اختلف موسم الدوري الألماني هذه السنة عن سابقيه في المواسم الأخيرة. شهد الموسم الحالي من «البوندسليغا» عودة الغريم التقليدي للبايرن دورتموند للمنافسة من جديد، بل إن الأمر تجاوز مفهوم المنافسة. مع نهاية الجولات التسع الأولى من الدوري، يتصدّر «المارد الأصفر» جدول الترتيب برصيد 21 نقطة، من دون أن يتكبّد أي هزيمة حتّى اللحظة (ستة انتصارات وثلاثة تعادلات). أداء مميّز أبهر وفاجأ فيه دورتموند الجميع هذا الموسم، وكل ذلك يعود للدور الكبير الذي يقوم به المدرب السويسري لوسيان فافر (مدرب نيس الفرنسي السابق).
النجاح لم يقتصر على الصعيد المحلي (باتريك ستولارز ــ أ ف ب)

لمسات المدرب السويسري ظهرت مع الجولات الأولى من الدوري. أداء كبير رافقته نتائج كبيرة وعريضة كانت الدليل الأكبر على ثبات دورتموند في الموسم الحالي. سجّل زملاء قائد الفريق ماركو رويس 29 هدفاً في تسع مباريات في الدوري (أي بمعدّل ثلاثة أهداف في المباراة الواحدة). فكر هجومي «دورتموندي» لطالما اعتاد الجميع على مشاهدته في السنوات الماضية، ولكن ما هو جديد اليوم، انبعاث شخصيّة الفريق من جديد. النجاح لم يقتصر على الصعيد المحلّي، فأداء دورتموند في بطولة دوري أبطال أوروبا اختلف عن السنوات السابقة. أربعة أهداف من دون رد، هي نتيجة المباراة الأخيرة للفريق الأصفر أمام أحد أصعب الفرق في أوروبا دفاعياً، النادي الإسباني أتلتيكو مدريد. ماذا فعل فافر بدورتموند؟ إدارة الأخير، وكعادتها، دائماً ما تعقد الصفقات «الضبابية»، مع لاعبين لم يكن للإعلام والـ«ميديا الرياضية» دور في شهرتها. على سبيل المثال، النجم الإنكليزي المتألق حالياً مع الفريق، لاعب مانشستر سيتي السابق جايدن سانشو (18 عاماً). إضافةً إلى سانشو، تعاقدت الإدارة مع هدّاف «البوندسليغا» الحالي، والاحتياطي السابق مع نادي برشلونة، المهاجم الإسباني باكو ألكاسير، الذي انفجر هذا الموسم وقدّم كل ما لديه من إمكانات لم تكن تثق بها إدارة فريقه السابق. وليكتمل المثلث، شهد الموسم الحالي من الدوري الألماني، عودة لأحد أبرز نجوم الدوري في السنوات الأخيرة، عودة ماركو رويس، قائد الفريق للتسجيل والمشاركة باستمرار في المباريات من دون تعرّضه لأي إصابة (بلا حسد!)، ناهيك عن «بعث» الروح في قلب ماريو غوتزه، «الشريك» القديم ــ الجديد لرويس.
ولكن بعد كل هذا الأداء المبهر من دورتموند، لا بدّ من إعطاء مدرب الفريق حقه. المدرب فافر الذي وضع بصمته «الفرنسية السويسرية» على فريق ألماني كان جريحاً في السنوات الماضية.
من هو فافر؟ ليس مجرد مدرب سابق لفريق المدينة الفرنسية السياحية في الجنوب. الأجواء الألمانية ليست بالجديدة بالنسبة إلى المدرب السويسري، فقد سبق له ودرب فرقاً كهيرتا برلين وبوروسيا مونشنغلادباخ الألمانيين قبل أن يتسلم زمام الأمور في نيس الفرنسي.
تاريخه كمدرب ليس كبيراً، لم يحقق الألقاب مع الفرق الألمانية التي درّبها، ولا حتّى مع نيس، إلّا أن طريقة لعبه واحدة: طريقة هجوميّة تناسبت وبشكل مميّز مع دورتموند. كغيره من المدربين، كان لاعباً مغموراً قبل أن يصبح مدرباً. ولنقل الأمور كما هي، فافر كان مدرباً مغموراً (إعلامياً) قبل أن يصبح اليوم مدرباً لدورتموند، رغم أن بصماته في نيس واضحة. ولكن العمل الجاد، واستمرارية النتائج الإيجابية، أدّت إلى توجيه عدسات الكاميرات عليه وعلى ما يقدّمه مع فريقه هذا الموسم. يحسب للمدرب فافر، أنه من المدربين الذين يعطون الثقة للاعبين الشباب. وهذا ما شاهدناه مع النجم الإنكليزي الصّاعد سانشو (أربعة أهداف وست تمريرات حاسمة في الدوري الألماني). هذه هي طريقته منذ البداية: في فريقه السابق نيس، كان يعطي دائماً الأفضلية للاعبين الصغار في السن (سيبريان على سبيل المثال).
في ألمانيا، الأحلام كبيرة. دورتموند ليس فريقاً «متوسطاً». لطالما اعتاد الجميع على دورتموند كفريق منافس للبايرن، ومن الجيد أن يعود الضوء إلى «سيغنال إيدونا بارك» من جديد. ولكن يبقى السؤال الأصعب، هل سيستمر دورتموند على هذا النسق؟ ومن سيكون صاحب النفس الأطول في الدوري؟ في النهاية، بايرن ميونخ ليس لقمةً سائغة.