تسافر البرتغال هذا العام إلى روسيا من أجل خوض المونديال منتشيةً بتتويجه الأول في تاريخها في بطولة أمم أوروبا 2016 على حساب المستضيفة فرنسا. المونديال الأخير في المستعمرة البرتغالية ــ سابقاً ــ البرازيل عام 2014 حمل في طياته الأخبار المؤلمة للمنتخب الأوروبي، بعد الخروج من دور المجموعات وحلوله في المركز الثالث، بعد مونديالي ألمانيا والولايات المتحدة توالياً. ستلعب البرتغال هذا الصيف في المجموعة الثانية إلى جانبها كل من إسبانيا، إيران والمغرب. والآمال كبيرة على «الدون» لكي يقدّم موسماً وداعياً لائقاًما بين جنوب غرب أوروبا وجنوب القارة الأميركية تاريخ طويل يجمع البلدين اللذين يتقاسمان تاريخاً من العداوة والحب في ما بينهما. التسمية «برازيل أوروبا» جاءت عفواً ولا علاقة لشكل لعب المنتخبين بذلك، لكن السبب خلق ذلك، وهو اللّغة المشتركة والاستعمار الذي عاشته بلاد «البن والقهوة» تحت الحكم البرتغالي في منتصف القرن السادس عشر حتى التاسع عشر. في الوقت عينه، البرازيل هي الدولة الوحيدة في قارة أميركا الجنوبية التي تتكلم اللغة البرتغالية، بينما باقي الدول تتكلم الإسبانية، بعدما كانت محتلة من قبل إسبانيا. وفي مستعمرة أخرى من مستعمرات البرتغال ظهر شاب اسمه أوزيبيو دا سيلفا فيريرا في الموزمبيق. ذهب إلى بنفيكا ليصبح بعد ذلك في مونديال إنكلترا 1966 هداف البطولة بـ9 أهداف، وأفضل هداف برتغالي في تاريخ كأس العالم. صنع تاريخاً من رحم الاستعمار وضدّه.
وبعيداً عن تاريخ البرتغال، فالحاضر سيكون هذا الصيف. المنتخب البرتغالي لن يكون في نزهة، لأن مجموعته تضم فرقاً من الأفضل في قاراتها. لم يتلقّ المنتخب المغربي أي هدفٍ في تصفيات كأس العالم، بينما سجل 11 هدفاً، وهذا خير دليل على أنه يملك دفاعاً متماسكاً جداً. المنتخب الإيراني لم يخسر أي مباراة في التصفيات، وهو الفريق الآسيوي الوحيد الذي تأهل دون خسارة، فيما لم يتلقّ سوى هدفين في مباراة سوريا الأخيرة، وهو أول المتأهلين من آسيا، إضافة إلى ذلك فإن مستواه يعد الأكثر ثباتاً من بين منتخبات القارة. وبعيداً عن أي مفاجآت فإن إسبانيا ستتفوق على الجميع نظراً إلى قيمتها كمنظومة جماعية وفردية. أما البرتغال، فكأس العالم ليس الـ«يورو». ورغم التتويج بالبطولة الأوروبية إلا أن البرتغال لن تعبر بسهولة للدور الثاني في حال حدوث ذلك. المنتخب البرتغالي في آخر بطولتين لكأس العالم لم يكن جيداً وخصوصاً في المونديال الأخير. المباراة الأولى في المجموعة للبرتغال ستكون أمام إسبانيا، وبالتالي فهي المباراة التي ستحدد حظوظ المنتخب البرتغالي وإلى أين سيذهب في البطولة. وفي حال الخسارة، سيضعه ذلك تحت ضغط كبير. على الورق، الحظوظ قد تصبّ في مصلحة إسبانيا بالدرجة الأولى، ومن بعدها البرتغال. لكن ذلك لا ينفي عدم حدوث مفاجآت.
