فريقٌ يتلقى مرماه 51هدفاً في ثماني مباريات، وآخرُ يفشلُ في تسجيل أكثر من ستة أهداف. مسارح بدلاً من الملاعب، ومُخرجون عِوضاً عن المدرِّبين. دراما في هذا المسرح. لا شيء يدعو إلى الضّحك هنا، رغم أن ما يتابعه الحاضرون أشبه بمهزلة. دوري الشباب بكرة القدم يكاد يكون «عقوبة» مفروضة على الأندية واللاعبين سواء. الأندية لأنّها مستهترة، واللاعبون لأنهم لم يجدوا ملاذاً آخر. اتحاد الكرة يلعب دور المتفرِّج أيضاً. فُرجة!تُطلق عبارة «دوري المظاليم» عادةً في أوساط متابعي الكرة المحلية على دوري الدرجة الثانية. هُناك يلعب اللاعبون الذين يتقاضون الأجر «يلي ما بطَعمي خبز»، والفرق القادرة على الصعود إلى الدرجة الأولى لكن عاجزة عن تأمين ميزانيةٍ لها، فتُجبر على البقاء في مكانها، والملاعب غير الصالحة للعب، أو حتى للزراعة. لكن ماذا عن اللاعبين الذين لا يلقَون الرّعاية الصحيحة والاهتمام الكافي في مقتبل أعمارهم؟ أو أولئك الذين لا يتقاضون أي أجر، ويكتفون بالحصول على أجرة الطريق؟ أو الذين يلعبون على ملاعب بعشبٍ اصطناعي في الثانية عشرة ظهراً تحت أشعّة الشمس؟ أو الذين يدّعون الإصابة بطلبٍ من «المخرج» الذي يُنهي مسرحيّته بمشهد سقوط «الضحيّة» أرضاً؟ ياما في الملاعب مظاليم.
تُلعب معظم المباريات في العاشرة صباحاً وفي أيام الآحاد وعلى عشب اصطناعي سيئ


ثمانية أسابيع مرّت على انطلاق دوري الشباب (دون 19 عاماً) بكرة القدم. عشرون فريقاً موزّعون على مجموعتين، يتبارَون للحصول على ست مقاعد للمنافسة على اللقب. 399 هدفاً سُجّلوا في المباريات الثمانين الملعوبة، بمعدّل نحو خمسة أهداف في المباراة الواحدة. فريق ناصر بر الياس جمع وحده 51 هدفاً في شباك مرماه، كذا الأدب والرياضة كفرشيما الذي دخل مرماه 47 هدفاً، وربما أفلت من الوصول إلى الخمسين، لو أن اللاعبين لم يدَّعوا الإصابة في مباراتهم مع الأنصار. الأهلي صربا تلقّى هو الآخر 47 هدفاً. في المقابل، لم يسجّل لاعبو الشباب العربي وناصر بر الياس أكثر من ستة أهداف في المباريات الثماني التي خاضوها. الشباب الغازية اكتفى بتسجيل ثمانية أخرى. الفارق يبدو كبيراً بين هذه الفرق وغيرها كالعهد والنجمة والأنصار، ومعها طرابلس والتضامن صور وهوبس. «النبيذي» حامل اللقب نجح بتسجيل ثاني أكبر عددٍ من الأهداف (43) بعد العهد (47)، فيما لم يُسجّل في مرمى «الأخضر» أكثر من ثلاثة أهداف. التباين بين هذه الفرق ليس بنوعية اللاعبين فحسب، بل بالإدارة. أساساً، الفرق الأولى في بعض هذه الأندية تُعاني. اهتمام الإدارات، إن وجد، ينصبّ على ممثّل النادي بطبيعة الحال، وهو الفريق الأول، أمّا الفئات العمرية فهي أمور ثانوية. أشبه بـ«تربيح جْميلة» لشبابٍ جُمعوا من ملاعب الميني فوتبول في المناطق وباتوا يلعبون مع فرقٍ مرخّص لها. في الحقيقة بعض الأندية تكون مجبورة على المشاركة في هذه المسابقات، إذ إنها تدفع غرامات ماديّة في حال الانسحاب. لافتة العبارة المكتوبة على قميص لاعبي الراسينغ: «You›re Good». عبارةٌ تشجيعية للشباب. جميل ولطيف و«حبوب»، هذا الشِعار. خسر الفريق ستّاً من مبارياته الثماني وتلقى مرماه 32 هدفاً. ربما ليس بالتشجيع وحده يحقق الفريق أهدافه. المستوى الضعيف في كفّة، و«التمثيل» في كفّةٍ أخرى. ثلاث مباريات أنهاها الحكم في هذه البطولة بسبب فقدانها النصاب القانوني (حضر أقل من ستة لاعبين وحارس مرمى على أرض الملعب). هذا الأمر ليس بجديد، بل يتكرّر في كل موسم، أما العقوبة فغير موجودة، وكأنّ التمثيل مشرَّع في القانون. كيف لمباراةٍ أن تنتهي بعد عشرين دقيقةٍ على انطلاقها؟ أربعة لاعبين أصيبوا خلال هذه الدقائق؟ وأين البدلاء؟ «مسرحيّة». على ملعب «الشرق» (والاسم لطيف هو الآخر) أطلق الحكم صافرة نهاية مباراة الأنصار والأدب والرياضة كفرشيما بعد عشرين دقيقة على انطلاقها بسبب فقدان النصاب القانوني، معلناً فوز الأنصار بخمسة أهداف دون رد، كان اللاعبون سجّلوها خلال هذه الدقائق. وعلى ملعب العهد تكرّر الأمر مرّتين، حين «انسحب» فريق ناصر بر الياس أمام الرياضي العباسية، ومثله فعل الشباب العربي بمواجهة النجمة. ذلك إلى جانب الأخطاء الإدارية التي جمّدت نشاط العباسية والغازية أسبوعاً، ما أبعدهما عن مباريات الأسبوع الثالث، واعتبرا خاسرَين بثلاثة أهداف.

