لا يختلف إثنان على قيمة المنتخب الإيراني في كرة القدم. وعلى غرار جميع المنتخبات القويّة الأخرى، التي تملك تاريخاً في سجل اللّعبة، للمنتخب الإيراني أيضاً صفحات في التاريخ، تلمع فيها أسماء لاعبين كبار تمكنّوا من الوصول إلى أهم الدوريات في العالم. وعلى الصعيد الوطني (المنتخبات)، في السجلات أيضاً، رقم «قياسي» إيراني: تأهل إلى المونديال وإلى أربع بطولات أخرى للفيفا خلال عامي 2016 و2017. يدل هذا إلى أن كرة القدم الإيرانية تقع في موقع متقدم.وضعت قرعة كأس العالم في روسيا المنتخب الإيراني في مجموعة وصفها الكثيرون بالأقوى. سيكون إلى جانب كل من المغرب والبرتغال، مع أحد أبرز المرشّحين للفوز بالكأس، أي إسبانيا. على الورق تبدو المجموعة صعبة على الإيرانيين، إلاّ أن إيمان المنتخب بقدراته وبمواهبه المتنشرة ــ نسبياً ــ في أوروبا قد يولّد حافزاً يصل بهم إلى الدور الثاني، محدثاً بذلك «مفاجأة»، قد تتمثل بإخراج أحد قطبي شبه الجزيرة الإيبيرية، إسبانيا والبرتغال. يقول كارلوس كيروش مدرّب المنتخب الإيراني إن الهدف «يكمن ببلوغ الدّور المقبل». يؤمن الرجل بحظوظه، على رغم أنه يعرف الترشيحات: «الجميع يؤكّد أننا موجودون في أصعب مجموعة، ووضعتنا مع اثنين من المرشحين للفوز باللقب». المهمة الأصعب، بالنسبة لكيروش، هي المواصلة «على الوتيرة نفسها» والأداء نفسه الذي قدّم في المباريات السابقة... «ليس فقط ضمن المونديال، بل وصولاً إلى بطولة آسيا المقبلة». كلام المدرّب يضع تصوراً واضحاً عن العقليّة التي يتمتّع بها المنتخب الإيراني: النظر إلى الأمام، أي أن يصل إلى أبعد من التوقّعات التي يضعها المحللّون والناس. ومن يذكر مباراة الإيرانيين في المونديال السابق، وكيف حُسِمت بتسديدة حاسمة من ليونيل ميسي، يعرف جيداً معنى «العزيمة» الإيرانية.
فنياً، وهو الشق الأهم، يملك الإيرانيون خط دفاع صلباً. لم يتلقّ المنتخب خلال التصفيات الآسيوية المؤهّلة للمونديال الروسي سوى هدفين، سُجِلا في المباراة ما قبل الأخيرة أمام المنتخب السوري. دليل واضح على قوّة الدّفاع الذي يمتلكه المدرّب كيروش والتناغم الواضح بين لاعبيه. وليس الدفاع نقطة القوة الوحيدة، إذ تضم تشكيلة المدرب البرتغالي عدداً من المحترفين الإيرانيين في أوروبا، خصوصاً ضمن كل من روسيا واليونان. ثلاثة لاعبين ينشطون في الدّوري اليوناني (وهو دوري من المستوى الثاني أوروبياً). المدافع إحسان حج صافي، والمهاجم كريم أنصاريفارد من أوليمبياكوس، إضافة إلى «المخضرم» مسعود شجاعي الذي يلعب مع «آيك أثينا». للدوري الروسي «الشقيق» حصّته أيضاً من الإيرانيين. أبرزهم سردار أزمون مهاجم روستوف السابق ونجم روبن كازان الحالي، والمدافع ميلاد محمدي الظهير الأيسر في نادي «غرونزي» الروسي. نجوم إيرانيون آخرون يحترفون اللعب في «الأراضي المنخفضة» في هولندا، وهم المهاجم رضا نجم هيرنيفين، إضافة إلى علي رضا بخاش لاعب ألكمار. وهذا السرد، مقدمة للواقع. محترفو المنتخب الإيراني منسجمون كما لو أنهم يلعبون في فريق واحد منذ وقتٍ طويل، ويعتبرون من الأحجار الأساسية التي يعوّل عليها كيروش في المونديال، خصوصاً بعد تقديمهم أداءً مبهراً في مرحلة التصفيات. على سبيل المثال، سجّل سردار أزمون 22 هدفاً حتى الآن خلال 30 مباراة خاضها مع المنتخب الإيراني الأوّل. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، يعتمد المنتخب الإيراني أسلوب لعب هجومياً. وعلى رغم تسجيل الإيرانيين عشرة أهداف في عشر مباريات خاضوها في التصفيات، إلا أنهم منتخب يعتمد أسلوب «الضغط العالي» لعدم ترك الخصم مرتاحاً في منطقته، مطمئنين إلى أن صلابة الدّفاع التي لا غبار عليها تساعد في تأمين الخطوط الخلفية. ومن تابع المباراة ما قبل الأخيرة ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم أمام سوريا، سيلاحظ الشراسة الهجوميّة الإيرانية، حيث بدأ الضغط العالي مع بداية اللقاء من قبل الإيرانيين. وهذه روح قتالية لا يمكن رؤيتها إلاّ من فريق أو منتخب يحاول التأهل عبر هذه المباراة، فكيف إذا كان هذا الأداء يخرج من «كتيبة» تأهلّت إلى روسيا من دون الحاجة للعب المبارتين الأخيرتين.
أبرز الدوريات الأوروبية التي يحترف فيها إيرانيون هي اليوناني والروسي والهولندي


