم بإقصاء المنتخب السعودي، ليخرج هذا الأخير للمرة الثالثة على يد اليابان في آخر ثماني نسخ من بطولة كأس آسيا. لكن مباراة أمس بين قطر وكوريا أكّدت المؤكد، بأن الهوة جرى تسكيرها، وأن المنتخبات العربية ومنتخبات غرب القارة قادرة على منافسة اليابان وكوريا وأوستراليا.
في البطولة الحالية، نجحت ثلاثة فرق غرب آسيوية في بلوغ دور الربع نهائي من أصل 8 فرق، وهي الإمارات، وقطر وإيران. وبالرغم من الأوضاع الصعبة في العراق، تمكن المنتخب من بلوغ دور الـ16 ليخرج بعدها على يد المنتخب القطري. رغم تفوق دول شرق آسيا في الآونة الأخيرة على الصعيد الكروي، كان للتعتيم الإعلامي دور بارز في تعظيم الفارق، فاليابان العظيمة بنظامها وانضباطها، بعيدةٌ بلقبٍ واحدٍ فقط عن السعودية وإيران التي تبدو في طريقها لمعادلة الرقم الياباني بعد وصولها إلى الدور نصف النهائي إثر إقصائها لمنتخب الصين.
منتخبات شرق آسيا باتت ترى التطور الذي أصبحت عليه منتخبات غرب آسيا، وخاصة المنتخبات العربية وإيران، وبالتالي إن إمكانية أن تتفوّق المنتخبات العربية خلال السنوات المقبلة قابلة للتحقق.