مجموعة البرتغال تضم فرقاً من الأفضل في قارتها(أرشيف)

تأهل المنتخب البرتغالي المصنف الرابع عالمياً بحسب «الفيفا» بفارق الأهداف أمام سويسرا في مجموعة كانت تُعَدّ سهلة على الورق ضمت المجر، جزر الفارو، لاتفيا أندورا. حقق المنتخب 27 نقطة من ثلاثين متاحة، مسجلاً 32 هدفاً، وقدم أداءً تكتيكياً عالياً يمزج ما بين الدفاع والهجوم، بقيادة مدربه فرناندو سانتوس، ولم يتلقّ سوى أربعة أهداف فقط. تكتيكياً، يلعب المنتخب البرتغالي متحفظاً في الشوط الأول، لكنه يرفع من نسقه الهجومي في آخر نصف ساعة. معظم أهدافه تأتي في هذا التوقيت. ويعتمد المنتخب على الفرديات كثيراً، وعلى التسديد من خارج المنطقة، خصوصاً في ظل وجود كريستيانو رونالدو. أضف إلى ذلك محاولة استغلال الكرات الثابتة والركنيات، نظراً للبنية الجسدية للمدافعين بيبي، فونتي، برونو ألفيس. يفضل المنتخب البرتغالي الاحتفاظ بالكرة والإكثار من التمريرات، رغم أن الحلول في وسط الميدان قد لا تكون كافية لفعل ذلك، لكن نسبة تمريراته الصحيحة للمباراة يبلغ معدلها 83%.
خاض المنتخب البرتغالي مباراتين وديّتين في شهر آذار/مارس الماضي أمام منتخب مصر وهولندا. فاز في المباراة الأولى (2-1)، لكن الخسارة في المباراة الثانية (3-0) وضعت العديد من علامات الاستفهام. ظهر المنتخب البرتغالي فجأةً مهتزاً. تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة. وقبل الغوص في تفاصيل هذا الأمر يجب أن نستمع إلى اعتراف مدرب البرتغال قبل المباراتين: «بالمقارنة ببطولة أوروبا 2016 أصبح من الصعب تحديد التشكيلة النهائية المشاركة في نهائيات مونديال روسيا». إذاً، المعاناة واضحة في الداخل البرتغالي تراجع مستوى لاعبين بارزين وظهور تأثير التقدم في السن على الدفاع. ما تغيّر في التشكيلة هو أن رونالدو لم يعد قادراً على العطاء كما كان، لأنه يحمل على كتفيه ريال مدريد أيضاً، خصوصاً في ظل بلوغه سن الـ33، أما برونو ألفيس، فهو في سن الـ36، بيبي 35 عاماً، ريكاردو كواريزما 34 عاماً. وبعيداً عن «شيوخ» المنتخب، فإن شبابه تراجعوا فجأةً. أبرزهم ريناتو سانشيز الذي لم يشارك إلا مرات معدودة مع بايرن ميونيخ ويقضي هذا الموسم معاراً إلى سوانزي سيتي حيث أثرت الإصابات عليه ليتراجع مستواه. وأصبح جواو ماريو ظلاً للاعب الذي شارك في فرنسا قبل عامين، وخصوصاً بعد إعارته لوست هام يونايتد بعدما فقد مكانه في إنترناسيونالي، فيما قضى رفايل غيريرو الظهير الأيسر لبروسيا دورتموند معظم الموسم مصاباً، أما أندريه غوميز الذي لم يثبت نفسه في برشلونة، فلم يكن جيداً في الـ«يورو» الأخير، ولا يبدو أنه يصبّ في نقاط قوة المنتخب. لكن الحلول قد تتوافر في ظل وجود ويليام كارفالو (26 عاماً) إضافة إلى الحلول التي يوفرها احتياطياً موناكو والسيتي جواو موتينيو وبرناردو سيلفا. «الدون» رونالدو وحده يقدم بداية سنة 2018 جيدة بعدما شهدت بداية الموسم الحالي تراجعاً في مستواه، إذ وصل مع فريقه إلى نهائي دوري الأبطال ورفع من سجله التهديفي فجأةً، ولكن لا يمكنه وحده قيادة منتخب «متهالك».
