بمجرد أن يفتح سوق الانتقالات، ينصب اهتمام عشاق كرة القدم حول العالم على رصد أخبار سفر اللاعبين من فريقٍ الى آخر. يبحثون عن الأسماء الجديدة في ريال مدريد، برشلونة، مانشستر يونايتد، يوفنتوس، بايرن، وقائمة الكبار طويلة. ولكن عندما تمطر «أموالاً» في كرة القدم تشوّه أرضية المستطيل الأخضر، ويتراجع الشغف في هذه الرياضة، يظهر «اللاعبون» أصحاب النفوس الضعيفة. فبعدما كان اللاعبون يبحثون عن تقديم أفضل ما لديهم من أجل الانتقال إلى كبار القارة العجوز، بات «حلمهم» هو شرق آسيا. وطبعاً، الأسباب ليست ثقافية. إنها «المليارات»!ليس جديداً أن الصين تسعى إلى أن تصبح الدولة الاقتصادية الرقم واحد في العالم. لكن الأموال الطائلة التي باتت تصرف من أجل جذب اللاعبين في دوري «السوبر» الصيني لكرة القدم، باتت محل بحث وطرحت العديد من التساؤلات في الشارع الرياضي. غطاء هذه الاستثمارات والتشجيع عليها جاء سياسياً بطلب من رئيس البلاد تشي جين بينغ، الذي يعتبر كرة القدم «أداةً دبلوماسية» مفيدة، تسمح بالاحتكاك وتبادل الثقافات من خلال استقدام أسماءٍ بارزة في عالم كرة القدم، ما يعني زيادةً في السياح لمتابعة هؤلاء اللاعبين.
حقوق بث الدوري الصيني تم بيعها مقابل 1.3 مليار دولار وهو أكثر 20 مرة من التعاقد السابق


في كواليس هذه الظاهرة خطةٌ تسويقية ترويجية للشركات الصينية، سواء كانت خاصةً أو تابعة للدولة. حملة الشراء للأندية الرياضية في الصين شهدت شراء مجموعة «سونغ كورس» لإنتاج الأجهزة الكهربائية لنادي «بانغ سو» بمبلغ 73 مليون يورو، وهو النادي الذي يلعب فيه راميرز البرازيلي (فائز بدوري أبطال أوروبا مع تشيلسي الإنكليزي). أمّا فريق «تيانجين كوانجيان» فدعمته شركةٌ تبيع منتجات مضادة للسرطان عندما كان في الدرجة الثانية، وهو الفريق الذي يلعب له باتو البرازيلي (28 عاماً) اليوم. جاك ــ ما صاحب مجموعة «علي بابا» الشهيرة وأحد أغنى رجال الصين، وكذلك وانج جيانلين ثاني أثرياء البلاد (تبلغ ثروته 30 مليار دولار) بدأ كلاهما في الاستثمار بكرة القدم، بل إن الأخير أبرم تعاقداتٍ مع الفيفا من أجل إقامة بطولة دولية في الصين تضم أفضل منتخبات العالم. صورة اللاعبين المستقدمين مثل دروغبا تشكل حافزاً للشركات العالمية بالتوجه نحو الدوري الصيني للترويج لنفسها، ما يحرك العجلة الاقتصادية في كرة القدم ويعود بالمنفعة على اقتصاد الأندية والمستثمرين.

أوسكار كان واضحاً وقال إنه ذهب إلى الصين من أجل المال (أرشيف)

