منذ موسم 2013 ـ 2014 تاريخ انسحاب نادي السد من كرة اليد في شكل دائم، بدأ مسلسل السقوط في كرة اليد اللبنانيّة. على مدى نحو 8 سنوات حقق نادي السد «المعجزات»، فأحرز بطولة آسيا عام 2010 على أرضه في بيروت، كما حل وصيفاً عام 2011 في السعودية. وفي المناسبتين كان المنافس نادي مضر السعودي. شارك السد في بطولة العالم في قطر حيث أحرز المركز الثالث، في بطولة شهدت مشاركة أندية كبيرة من أوروبا أبرزها «كيل» الألماني، وباريس سان جيرمان الفرنسي، وحامل لقب تلك النسخة ريال سويداد الإسباني. وحقق النادي اللبناني بطولتي الدوري والكأس المحليين في مناسبات عدّة. خروج نادي السد من اللعبة في ذلك العام كان بسبب تراكم المشكلات، والخلافات مع الاتحاد اللبناني للعبة. خرج السد والخلافات استمرت. وهذا ما دفع بعدها إلى انسحاب عدد من الفرق بينها حارة صيدا، ومار الياس، وهي أندية كانت تترك الدرجة الأولى وتشارك في دوري الدرجة الثانية خلال المواسم الماضية. في تلك المرحلة كان نادي السد الذي كان يرأسه المحامي تميم سليمان (رئيس نادي العهد لكرة القدم حاليّاً) يعتبر أن الاتحاد الذي يترأسه رئيس نادي الصداقة عبدالله عاشور منذ 1996 «يضيّق عليه، ولا يعمل على تطوير اللعبة».تراجعت كرة اليد في شكل كبير، فانعدمت المشاركات الخارجية على مدى أكثر من ثلاث سنوات على مستوى أندية الرجال (درجة أولى) وحتى المنتخب الأول. وكانت هناك مشاركة «غير ناجحة» لمنتخب السيدات في بطولة غرب آسيا في الأردن في العام الحالي. في كل موسم ينسحب نادٍ من الأندية في الدرجة الأولى، وسط غياب كامل للعبة عن الخريطة الآسيوية، وابتعاد الجماهير عن المدرجات في الدوري المحلي بسبب ضعف اللعبة، والأندية على حد سواء. ومنهم من يقول: «لم يعد هناك لعبة أصلاً». ومن شاهد مدرجات المباراة النهائية، سيلاحظ الأمر بلا عناء.
لا يوجد عدد كاف من الكرات التي تُلعب فيها المباريات والتجهيزات غائبة


في موسم 2017 ـ 2018 (الحالي) وصل ناديا الصداقة وفوج إطفاء بيروت إلى نهائي البطولة. فاز كل من الناديين بمباراة في السلسلة النهائية التي يحصد اللقب من يفوز بمبارتين من أصل ثلاث. وشهدت المباراة الثالثة والحاسمة من السلسلة النهائيّة إشكالاً كبيراً بين لاعبي فوج إطفاء بيروت، ولاعبي نادي الصداقة. بدأ الأمر عند الدقيقة 18 من عمر الشوط الأوّل اصطدم مهاجم نادي الصداقة خلال هجمة مرتدة، بحارس نادي فوج الإطفاء ما أدى إلى إصابة الأول. وعلى أثر هذا الاحتكاك «غير المقصود» طرد حكم اللقاء الحارس حسين صقر. وبعدها اعترض لاعبو نادي فوج الإطفاء على قرار الحكم، وأعلنوا انسحابهم من اللقاء. وعلى أثر هذا القرار بلحظات حصل احتكاك بين لاعبي الفريقين، تطور إلى إشكال «كبير» بين اللاعبين، شهد تضارب بالأيدي وعبوات المياه، كما دخل قسم من الجمهور إلى أرض الملعب. وسرعان ما تدخلت القوى الأمنية لحل الإشكال. في الأصل، وقبل حصول عملية الطرد، كانت النتيجة تشير إلى تقدم نادي فوج إطفاء بيروت على حساب الصداقة بثمانية أهداف لستة. ومع انسحاب فوج الإطفاء، أعلن الحكام انتهاء اللقاء بفوز نادي الصداقة، ليتوج باللقب، بعد أن أصبحت النتيجة النهائية للسلسلة، انتصارين للصداقة مقابل انتصار لفوج الإطفاء. وحل نادي الجيش اللبناني بالمركز الثالث بفوزه على حارة صيدا الذي حلّ رابعاً. وهذه المرة الأولى التي يحرز فيها نادي الصداقة لقب البطولة منذ 2005.
ما حصل في السلسلة النهائية، يعبّر تماماً عن واقع اللعبة، والفوضى الكبيرة التي تعيشها. ويقول بعض المتابعين للفترة الذهبية التي شهدت صعود نادي السد، إن اللعبة تحولت من الاحتراف إلى أقل من الهواة. فالأندية الكبيرة تركت اللعبة، وبات يشارك في كأس لبنان أندية المدارس والجامعات، كما لا يوجد عدد كاف من الحكام. ونتيجة تراجع اللعبة، لم يعد هناك لاعبون ولا فئات عمريّة، وبالتالي فإن مسلسل السقوط مستمر. حتى أن عدداً كبيراً من الأندية لا تمتلك ملاعب، وتلعب معظم المباريات على ملعب واحد هو قاعة الراحل حاتم عاشور التابعة لنادي الصداقة. وقالت مصادر في اللعبة أنه لا يوجد عدد كاف من الكرات التي تُلعب فيها المباريات، فغالباً ما يؤتى بالكرات عبر أشخاص قادمين من أوروبا، أو يتم طلب كرات من الأردن، وبالتالي فالتجهيزات غائبة أيضاً. حتى أنه خلال الفترة السابقة، كانت الأندية اللبنانية وبخاصة السد، تتعاقد مع لاعبين دوليين على مستوى عال، وهو ما يمكن اللاعب اللبناني من الاحتكاك وتطوير مستواه. كما كانت المشاركات الخارجية في بطولة أندية آسيا، وبطولة أندية العالم فرصة للاعبين اللبنانيين للتطور، ولتقديم أنفسهم للعالم، وهو ما أدى إلى احتراف بعض اللاعبين اللبنانيين على مدى السنوات في إيران وقطر، وغيرها من الدول. في المحصلة، أحرز الصداقة لقب «البطولة». ولكن الأكيد أن الجميع بات مقتنعاً أن اللعبة مأزومة، وعدداً من الأندية لا تريد الاستمرار، كما أن اللاعبين لا يرون مستقبلاً في اللعبة وهو ما عبّروا عنه مراراً. كرة اليد من النفق، إلى المجهول.