حقق منتخب البرتغال 27 نقطة من ثلاثين متاحة مسجلاً 32 هدفاً

«برازيل أوروبا» مصطلح فضفاض قليلاً. لقد واجه المنتخب البرتغالي المنتخب البرازيلي 19 مرة، فاز في أربعة منها وتعادل في ثلاثة وخسر في 12، ولا يمكن المقارنة بين البرازيل والبرتغال، فلم يكن أسلوب اللّعب متشابهاً. أفضل ما قدمته البرتغال في كأس العالم كان أيام أوزيبيو، أما المنتخب البرازيلي فهو الأكثر تتويجاً بخمسة ألقاب، ومن بيليه إلى رونالدو فنيمار منتخب «السيليساو» بقي تلك الرَّحم الكروية التي تنجب لاعبين مميزين وبارزين في الكرة الأوروبية. ومما لا شك فيه، أن البرازيل تملك على الأقل مجموعة من أفضل لاعبي كرة قدم في العالم حالياً. أما البرتغال، فقد تدخل في مرحلة انتقالية، وخصوصاً بعد اعتزال العديد من الأسماء بعد مونديال روسيا. بطبيعة الحال أيضاً، لا مجال للمقارنة بين مجموعة البرتغال في التصفيات والمنتخبات التي تواجهها البرازيل في تصفيات أميركا الجنوبية، إذ تواجه الأوروغواي والأرجنتين وبيرو وتشيلي، اللافت أن البرازيل لم تخسر سوى مرة واحدة فقط في مشوارها نحو روسيا.
يبحث منتخب البرتغال في روسيا عن لقبه العالمي الأول، لكن الطريق لا يبدو معبداً للوصول إلى مبتغاه. الأمال كلها كما في السنوات الأخيرة معقودة على ابن ماديرا، كريستيانو رونالدو، فهل تنجح البرتغال في فعل ما فشل فيه لويس فيغو، وروي كوستا، وأوزيبيو على مرّ الأعوام؟


سانتوس لا يرشح نفسه
رشح مدرب المنتخب البرتغالي فرناندو سانتوس (63 عاماً) في وقت سابق منتخبات البرازيل، ألمانيا، إسبانيا، الأرجنتين وفرنسا للفوز بلقب كأس العالم. اللافت أن سانتوس استثنى منتخبه من الترشيح، قائلاً: «أنا أقول هذا بسبب قوتهم الكبيرة والمستوى الاستثنائي لهذه الفرق، بالإضافة إلى خبرتهم الكبيرة في المحافل الكبرى ونجاحاتهم». وتظهر التصريحات التي نقلها الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» أن المنتخب البرتغالي يقبل بأفضلية الفرق الأخرى في الترشح، ولكن هذا لن يعني أنه بلا طموح، فهدف كل منتخب في كأس العالم الوصول إلى أبعد مكان ممكن، ولكنها قد تكون خطوة من المدرب لإزالة الضغوطات عن لاعبيه، فهو يعترف بأن منتخبه متواضع في الإمكانات.

أكاديمية «سبورتينغ» التاريخية
تخرج من سبورتينغ لشبونة اثنان من أفضل اللاعبين في تاريخ البرتغال، هما كريستيانو رونالدو ولويس فيغو، اللذان حصل كلاهما على لقب أفضل لاعب في العالم وبطولة دوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى عدد من بطولات الدوري والكأس. أكاديمية سبورتينغ لشبونة لها الفضل الأكبر على منتخب البرتغال، إذ يوجد 10 من أبنائها من أصل 14 لاعباً لعبوا في النهائي في مدرستها، هم: رونالدو، ناني، ويليام كارفاليو، ريو باتريسيو، سيدريك سواريس، جواو موتينيو، ريكاردو كواريزما، جواو ماريو، جوزيه فونتي وأدريان سيلفا. ويظهر نادي سبورتينغ لشبونة على أنه مهتم بالعمل على جوانب أخلاقية إضافة إلى الرياضة. إنهم لا يغضبون أبداً إذا مرَّرتَ كرةً بطريقة خاطئة، لكنهم سيغضبون لو تعاملتَ بطريقة غير محترمة مع أي شخص. يقول داير الذي لعب لسبورتينغ لشبونة لمدة ثماني سنوات قبل انتقاله إلى توتنهام هوتسبير الإنكليزي إن «الجو أخلاقي جداً هناك». أما ميغيل ميراندا، منسق شؤون حراس المرمى في الأكاديمية، فيذكّر بنهج المدرسة التكتيكي: «كريستيانو، فيغو، ناني وكواريزما، نحن دائماً متخصصون في مركز الجناح هنا. المديرون الفنيون يطلبون من لاعبي خط الوسط لمس الكرة أقل قدر ممكن ثم تمريرها على أطراف الملعب للجناحين».