«اللعبة عادت لأبنائها، والبطولة عادت لبنانية». بهذه الكلمات علّق مدرب معروف بفرحة على قرار الاتحاد اللبناني لكرة السلة بالعودة للاعتماد على اجنبيَين اثنين على أرض الملعب، إلى أجنبي ثالث احتياطي، ابتداء من الموسم الجديد الذي ينطلق في تشرين الأول المقبل. قرارٌ قاتَل من أجله كثيرون، إذ منذ اللحظة التي أُقرّ فيها اعتماد ثلاثة لاعبين أجانب على أرض الملعب، حاول اللاعبون المحليون المقاومة، لكنهم ما لبثوا أن رضخوا لأنديتهم، وعمل كل واحدٍ منهم بعدها بشكلٍ فردي على حماية مصالحه الخاصة. سارت البطولة بعدها وسط أصوات علت من هنا وهناك ضد هذا القرار، لكن ما لبث أن أصبح المشهد عادياً فغزا الأجانب بالجملة الملاعب اللبنانية، وشكّل بعضهم حالات إيجابية والبعض الآخر كان عبارة عن صفقة خاسرة بكل ما للكلمة من معنى.الاتحاد اللبناني لوّح بالوطنية طوال الفترة الأخيرة، فعاد إلى تحريك موضوع الأجانب انطلاقاً من خدمة للمصلحة العامة المتمثّلة بالمنتخب الوطني. لكن مشككين في نوايا الاتحاد ذهبوا إلى القول إن القرار السابق الخاص بالأجانب الثلاثة حقق هدفه ألا وهو انتزاع اللقب من الرياضي، وهذا ما حصل مع فوز هومنتمن بالنسخة الأخيرة. لكن بغض النظر عن هذا الرأي أو ذاك، يترك القرار الجديد ارتياحاً لمحبي كرة السلة بحسب هويتها اللبنانية التقليدية، إذ بات معروفاً أن غالبية اللاعبين اللبنانيين تحوّلوا إلى «كومبارس» في فرقهم حيث مهمتهم هي فقط إكمال العدد المطلوب على أرض الملعب بحسب ما وصف أحد اللاعبين الدوليين حاله مع زملائه في الموسم الماضي، في ظل تبديل فريقهم أكثر من 10 لاعبين أجانب.
نجمٌ سابقٌ في الحكمة فضّل عدم الكشف عن اسمه في حديثه مع «الأخبار»، وصف الوضع السابق بالمخجل بحق كل لاعب لبناني، فيعود إلى أيام دورة دبي الدولية التي شارك فيها مع «فريق تيريل ستوغلين» بحسب ما يقول. هو أعطى هذا التوصيف لفريق الحكمة ليعكس صورة عمّا كان يحصل على أرض الملعب، فيشرح آسفاً: «كانت المهمة الوحيدة للاعبين اللبنانيين هي البحث عن ستوغلين لتمرير الكرة إليه، أو تدوير الكرة لتفريغه بشكلٍ يمكنه التسديد براحة تامة». ويتابع: «طبعاً كان زميلنا الأميركي هدافاً مميزاً، لكن تخيّل أنه في إحدى المباريات أخذ على عاتقه 72% من نسبة محاولات الفريق، ولم يكن موفقاً إلا بنسبة 20%، ما أدى إلى خسارتنا للمباراة».
لا يمكن نكران الدور الإيجابي لوجود عدد أكبر من الأجانب على أرض الملعب


طبعاً، لا يمكن نكران الدور الإيجابي لوجود عددٍ أكبر من الأجانب على أرض الملعب، أقلّه من خلال تأمين الاستعراض وردم الهوة بين الفرق، بحيث كانت غالبية المباريات متقاربة المستوى والنتائج في الموسمين الأخيرين. وهذه المسألة سعت إليها الجهات المتنفّعة من اللعبة تسويقياً، وهي لا تُلام على هذا الموضوع، إذ كل من يعمل في الباسكت يخدم مصلحته من دون النظر إلى المصلحة العليا. لكن مع سقوط «الجشع» بالضربة القاضية هذه المرة والعودة إلى قانون «2+1» الذي اعتُمد للمرة الأخيرة في مطلع الألفية الجديدة، يبدو اللاعب اللبناني المستفيد الأكبر. وهنا الكلام عن دورٍ أكبر على أرض الملعب، وعن حقوق مالية أفضل، إذ إن «أكبر كذبة» عرفتها اللعبة في طورها الحديث هي عندما أصرّ البعض على أن قانون الأجانب الثلاثة سيوفّر على الأندية المبالغ المالية الكبيرة التي كانت تتكبّدها لقاء تعاقدها مع اللاعبين اللبنانيين. إذ إن كل الفرق تقريباً رفعت في الموسمين الأخيرين من سقف تعاقداتها الأجنبية، فكان مجيء لاعبين أجانب بمبالغ خيالية أرهقت الخزائن المالية للبعض ولم تفرز أي منفعة فنية، ويمكن الدلالة على الشانفيل وما أقدم عليه في الموسم الماضي كمثال صارخ على هذه المقولة.
