منذ أكثر من 20 عاماً، استحوذت بولندا على حصة الأسد من المهاجرين في آيسلندا، هي دولة يبلغ عدد سكانها 350،170 فقط، مما يجعلها أصغر دولة تشارك في كأس العالم وعلى رغم أن بولندا مشاركة في المونديال للمرة الثامنة في تاريخها، لكن الكثيرين منهم، عيونهم على آيسلندا. في المونديال اليوم، أثار تألق منتخب آيسلندا وخروجه بنقطة التعادل أمام العملاق الأرجنتيني بنتيجة 1-1 السبت الماضي، جنون الجماهير الآيسلندية. هي المرّة الأولى التي يشارك فيها المنتخب في هذا الحدث، وهو ما يعد إنجازاً وطنياً بالنسبة إليهم.في جولة مونديالية «للناشيونال جيوغرافيك» في شوارع ومتنزهات وحانات العاصمة الآيسلندية ريكيافيك، تظهر الشاشة مشجعين من لون واحد. مجموعة تثير الدهشة. بولنديون مهاجرون إلى آيسلندا. مهاجرون بشغفَين: بولندا «الجذور»، وآيسلندا الوطن الثاني. البداية كانت في 2006، عندما هاجر البولنديون إلى آيسلندا للبحث عن فرص عمل، تحديداً عند بدء التوسع العمراني في البلاد. وفي الوقت الذي خطط بعض المهاجرين البولنديين لبدء حياتهم في آيسلندا، وحصد الأموال قبل العودة إلى ديارهم، استمر المجتمع البولندي في النمو ومعه حبهم لكرة القدم الآيسلندية. يقول توماش كوياتكوفسكي، للقناة الإنكليزية وهو بولندي يبلغ من العمر 39 سنة، يعيش في آيسلندا: «أعتقد عموماً أن كرة القدم لا تقل أهمية عن أي رياضة أخرى بالنسبة للأجانب في آيسلندا، لأنها توفر الاندماج بين المجتمعات وتعمل على خلق قيم ومبادئ جديدة». وللقصة «جذور». في 2013، تأسست رابطة للبولنديين، تسمى «Piłkarska Islandia» لتشجيع المنتخب الآيسلندي وكرة القدم الآيسلندية عموماً. أقام مسؤولو الرابطة صفحات خاصة على تويتر وفايسبوك للأعضاء المنتسبين للتحدث عن الاستراتيجيات الكروية، ومناقشة التكتيكات، ومشاركة حبهم للفريق. في غضون خمس سنوات، نمت صفحة الفايسبوك الخاصة بالرابطة، وبلغ عدد المتابعين أكثر من 5500 متابع، يشاركهم بعض المشجعين من بولندا، في ظل وجود قاعدة شعبية كبيرة لآيسلندا في وارسو. هذا على رغم صعود الحركات «الشعبوية» أخيراً في بولندا. لكن، رياضياً، يعتبر البولنديون أن آيسلندا فرضت نفسها «حصاناً أسود» في بطولة أمم أوروبا في فرنسا، مما زاد من اهتمام البولنديين بالمنتخب. في الواقع، سافر أعضاء من الرابطة إلى جمهورية التشيك لتشجيع آيسلندا في التصفيات المؤهلة لليورو 2016 ونجح رفاق سيغوردسون في الفوز على جمهورية التشيك داخل وخارج ملعبها إضافة إلى التغلب على هولندا وتركيا.
يعتبر البولنديون أن آيسلندا فرضت نفسها كحصان أسود في اليورو الأخير


نهائيات كأس أوروبا 2016 ستبقى محفورة في ذهن الشعب الأيسلندي والبولندي على السواء. ففي أول مشاركة لمنتخب بلادهم في بطولة أمم أوروبا لم يكتف الفايكينغ بتخطي دور المجموعات، وإنما حجز مقعده بين الثمانية الكبار في أوروبا وعلى حساب منتخب عريق اسمه إنكلترا. وكان لهذا الإنجاز التاريخي وقع كبير على الجماهير داخل آيسلندا وخارجها، حيث احتفل الآلاف في شكل جنوني في شوارع العاصمة ريكيافيك، وعلى رغم أن المواجهة مع المنتخب الفرنسي انتهت بالخسارة، إلا أن الفريق حظي باحترام وثناء كبيرين من مشجعي كرة القدم حول العالم. طبعاً المنتخب البولندي كان أفضل، وخسر أمام البرتغال (بطل النسخة) بركلات الترجيح. لكن يعرب العديد من المشجعين البولنديين عن إعجابهم بلاعبي آيسلندا، ويصفونهم بالـ«وطنيين»، قبل كل شيء. على عكس لاعبي بولندا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، تملك آيسلندا لاعبين أقل شهرة وأقل تأثراً بالشهرة والثروة التي تفرضها مؤسسات المال والإعلام على هذه الرياضة. كل فرد في الفريق يملك الأهمية ذاتها، ويقابلون المشجعين بالاحترام والتقدير، مِثل الفريق «اللطيف» الذي يمثلّونه.