كما أطفال العالم، يعشق أطفال اليمن الرياضة وكرة القدم. كالبقية، يحبون مشاهدة برشلونة وريال مدريد وباقي الفرق العالمية، ويتابعون ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ونجوم الكرة. لكن الأمور تبدّلت منذ 3 سنوات. لم يعد ذلك اهتمامهم، ولا من ضمن أولوياتهم. أصبح همّهم في مكان آخر. هجروا ملاعب الفرح الخضراء، وسكنوا مستشفيات الأوجاع والآلام. بدلاً من ركل الكرة باتوا يبحثون عن الدواء. باتوا يبحثون عن لقمة العيش وشربة الماء. منذ بدء عدوان الحقد الذي تقوده السعودية، تغيّرت أحلام أطفال اليمن البريئة بلعب الكرة ومشاهدتها. اندثرت بين ركام الملاعب. نعم، لم توفّر طائرات الحقد بصواريخها الملاعب والمقرّات الرياضية. المشهد في اليمن أعاد التذكير باستهداف طائرات العدو الإسرائيلي المرافق الرياضية في غزة إبان العدوان الأخير. هل هذه الصورة المشابهة هي محض مصادفة؟ لا، إنها الاستراتيجيا ذاتها. الاستراتيجيا التي تقتل كل مظهر للفرح والحياة. الكرة والرياضة هما فرح وحياة. لذا فهم أمعنوا في استهدافها. أرادوا قتل الروح والأحلام بهدمهم الملاعب وإطباقهم الحصار.
طال القصف87 منشأة رياضية في 13 محافظة فيما تجاوزت خسائر القطاع الرياضي 900 مليون دولار

حتى في ظل هذا الواقع المؤلم، لم تتوان السعودية وحلفاؤها عن محو أي أثر للفرح عبر الكرة. ماذا يعني أن تلقي طائرة صاروخاً على ثلاثة أطفال في مدينة تعز كانوا يلعبون الكرة ليسقطوا شهداء، وكذا الحال في تعز أيضاً عندما كان ثلاثة أطفال يلعبون مع والدهم فاستهدفتهم بصاروخ أرداهم جميعاً؟ لا يعني ذلك إلا الحقد ومحاولة قتل الروح والإرادة. مشاهد المعاناة على المستوى الرياضي التي خلّفها العدوان السعودي على اليمن بعد 3 سنوات عديدة ولا تحصى.

المشهد رقم 1
أطفال يمنيون كانوا يلعبون. حفاة. يُقتلون.

المشهد رقم 2
بطل اليمن في الجودو هشام الهليبي، وضع شهادات التقدير التي نالها في مسيرته جانباً وأصبح يعمل حمّالاً للبضائع لسدّ جوع أسرته. لم يعد يرتبط بحلمه سوى من خلال تدريبه بعض الفتيان على اللعبة، فيما أنه بات يتدرّب على سطح منزل أحد أقاربه، الذي انتقل للعيش فيه في تعز، من خلال أدوات بدائية صنعها بنفسه.

المشهد رقم 3
منتخب اليمن لكرة القدم اضطر في 2017 أن يستقلّ باخرة لنقل البضائع من ميناء المخاء في تعز من أجل خوض استحقاقه في التصفيات المشتركة لمونديال روسيا 2018 وكأس آسيا 2019 بسبب الحصار الجوي والبري، بينما المنتخبات الأخرى تتنقّل برفاهية في أفخم الطائرات. هكذا، وقبل مواجهة منافسه في الملعب، واجه المنتخب أمواج البحر لأكثر من 12 ساعة. صدّقوا أن هذا حصل في هذه البقعة المنسيّة في العالم.

المشهد رقم 4
البعثة اليمنية لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية في فييتنام لم تتمكن من المشاركة بسبب تعذّر المغادرة عبر وسائل آمنة.