وفي نفس السياق، صحيح أن اللاعب الأجنبي هو ضمانة فنية للمدربين، إذ بأسوأ حالاته يمكنه تقديم مستوى مقبول، فإن تقلّص دوره سيعيد الثقة للاعب اللبناني نفسه، فقد عاش لاعبون كُثر، رغم رفعة مستواهم، محطات صعود وهبوط في المستوى بين مباراة وأخرى، وهو أمر تسبّب به الأجنبي بهيمنته المطلقة على أرض الملعب، وفي حالات أخرى اللاعب اللبناني بذاته، وخصوصاً وسط شعور الغالبية الساحقة بأن دورهم محدود جداً، فلم يأخذوا المبادرة في حالات عدة بل اعتادوا على ترك المهمة للأجنبي الذي لا يكترث للضغوط أصلاً، فهو حتى لو فشل في إيصال فريقه إلى الهدف المنشود، لن يكون عليه مواجهة الجمهور بل سيحزم حقائبه متجهاً نحو محطة جديدة في مسيرته.
ومما لا شك فيه أن اللاعب اللبناني بحاجةٍ إلى المشاركة أكثر في المباريات ولعب دورٍ أكبر، وخصوصاً في هذه الفترة التي تشهد ظهور بعض الأسماء الجديدة، التي يمكن أن تلعب مستقبلاً دوراً رئيساً في الفرق والمنتخبات على حدٍّ سواء. والفكرة هنا هي حول اختفاء ظهور مواهب كبيرة جديدة، إذ منذ أن سطع اسم نجم الرياضي وائل عرقجي لم تعرف الساحة السلّوية أي موهبة أخرى. وهذه المسألة كانت قد بدأت تترك آثارها السلبية على المنتخب الوطني الذي تراجع تباعاً على صعيد المستوى والنتائج وسط افتقاده أسماء جديدة يمكن أن تبقيه في دائرة الكبار، وترسّخ الفكرة القائلة بأنه يملك القدرة على مجاراة أيٍّ كان في قارة آسيا.
هكذأ، انتهت نسبياً عملية «شدّ الحبال» الخاصة بعدد اللاعبين الأجانب المعتمدين في بطولة لبنان، لكن لا بدّ من أن يكون التفاؤل حذراً، إذ إن هذا القرار ليس بكلمة السر السحرية التي ستقلب اللعبة رأساً على عقب وتعيدها إلى أيامها الذهبية. هو قرار جزئي قد يكون حلاًّ لمشكلة بسيطة في بحرٍ من المشاكل التي تغرق فيها اللعبة بأنديتها واتحادها. وهنا للاعب اللبناني دور مزدوج أيضاً للمساهمة في إخراجها من الرمال المتحركة، أوّلاً من خلال تأثيره الفني، وثانياً من خلال تفاعله الإيجابي مع أنديةٍ تترنح مادياً وتبدو بحاجةٍ إلى إعادة ترتيب حساباتها وأوراقها على هذا الصعيد.



لبنانيان في الـ «NBA JUNIOR»
للمرة الأولى في تاريخ كرة السلة اللبنانية يشارك لاعبان لبنانيان في بطولة العالم لـ«أن بي آي جونيور» لفئتي الذكور والإناث التي تضم 317 لاعباً ولاعبة من 35 دولة، بإشراف ومتابعة من أبرز المدربين وحضور نجوم الدوري الأميركي بكرة السلة للمحترفين (أب بي آي) دواين وايد، اندريه دراموند، فانس كارتر، بروك لوبيز، غرانت هيل، تاميكا كاتشينغز، سوين كاش وجينيفر قزي. ويشارك قمر منصور وكريم رطيل من أكاديمية نادي هوبس بعد مرحلة من «الغربلة» تخللها منافسة شرسة بين اللاعبين لحجز مقعد في البطولة التي سيتخللها المزيد من الاختبارات لتطوير المهارات واكتشاف المواهب.