هو جنّة كرة القدم كما كان يعرف. الدوري الإيطالي الأقوى في العالم في فترة من الفترات. لا دوري الأضواء الإنجليزي ولا كلاً من برشلونة ويال مدريد حديث الشوارع الآن. كبار اللاعبين على غرار رونالدو الحقيقي (الداليما)، فان باستن، بلاتيني، رود غوليت وغيرهم من أبرز اللاعبين على مرّ التاريخ كانوا ينشطون في إيطاليا. على الصّعيد الأوروبي كان نادي ميلان أبرز النوادي الإيطالية حضوراً. حصده لسبعة ألقاب دوري أبطال أوروبا مبتعداً عن أقرب ملاحقيه بأربعة ألقاب (إنتر) وضعه في المقدّمة. تاريخياً، كان ميلان فريق الشعب. وكان الإنتر أرستقراطياً. صار الفريقان صينيين. تغيّرت «طبائع» الكالشيو الاستهلاكية.
الأمور اختلفت في السنوات العشر الأخيرة. ليس فقط على صعيد تراجع قطبي ميلان في البروز محليّاً وأوروبياً. بل على صعيد الدوري الإيطالي ككل. فسيطرة يوفنتوس على لقب الدوري في آخر خمس سنوات هو خير دليل على انعدام وجود المنافسة. غياب كل من إنتر وميلان عن ساحة التتويج أو على الأقل غيابه عن المنافسة هو السبب الأول في هيمنة اليوفي في خمس مواسم متتالية.

هيمنة فريق آخر من الشمال أيضاً، في نشأته وفي تطوره، هو فريق البورجوازية الصناعية الإيطالية. تحاول الفرق الأخرى على غرار نابولي وروما القيام بما يتوازى مع قدراتهم منافسة فريق السيدة العجوز. ولكن «النّفس الطّويل» الذي لا يمتلكه في إيطاليا سوى ثلاثة فرق. فرق لها إرث. ميلان، إنتر ويوفنتوس، تفتقد الفرق الأخرى المنافسة هذه الخاصيّة التي لا يمتلكها سوى الفرق صاحبة الشخصية الكبيرة والتاريخ الأكبر.
يأتي دربي «المادونينا» الآن بصورة مغايرة لما اعتدنا عليه تاريخياً. دربي من دون ماروتي. دربي يفتقد لتسريحة برلسكوني التاريخيّة. دربي لا تطلّ من خلال مدرّجاته إحدى أبرز الشخصيات النسائية سابقاً في عالم كرة القدم. باربارا. دربي بلا ربطة عنق غالياني الصفراء، ويفتقر لأبرز اللاعبين الذين لطالما كانت أقدامهم تزيّن هذا الحفل الكروي الكبير. الدربي حاليّاً تطغى عليه الملامح الشرق آسيوية التي تعوّدنا على مشاهدتها مؤخراً في المدرجات. الديربي أصبح تحت العلم الأحمر الصيني. كل من الإنتر وميلان يسيطر عيلهما ملّاك صينيين.
إنتر سباليتي في مواجهة ميلان غاتوزو. الأخير أصبح حديث السّاعة في الصحافة الإيطالية والعالمية. هل عاد ميلان؟ هل لجينارو فعلاً بصمته الخاصّة نقل فيها الفريق من مرحلة الخسائر المتكررة إلى رقم افتقد الميلان لتحقيقه منذ عديد المباريات. عدم الخسارة في 13 مباراة متتالية، بالإضافة إلى فترة وصلت إلى 584 دقيقة من دون تلقّي أيّ هدف. الأرقام تفرض علينا احترام ما يقدّمه غاتوزو مع ميلان. تحسّن الدّفاع مقارنة مع الخطوط الهجوميّة. بونوتشي يستعيد شيئاً من مستواه الذي كان بجانب كيلليني. رومانيولي أصبح أحد أبرز المدافعين في العالم. الظهير الأيمن كالابريا اللاعب الذي كان يفتقد لعدد المباريات ولأرضيّة الملعب، يعدّ الآن حجراً لا يمكن التخلي عنه ضمن تشكيلة المحارب الإيطالي. التركي شالهانوغلو يقول: «نقل لنا الغرينتا التي كان يملكها كلاعب، يريد منا تقديم كل شيء في التدريب، كما أنني أشعر بثقل الرقم 10 في الميلان وأعمل على أن أكون مستحقاً له». سوسو اللاعب الإسباني الموهوب والذي يعد أحد أبرز مفاتيح اللعب في ميلان لم يعد كما كان في السّابق. أصبح أكثر انضباطاً وأكثر جماعية تحت قيادة غاتوزو. ربّما الرّهبة التي يفرضها المدرب الإيطالي ونجم ميلان السابق تقوم بعملها على أكمل وجه. ناهيك عن إعطائه الثقة للاعب لا يتّصف بالموهبة ولا بالمهارات إنمّا يتمركز دائماً في المكان المناسب.
ربّما كوتروني ليس باللاعب الذي يمكن لميلان الاعتماد عليه في المستقبل ولكنّ ثبات غاتوزو على التشكيلة «المثاليّة» بنظره تأتي بثمارها. هناك نقطة سوداء صغيرة في مرحلة جينارو. اللاعب البرتغالي الذي أوصى به نجم نادي ريال مدريد مواطنه كرستيانو رونالدو. لا يأخذ الفرصة التي يحظى بها غيره من اللاعبين الذي يمكن اعتبارهم أقل قيمة وكفاءة منه، على غرار المهاجم الكرواتي كالينيتش. بطبيعة الحال كوتروني هو المهاجم الأساسي والذي يعتمد عليه غاتوزو، ولكن الخيار الثاني دائما يأتي على الكرواتي. بينما هناك لاعب موهوب وهو أغلى صفقة أبرمها «الروسونيري» في الصيف بقيمة وصلت إلى 45 مليون يورو. سيلفا يجب أن يظهر.
في الجهة المقابلة بدأ إنتر الموسم بداية قويّة تحت قيادة لوتشيانو سباليتي مدرب روما السابق. حيث آمن من خلال هذه البداية الجمهور (الإنتريستا) بأن هذا الموسم سيكون مغايراً عن سابقيه. بعد سلسلة مباريات مقنعة نوعاً ما بدأ الهبوط في المستوى يظهر شيئاً فشيئاً. وكأن بالمجهود الذي قام به الفريق مع بداية الدّوري أرهق «النيراتزوري» وصل بهم إلى المركز الرّابع بعد تشبّثه بالصّدارة فترة ليست بالطويلة. الدربي يبقى دربي. ولا أحد يعرف من سيربح.

