لطالما حصلت اليابان على كل الانتباه عند الحديث عن أفضل بلدان الكرة في قارة آسيا. هو أمر قد يكون منطقياً، لا بسبب النجاحات الكبيرة لليابانيين على الساحة الآسيوية، بل بسبب معرفتهم تسويق أي سلعة، وكرة القدم هي «سلعة» من نوعٍ آخر وجد فيه اليابانيون مادة دسمة للظهور بصورة أباطرة الكرة في القارة الصفراء.اليابانيون أيضاً ظهروا بصورةٍ أهم من خلال لاعبيهم الذين سبقوا الكل الى الاحتراف في أهم أندية أوروبا، لكن الفترة لم تكن طويلة حتى لحق بهم الكوريون الجنوبيون، وفرضوا على اليابان تحديات من نوعٍ جديد، فأوفدت الأخيرة مئات الصحافيين سنوياً لمتابعة نجومها وتسويق أسمائهم واسمها أيضاً.
لكن في بلدانٍ مثل إنكلترا، سرق نجوم كوريا الأضواء من أي لاعبٍ قادمٍ من آسيا، ويمكن هنا مجرد ذكر اسمي النجم السابق لمانشستر يونايتد بارك جي - سونغ، والنجم الحالي لتوتنهام هوتسبر سون هونغ - مين، للتأكيد على هذا الكلام.
إذاً، لا يهم من هو بطل آسيا أو من يعرف إظهار نفسه بصورة الأساطير أمام الإعلام، اذ ان كوريا الجنوبية هي سيّدة آسيا عندما يرتبط الأمر بالمونديال: الأرقام والتاريخ يحكيان عن هذا الأمر.

من هنا، لا يبدو مستغرباً أنه ورغم المجموعة الصعبة التي وقع فيها الكوريون حيث سيواجهون المانيا بطلة العالم والسويد والمكسيك، فإن الترشيحات كبيرة لمصلحتهم، وهي القائلة بأن بإمكانهم ان يكونوا افضل منتخبات آسيا في مونديال 2018، وذلك بالنظر الى مجموعة المواهب الموجودة في تشكيلتهم، والى الثقة الكبيرة التي يحملها غالبية النجوم الكوريين معهم الى الساحة المونديالية.
وقد لا يبدو منتخب كوريا الجنوبية غريباً على كل متابعٍ للكرة الآسيوية عن كثب. هو المنتخب الذي زار بيروت مرات عدة منذ منتصف التسعينيات وحتى يومنا هذا. منتخبٌ لا يبتسم أفراده عندما يدخلون الى ارض الملعب، لا في الصورة التذكارية ولا عند مصافحة المنتخب الخصم ولا حتى عند تحية الجمهور، هم يبتسمون ويضحكون في حالة واحدة فقط: لحظة اهتزاز الشباك.
وحتى انضباطهم في لحظات الفرح يعكس صورةً عنهم، فهم من نوع المحاربين غير الاعتياديين، وهم أشبه بالعسكر المدرّب لتأدية المهمة حيث يحفظ كل واحد دوره على أرض الملعب بدقةٍ وإتقان لتكون النتائج بالتالي أمراً روتينياً لا يمكن الحديث عنه كثيراً.
سيكون ثقل القوة في المنتخب الكوري بين الوسط والهجوم، في ظل الضعف الدفاعي الواضح


