هذه المرة كانت بلجيكا حاضرة بالتشكيلة الكاملة. النجوم كلّهم كانوا هنا. في المباراة السابقة أمام إنكلترا شارك البدلاء. 9 تغييرات بالتمام أجراها المدرب الإسباني روبرتو مارتينيز على التشكيلة. حينها لم يكن الفوز مهماً وحتى أنه لم يكن مطلوباً، لكن البلجيكيين لعبوا بـ «نظافة»، على عكس الإنكليز وفازوا، غير مبالين أن الخصم سيكون البرازيل في ربع النهائي. حسابات الإنكليز كانت مغايرة. لكن الأمور تختلف الآن بالنسبة للبلجيكيين. بدأ دور الـ 16 ولاعبو مارتينيز يدركون أن لا مجال للخطأ. الخطأ مكلف هنا ويعني العودة إلى بلجيكا. حتى لو كان الخصم اليابان، الذي تأهل بفارق البطاقات الصفراء، فإن الأمور أصبحت جدية في مونديال بات واضحاً أن لا كبير فيه سوى من يجتهد في الميدان، خصوصاً أن بلجيكا تدور في فلك المنتخبات المرشّحة للقب والتي ودّع أغلبها البطولة مبكراً. الكل إذاً في خطر.أما على الجانب الياباني فإن لا شيء يخسره شينجي كاغاوا وزملاؤه. مجرّد وصول هؤلاء إلى دور الـ 16 يعني تحقُّق الهدف لليابان، لكن ما المانع من السير في ركب منتخبات المفاجآت؟ حلمٌ، على رغم صعوبته، بات مشروعاً لـ «الساموراي»، لكن المهم: هل يتحقق؟ بهذه الأجواء بدأت المباراة. مرّت الدقائق الـ 45 ثقيلة على شاكلة المنتخب البلجيكي. صحيح أن البلجيكيين سيطروا لكن الحلول كانت مفقودة تماماً. حاولوا دوماً البحث عن روميلو لوكاكو لكن الأخير كان غارقاً في أحضان الدفاع الياباني، فغابت خطورته وبالتالي فعاليته. إيدين هازار لم يجد المساحة التي يريدها نظراً للرقابة اللصيقة. تمريرات كيفن دي بروين كانت غائبة... وغابت بلجيكا. لكن هذه الصعوبة البلجيكية في الوصول إلى المرمى كان سببها أداء «الساموراي» وأسلوبه الذي بدا منظّماً تحديداً في وسط الملعب والدفاع وواثقاً من قدراته. الأداء الياباني فاجأ البلجيكيين تماماً كما فاجأ حارسهم الكبير ثيبو كورتوا الجميع عندما أفلت كرة يابانية سهلة للغاية بغرابة شديدة قبل أن يلحق بها قبل دخولها الشباك. لقطة تلخّص حال بلجيكا في الشوط الأول.
كان متوقّعاً أن ينتفض البلجيكيون في الشوط الثاني، إذ إنهم لن يكونوا بمظهر أسوأ من الذي ظهروا فيه في الدقائق الـ45 الأولى. لكنها مجرّد توقعات في مونديال اللاتوقعات. إذ لا أحد كان يتوقّع أن يفتتح اليابانيون التسجيل، لكنهم فعلوا ذلك وسريعاً منذ الدقيقة 48 بعد كرة مقطوعة وهجمة مرتدة لتصل الكرة إلى جينكي هاراغوتشي الذي سدّد كرة فشل كورتوا في التصدّي لها لتعانق شباكه. صدمة بلجيكية في الأثناء. لكن هذه الصدمة ستتحوّل سريعاً إلى ذهول، إذ في الدقيقة 52 أطلق تاكاشي إينوي تسديدة قوية مباغتة بعيدة المدى استقرّت في شباك كورتوا. ما الذي يحدث في ملعب روستوف؟ لا أحد يملك الإجابة. لا أحد يصدّق... إنه مونديال روسيا. هذا الهدف أعطى اليابانيين المزيد من الثقة والمعنويات. لم يتراجعوا إلى منطقتهم. واصلوا الهجمات، تبادلوا الألعاب الثنائية والثلاثية، وأرهقوا بلجيكا.
البلجيكيون يبحثون عن منقذ يخرجهم من هذا المأزق الذي وُضعوا فيه. لا دي بروين هنا ولا حتى لوكاكو، أما هازار فلم يكن موفّقاً وأصاب القائم الأيسر. لكنه يان فيرتونغين الذي وجد الطريق إلى الشباك أخيراً على عكس مجريات المباراة، وبأي طريقة؟ كرة بالرأس كان يقصد المدافع البلجيكي تمريرها إلى داخل منطقة الجزاء إلا أنها تابعت طريقها إلى الشباك. كان هذا في الدقيقة 69. ما زالت المباراة طويلة، وإمكانية العودة غير بعيدة. إنها الدقيقة 74. هازار يظهر في الصورة على الجهة اليسرى، يلعب كرة عرضية ليرتقي لها البديل مروان فيلايني ويسكنها الشباك. بلجيكا تتنفّس الصعداء. مجدداً، ما الذي يحدث في ملعب روستوف؟ ما هذه المباراة؟ هكذا، بدا أن الكرات الرأسية فعّالة مع البلجيكيين. ما المانع من المحاولة مجدداً. لكنها محاولة مزدوجة هذه المرة في الدقيقة 86 بكرتين رأسيتين خطيرتين للبديل ناصر الشادلي ولوكاكو إلا أن الحارس إيجي كاواشيما منعهما ببسالة من دخول شباكه. من يوجّه الضربة القاضية؟ بلجيكا أم اليابان؟ الكل يسأل. إنه الوقت بدل الضائع. ركلة حرة بعيدة لليابان، لكن كيسوكي هوندا يمتلك الجرأة ليسدّد كرة صاروخية أبعدها كورتوا في اللحظة الأخيرة. نجت بلجيكا. لكن قصة هذه الكرة لم تنته هنا، إذ بعد أن ذهبت إلى ركلة ركنية فإن كورتوا عاد والتقطها ومررها لتنطلق هجمة مرتدة بلجيكية سريعة. كانت كالبرق في الحقيقة. وصلت في النهاية إلى لوكاكو الذي تركها بذكاء للشادلي فسددها الأخير في المرمى. هذا حصل في الثواني الأخيرة في ملعب روستوف. لا أحد يصدّق كيف انتهت هذه المباراة. نجا البلجيكيون من مفاجأة كبرى جديدة في مونديال المفاجآت. حسرة اليابانيين كبيرة طبعاً بعد كل الذي قدّموه، ومعهم تحسّر البرازيليون، إذ إن مواجهتهم اليابان في ربع النهائي تختلف، بالتأكيد، عن مواجهة بلجيكا.