ميلان X إنتر، ملعب سان سيرو، الأحد 5 آذار/مارس، العاشرة إلا ربعاً ليلاً بتوقيت بيروت



فلاش باك

الأخوان باريزي

مع بداية مشوار الأخ الأكبر جوسيبي مع ناديه إنتر ميلانو قرر اصطحاب أخيه الأصغر منه بثلاث سنوات (فرانكو) إلى مدرسة كرة القدم الخاصة بالنادي. نجح جوسيبي في اختبارات القبول ولم يقنع الشقيق الأصغر فرانكو مسؤولي «النيراتزوري». اتجّه فرانكو باريزي إلى قطب المدينة الآخر: ميلان. صار ما نعرفه، الأسطورة باريزي. مسيرة كلا الأخوين مختلفة. من حيث الأداء والألقاب وأسطرة اللاعبين. فرانكو الأصغر سناً من جوسيبي. ولكن الأمر مختلف على أرضيّة الملعب. فرانكو صار أسطورة، وجوسيبي لاعباً عادياً في الإنتر.

قلعة سان سيرو

يعد دربي ميلانو من الدربيات القلة التي يحتضنها ملعب واحد: ملعب سان سيرو. وهو ملعب كرة القدم الرئيسي في مدينة ميلانو الإيطالية ويتسع لـ 80,074 متفرجاً. ملعب سان سيرو كان يسمى باستاد جوزيبي مياتزا نسبةً لاسم نجم كرة قدم إيطالي قديم فاز بلقبي كأس العالم عامي 1934 و1938، أي في العهد الفاشي. لعب جوسيبي للناديين خلال عشرينيات وصولاً إلى أربعينيات القرن الماضي، فيما كان إنشاء الملعب قد بدأ سنة 1925. في 3 مارس 1980، أطلق على الملعب اسم سان سيرو نسبة إلى اسم الكنيسة الموجودة في نفس الحي. وصمم الملعب على شكل الملاعب الإنكليزية، حيث يتميز بوجود أربع مدرجات قريبة من الملعب. ويسمى الدربي بدربي ديلا المادونينا تكريماً لأحد المعالم الرئيسية لمدينة ميلانو: تمثال مريم العذراء الموضوع على قمة كاتدرائية ميلانو.

مباراة إيكاردي

كانت مباراة الدربي الأخيرة حماسيّة بامتياز، الجمهور كالعادة تجاوز 80 ألفاً، وكان بطل المباراة هو الأرجنتيني ماورو إيكاردي نجم الأنتر وقائده، إذ سجّل ثلاثية (هاتريك) فاز من خلالها الإنتر بنتيجة 3-2 . كان الإنتر أفضل آنذاك، لكن بمرور الأيام لم تعد «خلطة» سباليتي صالحة والفريق في تراجع مستمر. وهذا على عكس القطب الآخر، الذي بدأ الموسم على نحوٍ سيئ، كانت نتيجته إقالة المدرب السابق للفريق فينشنزو مونتيلا مدرب فريق إشبيلية الإسباني الحالي، ليأتي غاتوزو ومعه ربّما الوصفة التي كان يحتاجها ميلان: «الغرينتا».