حقوق بث الدوري الصيني تم بيعها مقابل 1.3 مليار دولار. وهو أكثر 20 مرة من التعاقد السابق، التغير الذي حدث لم يكن شيئاً له علاقة بكرة القدم بالطبع. الصينيون يقولون بأنهم يسعون إلى تطوير مستوى الدوري والمنتخب من خلال هذا الاستثمار، لكن المنتخب الصيني لم يتأهل سوى مرة واحدة لكأس العالم عام 2002، فهذه الحملة الاقتصادية لم تعد بأي منفعة على الكرة الصينية سوى تتويج «غوانغجو» بدوري أبطال آسيا عام 2015. أمّا المنتخب فلا يزال يحتل المركز 65 في ترتيب الفيفا الأخير الذي صدر هذا العام. في المقابل، تتقدم العديد من المنتخبات عليها والتي لا تملك شيئاً نظراً إلى ما تملكه «الجمهورية»، الأمر الذي أثار ضجةً عند الجمهور الصيني. إضافةً إلى ذلك، عدم تأهل المنتخب إلى كأس العالم الذي سينطلق في حزيران المقبل في روسيا. هذا الركود الكروي مؤشرٌ فرضي لمحاولة غسيل أموال غير مشروعة لرجال أعمال صنيين لأنهم يستثمرون بمكان غير منتج. ما يهمنا رياضياً هو أن كرة القدم تشكل «المحرقة» التي يمكن فيها للرأسمالية ضخ الأموال، لتهرب من أي مساءلة. في الوقت الذي بدأت فيه الأموال الصينية تغزو غرباً، إذ يملك المستثمرون الصينيون مثلاً «سلافيا براغ» في تشيكيا و«سوشو» في فرنسا، ونسبة في فريق مانشستر سيتي، 70% من أسهم إنتر، وآخر الصفقات البارزة كان ميلان، عملاق أوروبا.
يتقاضى اوسكار أكثر من 21 مليون يورو سنوياً، بالإضافة إلى حصوله على 70 مليون يورو مقابل رحيله عن ناديه الحالي تشيلسي الإنكليزي


الرياح الآتية من آسيا لا تأخذ سوى كبار السن في أغلب الأحيان. معظم اللاعبين الذين ينتقلون إلى الصين تخطّوا الثلاثين عاماً. كارلوس تيفيز على سبيل المثال انتقل في سن 33 إلى نادي شنغهاي وكان مرتبه يصل إلى 80 مليون دولار في حال أكمل العقد الممتد إلى سنتين، فأي لاعب يستحق هذا الراتب في آخر مسيرته الكروية. وقبل تيفيز، كان لافيتزي قد انتقل إلى «تشنهوانغداو» المدينة الساحلية الواقعة شرق الصين، وبرر أن انتقاله سببُه حبه للصين وثقافتها. ولكن، يا لافيتزي، هذه المدينة من أكثر المدن تلوثاً في الصين، لأنها تحوي ميناء تصدير الفحم الأكبر، وهي مركز للصناعات الثقيلة، وقدوم لافيتزي شكل فرصة للترويج لهذه المدينة. وبالطبع، فإن لافيتزي لن يتأثر بهذه المعلومات، فراتب 578 ألف يورو أسبوعياً يستحق التضحية. استمرت الثروة الصينية المتدفقة في إغرائها للاعبين، فانتقل أوسكار البرازيلي من تشيلسي إلى «شنغهاي»، واللافت في أوسكار (26 عاماً) أنه كان واضحاً «بدون لف ودوران»، إذ قال بأنه لا يريد أن يكون فقيراً عندما يصبح عجوزاً، فالصين مكان مثالي لجمع الأموال. ويتقاضى لاعب وسط الميدان البرازيلي أكثر من 21 مليون يورو سنوياً، بالإضافة إلى حصوله على 70 مليون يورو مقابل رحيله عن ناديه الحالي تشيلسي الإنكليزي. آخر الانتقالات اللافتة كان انتقال كاراسكو البلجيكي (24 عاماً) وغايتن الأرجنتيني اللذان تركا أتليتكو مدريد من أجل فريق داليان أربين. كراسكو قال بأنه يؤمن بالمشروع الصيني «بروباغندا» اللاعبين المعتادة، فكاراسكو خسر مباراته الأولى مع فريقه في الدوري الصيني أمام شانغهاي 8-0. أما باولينهو البرازيلي فقد عرف الصين جيداً، لكنه اكتشف ما قيمة أن تلعب في فريق كبير، وما أهمية ذلك في مسيرتك، فاستغنى عن راتبه في الصين وذهب الى برشلونة، لأن الكبرياء الكروي لا يصنع بدفع المال العشوائي.