لكن، ماذا ستقدّم كوريا الجنوبية في المونديال؟ الواقع ان خروج الكوريين من دور المجموعات في المونديال الماضي يحتّم عليهم القيام بشيء افضل في روسيا. ومما لا شك فيه بأنه ورغم صعوبة المهمة، فإن كوريا الجنوبية تعلم ان لديها مشاكل يفترض حلّها قبل 14 حزيران المقبل.
وأبرز هذه المشاكل هي الدفاعية، والتي دفعت المدرب شين تاي - يونغ إلى استدعاء 12 مدافعاً في تشكيلته الأولية استعداداً للمونديال، اذ منذ تعيينه على رأس الجهاز الفني للمنتخب الكوري في تموز من العام الماضي، سجل «محاربو التايغوك» 20 هدفاً مقابل دخول مرماهم 19 هدفاً، وهي مسألة غير صحية على الإطلاق، وخصوصاً أن ألمانيا تنتظرهم، وكذلك السويد والمكسيك، حيث تضم المنتخبات الثلاثة نوعية مهاجمين جيدين.
وإذ ستكون ألمانيا العقبة الأصعب، فإن كوريا تجد أن حظوظها ليست بعيدة عن التأهل، فهي عملياً ثالث أكثر المنتخبات خبرة مونديالية في المجموعة السادسة، كون السويد غابت لفترة غير قصيرة عن الأجواء المونديالية. لكن لا يمكن نسيان ان الكوريين غالباً ما عانوا بعيداً من القارة الآسيوية، حيث لا تناسبهم عادة الأجواء المناخية او فارق التوقيت، وهو أمر ظهر بشكلٍ شبه دائم في كؤوس العالم التي شاركوا فيها او في المباريات الدولية الودية.
من هنا، سيكون الاعتماد الأساسي على مجموعة من اللاعبين الذين خبروا الكرة الأوروبية وباتوا متأقلمين مع أصعب الأجواء والضغوط، وعلى رأسهم طبعاً سون هونغ - مين، الذي يعدّ أفضل لاعبٍ في آسيا. وكذلك هناك القائد كي سونغ - يونغ، الذي يتمتع بموهبة فطرية جعلته يلعب مع سوانسي سيتي الإنكليزي منذ 6 مواسم، اضافةً الى لاعب أوغسبورغ الألماني كوو جا - شيول، صاحب أغلى الأهداف أمام أوزبكستان في التصفيات الآسيوية المؤهلة الى المونديال.


فعلاً، بات انتشار الكوريين حتى أكبر من اليابانيين على الساحة الأوروبية، فإذا كانت الأندية في القارة العجوز تبحث عن أسماء يابانية لضمّها من أجل كسب أسواقٍ جديدة ورعاة جدد، فإن الكوريين باتوا مطلوبين بالنظر الى مستواهم الرفيع، فهناك يبرز ايضاً كوون شانغ - هوون مع ديجون الفرنسي، ولي سونغ - وو مع هيلاس فيرون الايطالي، ولي شونغ - يونغ مع كريستال بالاس الانكليزي، وهوانغ هي - تشان مع ريد بُل سالزبورغ النمسوي.
كل هؤلاء يلعبون بين الوسط والهجوم، حيث سيكون ثقل القوة في المنتخب الكوري، أملاً بتعويض الضعف الدفاعي. لكن بلا شك فإن الثقل الأهم والخطر الأكبر سيمثّله سون هونغ - مين على كل المنتخبات المنافسة، وهو أمر تعرفه جيداً بعدما تابعت اهدافه الصارخة هذا الموسم في الدوري الانكليزي الممتاز، وهو الذي سجل 18 هدفاً في المسابقات المختلفة، وساعد توتنهام على احتلال المركز الثالث في «البريميير ليغ»، ليضمن بالتالي وجوده في دوري ابطال اوروبا في الموسم المقبل. النجم «الزئبقي» البالغ من العمر 25 عاماً، يمكنه التكيّف مع اي دورٍ يمنح له على ارض الملعب، فهو بالنسبة الى كوريا الجنوبية كما هو ليونيل ميسي بالنسبة الى الارجنتين. نجمٌ أوحد وحاسمٌ في نفس الوقت، وسلاحٌ فتاك لا ينقصه سوى بعض الرصاصات (التمريرات) لإصابة الهدف بإتقان. لذا، لن يكون تألقه مفاجأة أبداً، فهو وكوريا منتظران في المونديال تماماً كما ميسي والأرجنتين، ومصر ومحمد صلاح، وغيرها من تلك المنتخبات التي اصبح اسم النجم الأبرز فيها مرادفاً لها.