كعادته في كل موسم يسير فريق الحكمة لكرة القدم على «درب جلجلة» لا نهاية له. إهمالٌ إداري يجرّ خلفه نتائج سلبية وخوفاً على مستقبلٍ يبدو سيئاً إلى أبعد الحدود. أما جديد هذا الموسم فهو احتمال انفراط عقد الفريق بسبب اعتكاف اللاعبين. هو الفريق الذي كان في أساس إنشاء نادٍ اسمه الحكمة في 1943، والذي سبق تأسيس فريق كرة السلة في النادي بنحو نصف قرن. هو الفريق الذي يعدّ من عمر الاستقلال، والذي قدّم طوال السنوات أسماء بارزة للاعبين ومدربين دافعوا عن ألوانهم وعن المنتخبات الوطنية والعديد من الفرق المحلية. لكن أين هو الحكمة اليوم؟الحكمة اليوم في الدرجة الثانية. وبعكس تلك الفترات التي عاش فيها في ظلمة دوري المظاليم حيث كان مرشحاً دائماً للصعود إلى دوري الأضواء، يبدو مهدداً بالهبوط إلى الدرجة الثالثة. هو عاش هذا الخطر في الموسم الماضي، ويبدو أنه سيواجه نفس الاحتمال في الموسم الحالي. قد تبدو القصة مطابقة لما عرفه الفريق الأخضر منذ تقهقره إلى الدرجة الثانية، لكنها بالتأكيد أسوأ من قبل. أما المسؤول الأول والأخير عمّا يحصل فيقول اللاعبون: إنها الإدارة! جوابٌ ليس بالغريب، إذ يعرف الكل حالة التخبّط الإدارية التي يعيشها نادي الحكمة على مستوى كرة السلة وكرة القدم، والمستقبل المجهول الذي يسير إليه هذا الموسم، فكان أن شُكِّل فريق لكرة السلة مما توفّر وبأقل كلفة ممكنة، بينما كان تأليف فريق كرة القدم مبنياً على «المَونة» بين من يشرف عليه وبعض الأسماء التي تملك إمكانات جيدة يمكنها أن تعيد الفريق إلى الدرجة الأولى في حال تمّت رعايته بالشكل المطلوب.
في الأسبوع الماضي لم يخض لاعبو الحكمة أي حصة تدريبية قبل اللقاء مع الاجتماعي، وذلك بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم حتى الآن، رغم انطلاق الموسم الجديد. أزمةٌ لم تبدّل أي شيء، إذ بعد هذه المقاطعة ذهب اللاعبون إلى طرابلس وخاضوا المباراة التي خسروها بهدفين، لكن رسالتهم لم ينتج عنها أيّ تحركٍ إداري إيجابي بل كان هناك تجاهل تام لما حصل. وبالتأكيد هذا الأمر ليس مفاجئاً، إذ إن الوعود التي تمّ إيصالها إلى اللاعبين عبر الإداري سمير نجم لم تصدُق، فكانوا ينتظرون كل يوم اثنين بحسب ما تمّ وعدهم من دون أن يلمسوا أيّ شيء. هم استبشروا خيراً يوم خاض الفريق مباراته في كأس لبنان أمام شباب البرج حيث حضرها رئيس النادي، إذ بعيداً من نجم لم يحضر أي من أعضاء الإدارة سابقاً إلى المباريات، لكن الرئيس غادر قبل نهاية المباراة، وهي خطوة فسّرها اللاعبون بالهروب من إمكانية مطالبتهم له بأي شيء. بعدها عاد اللاعبون واتصلوا بالإدارة عبر قائد الفريق وليد شحادة، وحصلوا على الوعد الكلاسيكي، فكانت مقاطعة التمارين بعد المباراة التي خسرها الفريق أمام شباب البرج في الدوري.
