تختلف مشاركة منتخب لبنان في كأس آسيا 2019 عنها في تلك البطولة التي استضافها عام 2000. الكلام هنا لا يشير فقط إلى طريقة وصول المنتخب إلى الحدث القاري أي من خلال مشوار التأهل لا الاستضافة، بل من خلال صورة المنتخب الحالي التي تختلف كثيراً عن تلك التي عرفها اللبنانيون في الماضي البعيد وتأملوا خيراً منها، لكن صدمة الخروج المبكر من دور المجموعات كانت في الانتظار.والخروج السريع هو ما لا يأمله أحد في البطولة المقبلة، إذ تبدو الظروف الفنية المحيطة بالمنتخب أفضل بكثير من تلك التي عرفها عام 2000. لكن جوانب أخرى لا تبدو مشابهة أبداً وسط عدم عيش لبنان حالياً حالة اسمها تأهل المنتخب الوطني للوقوف بين كبار آسيا بعد مشوار تصفيات صعب ومرهق.
(عدنان الحاج علي)

قبل 18 عاماً، عاش لاعبو منتخب لبنان على موجة «البروباغندا» الضخمة التي عرفتها البلاد في أعقاب حصولها على شرف استضافة كأس آسيا. ففي موازاة العمل على خلق أفضل الأجواء التنظيمية، والاستثمار الكبير في بناء وتحديث الملاعب، بلغ الاهتمام بالمنتخب مراحل غير مسبوقة، إن كان على صعيد إقامة المعسكرات أو تقديم الحوافز والمكافآت الضخمة للاعبين، حيث كان همّ الجميع تسجيل مشاركة مشرّفة في بطولةٍ تألفت من 12 منتخباً فقط. لكن المنتخب اللبناني تذيّل المجموعة الأولى بنقطتين بعد خسارة افتتاحية قاسية (0-4) أمام منتخب إيران بنجومه الموندياليين (كان قد شارك غالبية أفراد التشكيلة الإيرانية في مونديال 1998)، قبل أن يتعادل مع العراق (2-2)، ثم تايلاند (1-1)، ليفشل في العبور حتى كأحد الفريقين الأفضل اللذين احتلا المركز الثالث في المجموعات الثلاث.

التفاف شعبي - رسمي
أما الأهم فهو ما سبق البطولة، وتراوح بين الإيجابيات والسلبيات.
يقول قائد منتخبنا عامذاك جمال طه في حديثٍ إلى «الأخبار»: «عندما عدنا من المعسكر الطويل في ألمانيا شعرنا بأننا كمنتخب البرازيل في بلاده لناحية الاهتمام الشعبي بنا». ويتابع: «كان المنتخب وقتذاك من أولويات البلد فحضرت الحملات الإعلامية والإعلانية الضخمة، وباتت أسماء اللاعبين والمباريات المنتظرة في كأس آسيا هي الحديث اليومي للبنانيين الذين تقاطروا، وللمرة الأولى، من كل المناطق قاصدين ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية لتشجيعنا خلال المباريات».
وما يحكي عنه طه كان نتيجة التفاف الجهات الرسمية حول كرة القدم، إذ أن اسم لبنان كان على المحك في أول استضافة ضخمة له من هذا النوع، فكان العمل الرياضي مجبولاً بالرعاية السياسية إن كان على صعيد تنظيم البطولة أو إن كان لناحية تجهيز منتخبٍ مشرّف من قبل الاتحاد المحلي الذي سخّر كل إمكاناته لتحضير منتخبٍ قوي.
فترة تحضيرية يعرف من تابعها بأنها أفضل بكثير من فترة التحضيرات الحالية التي عاشها منتخبنا الذي يستعدّ لخوض غمار كأس آسيا 2019، لكن الاتحاد والفنيين وقعوا في المحظور فكانت النتائج السلبية، في وقتٍ كان بالإمكان إصابة إنجاز التأهل بفعل المواهب الكثيرة والأسماء الكبيرة التي ضمّتها التشكيلة اللبنانية قبل خرقها وإغراقها بحسابات فاشلة.