كاراسكو خسر مباراته الأولى مع فريقه في الدوري الصيني أمام شانغهاي 8-0


لأمر لم يسر على النحو الذي كان مخططاً له، وتفتُّح الأعين على الصين دفع الحكومة الصينية إلى التراجع عمّا كانت تخطط له. فخرج الاتحاد الصيني العام الماضي ووضع حداً لهذا الأمر، بإصدار قرارٍ بألّأ يتخطى عدد الأجانب في قائمة كل فريق بالمباراة 5 لاعبين، مع وجود 3 فقط على أرض الملعب. خطاب اتحاد الكرة لم يتوقف هنا، إذ هُدّدت الفرق التي تفشل في تسوية ديونها أو تتخطى اليوم النهائي من الميعاد المحدّد لفعل ذلك بالإقصاء من البطولة. التهديد المحلي تحول الى قاريٍّ، الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أضاف أن الأندية الصينية التي تتعثر في مديونيتها ستحرم من اللعب في دوري أبطال آسيا. طبعاً، التهديد ليس لغاية كروية فقط إنما يحمل في طياته توجهاتٍ سياسية. الأمر لم ينته عند ذلك الحد، بل إن المتحدث باسم وزارة الرياضة في الصين تكلم عن خطةٍ لوضع حدٍ أقصى للرواتب من أجل منع ما سماه «الاستثمارات غير المعقولة» في كرة القدم. هذه الخطة تسعى فيها الصين إلى إزالة الإضافات على الرواتب والانتهاكات التي تقوم بها بعض الأندية أو الوكلاء.
جمهورية الصين الشعبية التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية، زادت مخاوفها خشيةً من الوقوع في أزمة اقتصادية بسبب كرة القدم، الأمر الذي شكل عامل راحةٍ للفرق الأوروبية التي كانت تخشى على لاعبيها الشبان من أن ينجرّوا إلى المبالغ الضخمة. كل هذا، في بلاد الرفيق ماو.



ليبي: لا تقارنوا


يفضل ليبي مدرب المنتخب الصيني عدم المقارنة مع منتخبات النخبة الأوروبية مثل فرنسا، اسبانيا وألمانيا، بل منتخبات اوروبية مثل ويلز وتشيكيا. في الوقت الذي هزمت فيه الصين من ويلز على أرضها (صفر - 6)، وتشيكيا (1 - 4) ضمن بطولة كأس الصين الدولية. أما الاختبار الرسمي الحقيقي للصين في كأس آسيا 2019 التي تستضيفها الإمارات، وسيحاول «التنين» البناء على النتيجة الجيدة التي حققها عام 2015 في أوستراليا حين بلغ الدور ربع النهائي للمرة الأولى منذ أن حلّ وصيفاً على أرضه في 2004.


هؤلاء رفضوا المال الصيني

واين روني


رفض العرض المقدم له من نادي «شنغهاي شينهوا» وفضل العودة إلى نادي إيفرتون الذي ترعرع فيه، بعدما ترك نادي مانشستر يونايتد.

لويس ناني
الجناح البرتغالي أعلن أنه تلقى عرضاً مغرياً من الصين، بيد أنه رفض إنهاء مسيرته في آسيا، واختار اللعب مع فنربخشة التركي، ثم مع لاتسيو الإيطالي.

راداميل فالكاو


قبل انتقاله الى موناكو، عانى «النمر» الكولومبي كثيراً في الدوري الإنكليزي مع مانشستر يونايتد وبعد ذلك تشيلسي، إلّا أنه فضل البقاء في أوروبا، رافضاً كل العروض التي قدمت له من الصين.