أعلن اللاعبون الاعتكاف التام بعد مواجهة مع رئيس النادي سامي برباري على «واتساب»


وفي ظل هذا الوضع الذي يبدو ميؤوساً منه صوّب البعض على اللاعبين بسبب أدائهم في الشوط الأول من المباراة أمام الاجتماعي في نهاية الأسبوع الماضي، حيث بدا واضحاً أنهم لم يقدّموا كامل مجهودهم على أرض الملعب، في رسالةٍ جديدة إلى الإدارة. لكن كيف يمكن لوم هؤلاء وهم ومنذ انطلاق التمارين والتجارب في 13 آب الماضي لم يتقاضوا أي راتب أو بدل نقل؟ الأسوأ بالنسبة إلى اللاعبين الذين دافعوا عن ألوان الفريق في الموسم الماضي هو أنه لديهم مستحقات عالقة لدى الإدارة (بعضهم له راتب شهرين والبعض الآخر له راتب 3 أشهر) تضاف إلى الرواتب الخاصة بالأشهر الثلاثة الأخيرة، بينما لم يحصل اللاعبون الجدد على أي دفعة منذ وصولهم للانضمام إلى الفريق. وعلمت «الأخبار» أن القيمة الإجمالية لرواتب اللاعبين والجهازين الفني والإداري تبلغ 15 ألف دولار شهرياً، وهو رقم بسيط مقارنةً بالأسماء البارزة التي ضمّها الفريق إلى صفوفه هذا الموسم حيث وقّع مع 15 لاعباً جديداً، على غرار الحارسين علي الحارس وابراهيم موسى، ومصطفى بيضون وحسين فاعور وزهير مراد واندرو قزي وعلي طحان، إضافةً إلى الثنائي السنغالي أوغوستان مانغا وابراهيما ديوب الذي توّج مع العهد بلقب دوري الدرجة الأولى في الموسم الماضي. أسماء بالتأكيد يمكنها أن تضع الفريق في موقفٍ منافس على إحدى بطاقتي الصعود إذا ما تمّ الاهتمام بالفريق، لكن هذا الأمر لم يحصل، وعلى ما يبدو لن يحصل في وقتٍ قريب في ظل استمرار عدم الوضوح في الرؤية وعدم معرفة النادي إلى أين يسير وسط مفاوضاتٍ عقيمة حتى الآن لنقله إلى جهةٍ داعمة بهدف إنقاذه.
وعلى ما يبدو أن الوضع وصل إلى أدنى مستوياته سوءاً، فإذا اجتمع اللاعبون للتدرّب غابت الجديّة، ولا يمكن للمدربين تحذيرهم أو اتخاذ إجراءات كحسم مبالغ من رواتبهم كونهم لا يحصلون عليها أصلاً، لذا يغيب النظام المفترض في فريق لكرة قدم، وغالباً لم يظهر الثنائي الأجنبي بمستواهما الحقيقي على أرض الملعب بسبب امتعاضهما من الوضع العام أيضاً. قبل أيام أُدخل برباري وعضو الهيئة الإدارية مارك بخعازي إلى مجموعة «الواتساب» الخاصة بالفريق، فسأل اللاعبون عن مصيرهم، فالتزم الثاني الصمت وردّ الأول طالباً التريث والتحلي بالصبر. وأكد الرئيس أنه لم يقدّم استقالته وهو يسعى لحسم مسألة ملف النادي مع الجهة المفترض أن تقدّم الدعم. أجوبة لم يهضمها اللاعبون، فواجه أحدهم الرئيس متهماً إياه بأنه لم يقدّم أي شيء للنادي من جيبه الخاص كما فعل رؤساء أندية سبق أن لعب لها. أما لاعب آخر فأبلغه بأنه إذا لم يكن هناك أي أمل لتقدّم إيجابي فسيتوقف اللاعبون عن خوض المباريات لا التمارين فقط.
كلمات أشعلت غضب برباري الذي ردّ: «اللي ما بدّوا يجي ما يجي وليهبط الفريق للدرجة الثالثة». بعدها كان الردّ جماعياً عبر «بيان» للاعبين أوضحوا فيه بأن «المفاوضات وشدّ الحبال مع الإدارة لم تفضِ إلى شيء وتبيّن أن الوعود غير صادقة ولن نحصل على أي مبلغ مالي، وبالتالي نعلن الاعتكاف التام».
إذاً، انفجرت أخيراً بين اللاعبين والإدارة التي قيل دائماً إنها من «حزب الفوتبول» في النادي، كون غالبية أعضائها كانوا من مشجعي فريق كرة القدم منذ زمنٍ بعيد، وهم أكدوا مراراً وفي مناسباتٍ علنية عدة بأن ميزانية الفريق الكروي، الذي يفترض أن يلعب مع النهضة برّ الياس يوم الجمعة، مؤمّنة تماماً، كما هو حال ميزانية فريق كرة السلة، الذي وصفه مصدر حكماوي بأنه قنبلة موقوته أخرى، لا يعلم متى ستنفجر في ظل عدم حصول اللاعبين المحليين على رواتبهم أيضاً.