كارثة اسمها سكوبلار
مشوار التحضير لكأس آسيا كان يسير على قدمٍ وساق وبهدوء تام ومن دون ضجيج على الصعيد الفني. ففي تلك الفترة التي سبقت الحدث الكبير كان المدرب المصري محمود سعد على رأس الجهاز التدريبي، وذلك وسط أجواء مثالية طَبَعها التفاف اللاعبين حوله، فكان أن عاشوا معه معسكراً ناجحاً في أرمينيا، وحققوا فوزاً مدوّياً على الأردن في عمّان بنتيجة 3-1 (سجلها كلّها المهاجم هيثم زين). لكن مشكلة حصلت بين سعد والأمين العام السابق للاتحاد رهيف علامة، أُقصي على إثرها الأول من تدريب المنتخب وحلّ مكانه اسم معروف في عالم اللعبة وهو المهاجم الكرواتي السابق جوسيب سكوبلار.

(عدنان الحاج علي)

اختيار سكوبلار وقتذاك جاء بناءً على نصيحة الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي الفرنسي ميشال بلاتيني، الذي أوعز باسمه إلى صديقه رهيف علامة، فبدأ الكرواتي الذي كان مشواره التدريبي عادياً جداً ومليئاً بالفشل والتغييرات، عمله قبل حوالى 10 أشهر على البطولة، فتبيّن أن تعيينه كان خطوة خاطئة بحسب ما يروي العديد من اللاعبين الذين عاصروه وحتى أعضاء من الجهاز الفني.
وبعكس المدرب الحالي للمنتخب المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش، بدا سكوبلار غير مدركٍ لأي تفاصيل دقيقة تخصّ الكرة اللبنانية ولاعبيها، الذين بدوا على مسافةٍ بعيدةٍ منه، إذ عاشوا خيبة نفسية لابتعاد سعد عنهم، في وقتٍ لم يظهر فيه المدرب الجديد أيّ بوادر لعملٍ جيّد خلال المعسكرات أو يخلق أجواء عائلية، فأبدى اللاعبون امتعاضهم وأبلغوا الاتحاد بهواجسهم، قبل أن يضيف المدرب نقاطاً سلبية أخرى إلى رصيده بقراءته المتواضعة خلال المباريات، فكانت الإقالة بانتظاره في ختام النهائيات.

المجنّسون أصل المشكلة
لكن ما زاد الطين بلّة كان تجنيس خمسة برازيليين هم جادير مورغنشترن ومارسيليو دا سيلفا للدفاع، ولويس فرنانديز للوسط، والثنائي الهجومي نيوتن دي أوليفيرا وجيلبرتو دوس سانتوس.
هؤلاء لم يكونوا أصل المشكلة فقط من خلال أدائهم الذي لم يشكّل أي إضافة إيجابية، وهو ما اتّضح منذ المباراة الأولى، بل خلقوا تشرذماً على أرض الملعب، وزادوا من التوتر الذي عاشه اللاعبون المحليون في ظل وجود مدربٍ غير متفاهم معهم.
وعن التفاهم يروي طه بأنه لم يكن هناك أي تواصلٍ بين المحليين والمجنّسين على أرضية الميدان بحكم انتفاء وجود أي لغة مشتركة بينهم، وذلك إثر ظهورهم بشكل مفاجئ مع المجموعة.
ويعود المدرب المساعد لسكوبلار، سمير سعد، إلى تلك الفترة، فيروي لـ «الأخبار»: «لا أجد إحراجاً في القول بأن هذه الخطوة أضرّت المنتخب كثيراً، تماماً كخطوة تعيين سكوبلار، لكن هؤلاء اللاعبين اختارهم الأخير بعد مشاهدتنا مجموعة كبيرة من شرائط الفيديو للوقوف على مستوى لاعبين برازيليين بهدف تجنيسهم». ويتابع: «أذكر أننا أقمنا معسكراً في قبرص لمتابعتهم عن كثب، لكن في نهاية المطاف لم تسِر الأمور بالشكل المتوقع».
وكان لسعد دور في تصحيح الوضع في المباراة الثانية بعدما قصده اللاعبون المحليون طالبين منه التحدث إلى المدرب وإعطاءهم دوراً أكبر على أرض الملعب في اللقاء أمام العراق، وهو ما حصل، إذ لم تشهد التشكيلة الأساسية في ذاك اللقاء سوى اسمين برازيليين هما جادير ونيوتن، فكان التعادل 2-2 (سجلهما للبنان موسى حجيج وعباس شحرور). أما المباراة الأخيرة فشارك فيها 4 برازيليين بينهم لويس فرنانديز الذي سجل هدف التعادل في مرمى تايلاند (1-1).
عاش المنتخب في أجواء التفافٍ رسمي وشعبي غير مسبوق قبل وخلال كأس آسيا 2000


