غريب أمر نادي الأنصار. فريق عريق يملك ملعباً في بيروت، ولديه رئيس نشيط متحمّس هو نبيل بدر مستعد لدفع أكثر من مليون دولار سنوياً. قد لا توافق على طريقة مقاربته لبعض الأمور وذهابه بعيداً أحياناً الى درجة أنك لا تصدّق أنه الشخص المحبّب عينه خارج الملعب، لكن لا يمكن أن تنكر أنه محبّ للعبة كرة القدم.
فلماذا حال ناديه مؤسفة، والسيناريو يتكرر في كل عام؟
حال يعكسها واقع الأنصار في الدوري حالياً، فهو يحتل المركز السابع ويبتعد بأربع نقاط عن العهد المتصدر رغم نزف الأخير 10 نقاط كاملة. مدربٌ أقيل قبل انطلاق الموسم هو إميل رستم، ومدرب أقيل بعد تسع مباريات هو الألماني روبرت جاسبرت، فأين هي المشكلة؟
الولاء، يقول أحد الأنصاريين القدماء "ففريق الأنصار تحوّل الى ما يشبه فرقة مرتزقة. استقدامات بالجملة هذا الموسم بين أجانب ومحليين وصل عددهم الى 13 لاعباً. نصف عدد الفريق تقريباً على لائحة الأنصار ليسوا من أبنائه. فهل هؤلاء يلعبون لاسم النادي وتاريخه وللقميص الأخضر الذي يلبسونه أم للمال فقط"؟
ولعل مشهد تنفيذ ركلة الجزاء التي حصل عليها الأنصار أمام التضامن صور في الأسبوع الأخير يعطي فكرة عن طريقة تفكير بعض اللاعبين. السنغالي الحاج ماليك يتشاجر مع خالد تكه جي على تنفيذ ركلة الجزاء. الحاج ماليك يريد زيادة رصيده من الأهداف في صدارة ترتيب الهدافين، وتكه جي يعتبر أنه أحقّ كونه تسبب بها. تكه جي كلّف النادي 200 ألف دولار، والحاج ماليك من المفترض أنه لاعب محترف، فهل هكذا تكون مصلحة الفريق قبل أي شيء؟

تفوق موازنة الأنصار المليون دولار يذهب 30 ألفاً منها فقط للفئات العمرية


ما هي حال الفئات العمرية في نادي الأنصار؟ ما هي الموازنة المرصودة لتلك الفئات في النادي وهل الاهتمام يكون فقط للفريق الأول؟
أسئلة قد تلقي الضوء على العلّة الرئيسية في النادي. استعجال الألقاب "بأدوات" مستوردة لا تشعر بانتمائها إلى القميص الذي ترتديه طالما انها تفعل ذلك للمرة الأولى وليس لسنوات سابقة من الأشبال الى الناشئين ثم الشباب. فريق يملك ملعباً في منطقة تقع بين بيروت والضاحية الجنوبية، أي خزان اللاعبين الصغار والمواهب الناشئة. بطل الناشئين في الموسم الماضي ووصيف الموسم الحالي خلف العهد. بطل الأشبال قبل ثلاث سنوات ووصيف الموسم الحالي خلف BFA. إذاً، يملك الفريق خامات لكنها تحتاج الى فرصة، الى قرار شجاع بالبناء لسنوات مقبلة، فريق يحرز اللقب عبر أبنائه. لاعبون يحصلون على فرصتهم ويتمرسون ويخطئون ويصيبون ويكتسبون الخبرة، وبعد سنوات يرفعون لقباً عمل النادي على احرازه لسنوات.
أسماء موهوبة مهمّشة لا تلقى "القلب الشجاع" القادر على منحها فرصة في ظل الضغط المتواصل لإحراز الألقاب.
دانيال ابو فخر هداف بطولة الناشئين بـ 34 هدفاً مهمّش. موسى الطويل من افضل اللاعبين الموهوبين، حسن فاضل من المهاجمين المميزين، آدم السيد، علي عبود، وقاسم الشوم. كلهم مشاريع نجوم في الأنصار يقبعون في الظل لمصلحة لاعبين مستوردين لأسمائهم فقط وبكلفة عالية لا تراهم موجودين على أرض الملعب. هل يعقل أن يتم دفع مبلغ 70 ألف دولار مقابل لاعب معار هو مازن جمال، ولا يتم دعم الفئات العمرية في النادي؟
تصاب بالدهشة حين تعلم أن موازنة نادي الأنصار التي تفوق المليون دولار سنوياً لا يرصد منها أكثر من 30 ألف دولار لثلاث فئات عمرية. هي مصاريف نقليات وإيجار ملاعب. أما اللاعبون فلا يحصلون على شيء. ورغم ذلك، تسأل أين أبناء النادي. تشعر بالخيبة حين تعلم أن شخصاً واحداً هو المدرب غيثان صليبي يقوم وحيداً بعمل يتطلب عديداً وأموالاً أكثر. ما يحتاج إليه الفريق هو ما بين 90 الى 120 ألف دولار كموازنة للفئات العمرية، ورغم ذلك تجد رئيس النادي يخصص لها ربع المبلغ المطلوب. هل يعقل أن تقوم فئات عمرية في نادٍ بحجم نادي الأنصار على أكتاف شخص واحد؟
المسألة بسيطة تبدأ من رأس الهرم وتنتهي عند جمهور النادي. فما يحتاج إليه الأخضر هو وضع استراتيجية تمتد لأربع سنوات مع لجنة فنية قديرة، لا دائرة محيطة تُسمع المسؤول ما يحب أن يسمعه. سنوات ينسى فيها الجمهور والرئيس والإدارة موضوع الألقاب ويبنون فريقاً من أبنائه يكون حينها قادراً على اعادة الأنصار الى سجل البطولات بعد غياب طويل لم يكسره سوى إحراز كأس لبنان الموسم الماضي، وأهل البيت يعلمون تماماً كيف أحرزوه وإذا ما كان مقياساً صحيحاً لتطور الفريق فنياً.