لم يكن بالإمكان وصف المباراة الثانية في نصف نهائي مونديال روسيا 2018 بين إنكلترا وكرواتيا قبل انطلاقها بغير التاريخية. هي تاريخية للطرفين، باعتبار أن الإنكليز يخوضونها سعياً للوصول إلى النهائي للمرة الثانية في تاريخهم بعد الأولى عام 1966. مرّ 52 عاماً والإنكليز ينتظرون هذه الفرصة التي قد لا تتكرّر، إذ ليس في كل مونديال تفشل المنتخبات الكبرى البرازيل وألمانيا والأرجنتين وإسبانيا في الوصول إلى نصف النهائي، فضلاً عن غياب إيطاليا وهولندا.كذلك كان التاريخ بانتظار كرواتيا، إذ هذه المرة الثانية التي يصل فيها الكروات إلى الدور نصف النهائي بعد الأولى عام 1998 عندما اصطدموا بفرنسا المضيفة وخسروا بصعوبة 1-2. هم أيضاً أمام فرصة قد لا تتكرر للوصول للمرة الأولى إلى النهائي وليضربوا موعداً ثأرياً مع الفرنسيين.
مسألة أخرى كانت بارزة قبل المباراة وتتعلّق بالإنكليز، إذ ما هو واضح حتى الآن أن منتخب إنكلترا لم يلعب حتى هذه المباراة مواجهة قوية تؤكّد أحقّيته بالوصول إلى هذه المرحلة. في دور المجموعات لعب ضد بنما الضعيفة وعانى للفوز على تونس وخسر أمام بلجيكا في مباراة لعب فيها للخسارة لتفادي البرازيل في ربع النهائي. في دور الـ 16 احتاج لركلات الحظ الترجيحية لتخطّي عقبة كولومبيا. أما في ربع النهائي، فتجاوز السويد 2-0 بعد مباراة تألق فيها جوردان بيكفورد، منقذاً 3 أهداف للسويديين. هذا يوضح أن طريق لاعبي المدرب غاريث ساوثغيت كانت سالكة نحو نصف النهائي، ورغم ذلك فإنها لم تكن سهلة عليهم. لذا، يمكن وصف مواجهة كرواتيا بالاختبار الأبرز لجدارة الإنكليز.
أما بالنسبة إلى كرواتيا، فيكفي القول إنها قدّمت مباراة كبيرة أمام أرجنتين ليونيل ميسي وأسقطتها 3-0 لتأكيد أحقّيتها باللعب في نصف النهائي.
المباراة انطلقت. لم تكن إنكلترا تحلم ببداية كالتي حصلت. في الدقيقة الخامسة ركلة حرة يتقدم كيران تريبيير لتنفيذها ويسددها باتجاه الشباك. مجدداً الكرات الثابتة تؤتي ثمارها مع الإنكليز في المونديال.
سقط الإنكليز في أول مواجهة صعبة حقيقية لهم في المونديال


هدف كان له تأثيره الإيجابي طبعاً على «الأسود الثلاثة» والسلبي في المقابل على الكروات. هذا ما بدا واضحاً مباشرة حيث وجد الكرواتيون صعوبة في الاستفاقة من صدمة الهدف، وبدت العصبية والاستعجال جليّين على أدائهم، حيث لم يتمكّنوا من الوصول إلى مرمى بيكفورد بسبب الدفاع الإنكليزي الصلب، وفي ظل غياب الحلول المطلوبة تحديداً من الثنائي لوكا مودريتش وإيفان راكيتيتش. وبدا لافتاً أن الكروات انتظروا حتى الدقيقة 31 ليُسددوا باتجاه المرمى الإنكليزي عبر كرة أنتي ريبيتش التي جاءت بين أحضان بيكفورد. في المقابل، كان الإنكليز هادئين، واعتمدوا كالعادة على الكرات الطويلة للاستفادة من سرعة رحيم سترلينغ وجيسي لينغارد عند طلب الكرة.
لكن المنتخب الإنكليزي لم يستغلّ في بداية الشوط الثاني الثقة التي حصل عليها بتقدّمه في الشوط الأول. النتيجة 1-0 فقط، ما يعني أن الكروات باستطاعتهم مهما كانت الظروف تعديل النتيجة بكرة واحدة. هذا ما حصل بالفعل في الدقيقة 68 بعد كرة عرضية من الجهة اليمنى عبر سيم فرساليكو انقضّ عليها إيفان بيريسيتش قبل كايل ووكر وتابعها مباشرة في الشباك.
هدف بدّل حال الكروات الذين كانوا بعد 4 دقائق فقط على مقربة من التقدّم بالنتيجة عبر بيريسيتش مجدداً، بعد أن تلاعب بالدفاع الإنكليزي وسدّد كرة جاءت في القائم الأيسر لمرمى بيكفورد.
بدا واضحاً ارتباك الإنكليز والتراجع الكبير في أدائهم تقابله اندفاعة هجومية كرواتية كادت تثمر مجدداً عبر ماريو ماندزوكيتش بتسديدة من داخل المنطقة تمكن بيكفورد من إبعادها (82).
المباراة تذهب إلى شوطين إضافيين. مجدداً إنكلترا تعتمد على الكرات الثابتة، حيث سنحت فرصة خطيرة لها من تسديدة رأسية لجون ستونز من ركلة ركنية، إلا أن فرساليكو أبعدها عن خط المرمى في الدقيقة 99.
كذلك، تعتمد إنكلترا مجدداً على حارسها بيكفورد الذي أنقذها من هدف لماندزوكيتش في الوقت بدل الضائع من الشوط الإضافي الأول.
ظهر المنتخب الكرواتي أفضل مع انطلاق الدقائق الـ 15 الأخيرة من المباراة. لن ينتظر الكروات طويلاً ليقلبوا الطاولة على الإنكليز، إذ في الدقيقة 109 لعب بيريسيتش الكرة برأسه لتجد ماندزوكيتش في منطقة الجزاء، فسدّدها قوية عجز بيكفورد هذه المرة عن إبعادها، وسط فرحة كرواتية عارمة.
المباراة تنتهي. الكروات يواصلون كتابة التاريخ ويحقّقون أفضل إنجاز لهم بالتأهل عن جدارة إلى نهائي مونديال روسيا 2018 مقابل خيبة إنكليزية كبرى.
كل الأسئلة في مونديال روسيا عُرفت إجاباتها، لكن يبقى السؤال الأخير والأهم: من سيرفع كأس العالم؟ الجواب بين فرنسا وكرواتيا يوم الأحد المقبل في موسكو.