خطوة التجنيس عكست أيضاً مدى الاهتمام الرسمي وقتذاك بالمنتخب، إذ أن مرسوماً صدر بسرعة قياسية كرمى لعيون «منتخب لبنان»، لكن بحسب سعد ورغم التحضيرات المكثّفة والمعسكرات الممتازة وأبرزها في ألمانيا حيث مكث المنتخب لحوالى الشهر «كانت المنتخبات الأخرى قوية جداً، إذ أن 11 منها فقط نجح في بلوغ النهائيات، أي أن البطولة انحصرت بين الأقوياء فقط، فلم يكن لدينا القدرة على مجاراة أي أحدٍ منها».
اليوم ومع وقوف منتخبنا على أبواب كأس آسيا يدخل منتخبنا بعقلية وصورة فنية مختلفتين، ولو أن البعض يجد أوجه تشابهٍ كثيرة لناحية وجود مدربٍ قادمٍ من بلدٍ جارٍ لكرواتيا، وباستعادة جنسية لاعبين من أصل لبناني. لكن في ظل الوضع الحالي للعبة والخيارات المحدودة للاعبين يمكنهم الارتقاء إلى مستوى كأس آسيا، يبدو المنتخب بحاجةٍ إلى كل تلك الخطوات التي حصلت وربما أكثر، وذلك بهدف تسجيل أول انتصارٍ في النهائيات، ولم لا يكون لبنان فعلاً «الحصان الأسود» للبطولة بحسب ما رشّحه بعض النقاد في القارة الصفراء.



«منتخب الـ 2000» من ذهب!


لا يزال كثيرون يسألون حتى اليوم عن سبب تجنيس لاعبين برازيليين للمنتخب الذي شارك عام 2000 في كأس آسيا، إذ ضمّ مجموعة مواهب لو وجد عددٌ قليل منها في الزمن الحالي، لكان الوضع الفني لمنتخبنا أفضل بكثير.
تشكيلة منتخب الـ 2000، ضمّت حارسين كانا غالباً في منافسة قوية على الرقم 1، وهما أحمد الصقر الذي لعب أساسياً في أول مباراتين، وعلي فقيه الذي خاض المباراة الأخيرة، بينما لم يشارك وحيد فتال في أي لقاء وهو الذي كان شاباً في الـ 22 من العمر.
تلك التشكيلة ضمّت فعلاً أسماء ثقيلة كان لها الدور والتأثير الكبيرين في أداء ونتائج فرقها، ورغم صغر سنّ بعضها كان تركيزها عالياً في المباريات الدولية، إذ بعيداً من أكبر اللاعبين وقتذاك أي المدافع كوركين ينكيباريان (36 عاماً)، وُجدت أسماء أسست لمرحلة الألفية الجديدة، على غرار يوسف محمد (20 عاماً)، وأحمد النعماني (21 عاماً)، وهيثم زين (21 عاماً)، وفيصل عنتر (21 عاماً)، ورضا عنتر (20 عاماً)، ومحمد حلاوي (23 عاماً)، ونصرات الجمل (20 عاماً).

(مروان بوحيدر)

كما أضيفت إليها أسماء خبيرة على غرار القائد جمال طه وعباس شحرور وفؤاد حجازي ووارطان غازاريان واللبناني – الأوسترالي محمد رضا، وهو الوحيد الذي كان يلعب خارج البلاد وتحديداً مع فريق ملبون نايتس في أوستراليا.
أما الاسم الذي شغل الشارع الكروي في تلك الفترة، فكان موسى حجيج، الذي استُبعد من التشكيلة قبل كأس آسيا على هامش المعسكر الإعدادي الذي أقيم في ألمانيا، لكن بما أن «موسى كان من ذهب» في تلك الفترة، عرف سكوبلار أنه بحاجةٍ ماسّة إليه فعاد واستدعاه على وقع ضغطٍ شعبي ورسمي، ليخوض حامل القميص الرقم 10 المباريات الثلاث، (الأولى احتياطياً والثانية والثالثة أساسياً).