شغف الإيرانيين في كرة القدم توضحه هذه المباراة، إضافة إلى شغف الجمهور الإيراني نفسه في اللعبة. وأفضل طريقة لشرح هذا الشغف، هو النظر إلى ملعب «أزادي» الكبير الذي يمتلئ عن آخره في موعد المباراة والذي يتّسع لأكثر من 100 ألف متفرج. الإيرانيّون هم ثاني المتأهلين إلى كأس العالم بعد البرازيل، متصدّرين مجموعتهم بفارق 7 نقاط عن أقرب الملاحقين، وهو المنتخب الكوري الجنوبي، الذي يخوض التصفيات بتشكيلة من اللاعبين المحترفين في الدوريات الأوروبية الكبرى. أكثر من ذلك: تحتلّ إيران اليوم المركز الـ32 في التصنيف العالمي للمنتخبات (فيفا)، أي أنها تتصدّر التصنيف الآسيوي وتتقدم على دول عريقة، إلى كوريا، هي اليابان والسعودية. وإذا سمعت أن بلداً ما تأهل إلى خمسٍ من بطولات «الفيفا» للرجال في عامي 2016 و2017، فمن البديهي أن يخطر في بالك أنها البرازيل أو ألمانيا أو أي دولة أخرى من كبار المنتخبات. لكن في الحقيقة هذا الإنجاز الفريد والمذهل تحقق على يد إيران بعد نجاحها في التأهل إلى كأس العالم، إضافة إلى كأس العالم تحت 17 سنة، وكأس العالم تحت 20 سنة، وكأس العالم لكرة الصالات، وكأس العالم للكرة الشاطئية. وربما، لو كان للنساء أن يلعبن كرة القدم الإيرانيات بحسب شروط «فيفا» لوصلن وحققن الإنجازات. والنقطة الأخيرة، مدخل هام، للحديث عن التجاذبات داخل المجتمع الإيراني، في ما يتعلق بالشق «الثقافي» من اللعبة.
أخيراً، أكمل المنتخب الإيراني استعداداته لمونديال روسيا، بمبارتين وديتين، وكان الخصمان عربيين: تونس والجزائر. اتّجهت إيران إلى تونس لمواجهة صاحب الأرض في مباراة تحضيرية للمونديال. المواجهة الودّية كانت ضرورية للفريقين لقياس الجاهزية، وانتهى اللقاء ما بين الطرفين بفوز «نسور قرطاج» بهدف جاء من طريق الخطأ من الدفاع الإيراني. فوز فاجأ فيه المنتخب التونسي الإيرانيين بأدائهم الجيد وطريقة اللعب الجميلة، خصوصاً عندما تصل الكرة إلى كل من المساكني (سيغيب عن المونديال) والخزري. فنياً، بدا واضحاً أن تونس أكثر قوة. لكن العزيمة الإيرانية التي ميّزته في التصفيات، ظهرت أيضاً على لاعبيه أثناء المباراة. وعلى الإيرانيين أن يتصالحوا مع الفكرة: «الغرينتا» هي نقطة قوتهم الأبرز.
الوصول إلى كأس العالم ليس بالأمر الجديد بالنسبة للمنتخب الإيراني، فالتأهل الأخير هو الخامس في تاريخ الدّولة الفارسيّة (مرة واحدة فقط قبل الثورة الإسلامية). و«الغرينتا» على قدمٍ وساق. الأرقام دائماً إلى جانبهم: من 18 مباراة خاضها المنتخب الإيراني في التصفيات، لم يخسر في أي منها. الرّوح القتاليّة عالية. أندرانيك تيموريان، هو القائد الأوّل للمنتخب الإيراني، صاحب الـ32 عاماً يتحدر من أصول أرمينيّة، ويتشارك مع زملائه «التقاليد». الروح التي تجمع الإيرانيين قوية، وعلى رغم «القرعة السيئة»، الإيرانيون يؤمنون بحظوظهم في موسكو.



إنفانتينو «متسللاً» في طهران


في زيارته الأخيرة إلى طهران، دعا رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم، جياني إنفانتينو إلى «فصل السياسة عن كرة القدم، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة المباريات بين الأندية السعودية والإيرانية ضمن مسابقة دوري أبطال آسيا». كان اللقاء بين روحاني وإنفانتينو ديبلوماسياً، لكنه لم يخلو من «سخونة»، إذ تناول اللقاء أيضاً الحديث عن إمكانيّة انضمام النساء الإيرانيات للشبان في المدرّجات لمشاهدة الدوري المحلي أو منتخب بلادهم. والنقطة «الساخنة» كان المخرج الإيراني جعفر بناهي قد تناولها في فيلمه الشهير «أوفسايد». مرّ اللقاء، كالتسلل، خفيفاً وعابراً. لا جديد على المدرجات، سوى التحضيرات. بعد اللقاء، قال إنفانتينو إنه «تلقى وعوداً بالسماح للنساء في إيران بالدخول إلى ملاعب كرة القدم قريباً». أبلغه الرئيس الإيراني «أن مثل هذه الأمور تحتاج لبعض الوقت في دول مثل إيران». والحق أن إنفاتينو، لا يعرف إيران، أو التوازنات في إيران. وغالباً لو كان الأمر عائداً لروحاني وحده، لربما دخلت النساء وشاهدن المباريات. بالنسبة للفيفا، الأمر لا يحتاج إلى النقّاش. المسألة بديهية. لكن «التوازن الجندري» على المدرجات، في مباريات برسيبوليس واستقلال والفرق الأخرى، يحتاج في إيران، إلى «توازنات» سياسية!