الاتحاد قرر قبل سنتين إلغاء دوري «الآمال» الذي كان يسمح للاعبين دون 21 عاماً بخوض بطولةٍ تحضيريةٍ


لا يُحاسب اتحاد اللعبة المنسحبين بشكلٍ غير قانوني. هذا «احتيالٌ» إذا صحّ التّعبير. مَخرجٌ للفرق التي تتوقّع خساراتٍ كبيرة. لا ذنب للشباب هنا، بل اللوم يقع على من يأمر بادّعاء الإصابة. هل هذا ما بتنا نعلّمه للشباب اليوم؟
الموضوع لا يقف عند هذا الحدّ. للاتحاد دورٌ أكبر في الاهتمام بالفئات العمريّة. صحيحٌ أن المسؤولية تقع على الأندية، لكن بعض الأمور تبدو غير منطقية، كخوض هؤلاء اللاعبين مبارياتهم في العاشرة صباحاً! تُلعب جميع المباريات أيام الآحاد، وبعض اللاعبين طُلّاب في مدراس تفتح أبوابها أيام السبت. كيف لهم أن يستيقظوا باكراً للتوجّه نحو ملاعب بعيدة عن مناطق سكنهم حتى يلعبوا هذه المباريات؟ ثمّ أن تُلعب بعض المباريات في الثانية والنصف ظهراً على ملاعب عشبٍ اصطناعي في هذا الطقس؟ مؤسفٌ مشهد صبّ اللاعبين الماء على أحذيتهم بسبب الحرارة العالية. يقول البعض إن على الاتحاد واجب استحصال هؤلاء اللاعبين على حقوقهم الماديّة من الأندية، إذ إنهم لا يتقاضون سوى أجرة الطريق حتى يرفّعوا إلى الفريق الأوّل.
ينتهي دور الشباب عند هذا الدوري. بعدها إما يصعدون إلى الفرق الأولى حيث يجلسون على مقاعد الاحتياط، أو يتوزّعون على فرق الدرجات الدُنيا، ذلك لأن اتحاد اللعبة قرر قبل نحو سنتين إلغاء دوري «الآمال» الذي كان يسمح للاعبين دون 21 عاماً بخوض بطولةٍ تحضيريةٍ أخيرة قبل الانتقال للعب مع الرجال. بطولةٌ كانت تضيّق الفجوة بين الشباب بعمر الـ18 وما دون وبين اللاعبين الأساسيين في الفرق الأولى. هؤلاء غالباً يجالسون مقاعد الاحتياط حالياً بانتظار فرصة المشاركة. الهدف كان نقلهم بسرعة للعب في الدرجة الأولى، لكن ذلك لم يحصل، فبات مصيرهم معلّقاً بين ترّقب قرار المدير الفني وبين السماح لهم بالانتقال بالإعارة إلى فرقٍ أخرى، أو الحصول على استغناءاتهم.