المشهد رقم 5
الاستهداف السعودي الأول كان لاستاد 22 مايو مع بداية العدوان، ثم كرّت سبحة الملاعب والمنشآت التي تعرّضت لتدمير كلي أو جزئي. القصف المباشر طال بالمجمل 87 منشأة رياضية في 13 محافظة، فيما تجاوزت خسائر القطاع الرياضي 900 مليون دولار. هذا ما ذكرته وزارة الشباب والرياضة في حكومة صنعاء أخيراً في ذكرى مرور 3 سنوات على العدوان. رقم مهول طبعاً. الخسائر المادية في المنشآت الرياضية كانت ضخمة. بطبيعة الحال، لم تُقم السعودية أي وزن واعتبار للميثاق الأولمبي الذي يدين أي انتهاكات لحقوق الرياضيين أو منشآتهم والملاعب.

المشهدر قم 6
انتشر أخيراً مقطع الفيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل لفتية يمنيين في مدينة باجل في محافظة الحديدة وهم يلعبون الكرة على ملعب ترابي رغم الغارات الكثيفة في محيط الملعب. الفتية أنفسهم لا يختلفون عن الشبان اليمنيين الذين يقاتلون دبابات الأعداء.

المشهد رقم 7
مشهد آخر، يقدّمه فتى يبلغ 15 عاماً يعيش في صنعاء. هذا الفتى الذي يحلو لأصدقائه تسميته «ميسي»، فقد ساقه جراء سقوط صاروخ وهو يلعب الكرة عندما كان يبلغ 7 سنوات. لكنه لم يستسلم، واصل الحلم. هو الآن يلتقط عكازَيه ويروح يستعرض مهارته بقدمه السليمة. المشهد يحكي: إرادة اليمني لا تُكسر.

اضطر منتخب اليمن لكرة القدم في 2017 أن يستقلّ باخرة لنقل البضائع من ميناء المخاء في تعز


عملت السعودية طيلة هذه المدة على تدمير المنشآت الرياضية اليمنية وإرجاع الرياضة عشرات السنوات إلى الوراء، إذ إن أي تقدّم رياضي يحتاج إلى بنية تحتية، فكيف إذا كانت تلك المنشآت في الأصل لا توازي ما هو موجود في العالم؟ هذا كثير على اليمنيين. لكن هذا لا يمنع من أنه رغم الصواريخ والحصار والآلام والمعاناة، فإن اليمنيين يقدّمون مشاهد الصمود والإرادة للعالم. من رحم المعاناة تولد المعجزات. هذا ما ينطبق مثلاً على منتخب اليمن لكرة القدم الذي تمكّن من التأهل للمرة الأولى في تاريخه إلى نهائيات كأس آسيا. إنجاز، وفقاً للظروف، يوازي التأهل إلى المونديال.



منتخب اليمن إنجاز تاريخي




تحدى منتخب اليمن لكرة القدم الحصار وصعوبة التنقّل واستطاع ببراعة أن يتأهل للمرة الأولى إلى نهائيات كأس آسيا 2019. ولم يكتف المنتخب اليمني بالتأهل، بل إنه لم يتعرّض لأي خسارة في مجموعته. وما يزيد من قيمة الإنجاز اليمني أن الدوري المحلي متوقّف حيث يكتفي اللاعبون بدورات محلية وودية للأندية، فيما يتضمن المنتخب بعض المحترفين أمثال عصام الحكيمي في الوحدة العماني وأحمد الساروري في سنترال البرازيلي وأيمن الهاجري في شيلونغ لايونغ الهندي.


عراقة كروية


رغم غياب الإنجازات، تُعدّ الكرة اليمنية الأعرق في الخليج، إذ إن نادي التلال الرياضي تأسس في عام 1905 تحت مسمى «نادي الاتحاد المحمدي» وكان أول فريق خليجي وثالث فريق عربي بعد شباب قسنطينة الجزائري (1898) والسكة الحديد المصري (1903).