كما توقع الجميع ظهر الرّئيس رجب طيّب أردوغان بين جماهير نادي بشكتاش. ظهر لأن الأخير هو ممثل كرة القدم التركية في دوري أبطال أوروبا، ذلك رغم أنه يعد الغريم الأوّل لناديه المفضّل فنربخشه. لكن تركيا «فوق كل شيء» بالنسبة للرّئيس. الفريق التركي دخل التاريخ هو الآخر، فهو أول فريق تركي في التاريخ يصل إلى مثل هذه المرحلة ــ التي يمكن أن نسمّيها بالمتقدمة ــ في دوري أبطال أوروبا. هكذا، كان أردوغان شاهداً على «اللحظة التاريخية». استقبله رئيس نادي بشكتاش فكرت أورمان، كما لو أن قدوم «السلطان» كان منتظراً. هل هذا هو ظهور الرئيس التركي الأول له في المجال الرياضي؟ لا.
قبل أشهر، استبدل البدلة الرسميّة بزي برتقاليّ اللّون لم يعتد ارتداءه. لبس حذاءه الرّياضي ودخل أرضيّة ملعب «تمساح آرينا»، ضمن مباراة ودّية جمعته مع نجوم كرة القدم العالمية على رأسهم الأرجنتيني ليونل ميسّي لاعب نادي برشلونة الإسباني، ولكن «البرغوت» اعتذر عن الحضور لأسباب طارئة. كانت تلك هي المباراة الافتتاحيّة للملعب، وكان الرّئيس واللّاعب يشغل المركز الذي يفضّله سياسيّاً ورياضيّاً: المهاجم. كان أداء الرّئيس التركي لافتاً. سجّل ثلاثة أهداف بطرق مختلفة. أحدها كان «احترافياً»... Chip من فوق الحارس، تدلّ على أن أردوغان كان لاعباً.
هاجم الزعماء الأوروبيين في قضيّة عدم منح تركيا حق استضافة فعاليات الأولمبياد


من أرضية الملاعب ننتقل إلى أسمائها. يعرف الأتراك جيداً «ملعب رجب طيّب أردوغان»، الخاص بفريق «قاسم باشا» الذي يلعب في الدرجة الأولى للدوري التركي الممتاز. سمّي هذا الملعب على اسم الرّئيس التركي وذلك لانحداره من منطقة قاسم باشا التي ينتمي إليها الفريق. وهو أول فريق لعب له أردوغان. الملعب يشغل منطقة من أبرز المناطق السياحية في تركيا، فهو يلاصق منطقة «تقسيم» السياحيّة، ويُجاور ضفاف خليج مدينة «الجزر السبع».
كذلك، ظهر «وارث أتاتورك» في مباراة أخرى، أقيمت تخليداً لذكرى شهداء الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. المباراة التضامنية أُقيمت بين فريقين، الأول يضم أبرز نجوم الدوري التركي الممتاز لكرة القدم من المواطنين الأتراك، والثاني يضم المحترفين الأجانب في الأندية التركية. برعاية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طبعاً. وقبل انطلاق «مباراة احترام الشهداء» كما أسميت، ألقى الرئيس التركي كلمة أشعلت مشاعر الأتراك. لاحقاً، عاد أردوغان وضرب مجدداً: «أنتم تمثّلون الفاشيّة والنازيّة وتستخدمونها ضدي وضد تركيا». هكذا هاجم الرئيس التركي الزعماء الأوروبيين، وذلك في قضيّة عدم منح تركيا حق استضافة فعاليات الأولمبياد. ردد كلاماً يقوله كثيراً: «مؤامرة توجّه ضد تركيا وضد الشعب التركي». وربما يعتقد كثيرون أن الرجل يبالغ. لكن الأتراك والمتابعين، لديهم رأي آخر: أردوغان يجانب شيئاً من الحق في مسألة التمييز الأوروبي ضدّ الأتراك رياضياً. في الرياضة يقول أردوغان إن البنى التحتية لبلاده «تكوّنت في الأربع عشر سنة الأخيرة»، أي منذ أن أصبح على رأس الحكومة.
يعتبر الرياضة «رأس حربة» في سياسته الداخلية، كما كان هو نفسه، «رأس حربة» في فريق «قاسم باشا».



هاكان شوكور أو «صقر تركيا»: ثمن الولاء لفتح الله غولن


الصورة في الأعلى تظهر أردوغان وهاكان شوكور الذي عايش أبرز إنجازات تركيا كروياً. اللاعبون في الصورة اختلفت مصائرهم. زوجة شوكور ماتت، ووالده سُجن، فيما اللاعب الذي خدم منتخب بلاده في 112 مباراة دولية بات خارج تركيا غير قادر على العودة حيث يمكن أن يواجه اتهامات تنتهي به لحكم بالإعدام أو السجن مدى الحياة. اعتزل شوكور في عمر السادسة والثلاثين، وعمل محللاً رياضياً قبل أن يتجه إلى السياسة. مثّل اللاعب ــ الأسطوري في بلاده ــ حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتدرج ليصبح نائباً فيما بعد. لكنه استقال من منصبه بعد خلافات مع اردوغان. وفي عام 2016 اتهم شوكور بإهانة الرئيس رجب طيب أردوغان عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وحوكم غيابياً في حزيران/يونيو من العام نفسه. أصر على أنه لم يقصد «إهانة الرئيس»، لكن المحققين قالوا إن تغريداته كانت ضدّ اردوغان بوضوح تام. استطاع هاكان شوكور الهروب، لكن والده ألقي القبض عليه، بتهمة دعم الانقلاب مادياً، وتمت مصادرة أمواله وسُجِن. وصل شوكور إلى الولايات المتحدة، وأعلنت السلطات التركية الرسمية وفاة والده بالسرطان. «صقر تركيا»، كما أسمته الجماهير في الملاعب والشوارع، بات اليوم سجيناً في ذكريات الماضي الجميل.
■ ■ ■

«القيصر» يصير سلطاناً
بدأ رجب طيب أردوغان لاعباً عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. اعتاد على اللعب بالكرات الورقيّة. كان هاوياً وكان نادي «غاميالتي» هو النادي الأول الذي لعب له، حيث كان هذا النادي يعد من روّاد نوادي الهواة في سبعينيّات القرن الماضي. «لعبت في مركز الهجوم سبع سنوات»، وكان يحمل الرقم 5. وكان يلقّب بـ «بكنباور طيّب»، نسبة إلى «القيصر» الألماني فرانس بكنباور. لكن أردوغان لن يصير قيصراً. يحاول أن يكون سلطاناً.
■ ■ ■

ضدّ «التغريب» منع كلمة «آرينا»
تلقى الرئيس التركي بطاقة حمراء وحيدة في مسيرته المتواضعة كلاعب، وكانت بسبب الاعتراض على الحكم. أما أردوغان «الرئيس»، خارج الملاعب، فيوزّع البطاقات السياسية ذات اللون الأحمر يميناً وشمالاً. على سبيل المثال، أعطى أردوغان تعليماته بإزالة كلمة أو عبارة «آرينا» من جميع أسماء ملاعب الفرق التركيّة. أوضح خلال كلمة له في مدينة إسطنبول أنه ضد استعمال كلمة «آرينا»، متمسّكاً بعثمانيّته. ناشد الشعب التركي قائلاً: «تعلمون ما كان يحدث في حلبات القتال أليس كذلك؟ الحيوانات كانت تمزق البشر لأشلاء». وذلك في إشارة إلى ساحات القتال الرومانية التي اقتبس عنها هذا اللفظ (آرينا). خلال خطاب ألقاه أمام مجموعة من خريجي المدارس الدينية قال: «هذه الكلمة ليس لها وجود في لغتنا، انظروا إلى تعريفها، لا يمكن أن يكون هناك شيء بهذا الشكل».


مرّوا من هنـا