في لانوس، كانت الولادة. في 30 تشرين الأول 1960، وُلد السحر الكروي. خرج دييغو أرماندو مارادونا إلى الحياة. الأسطورة في الـ 57 من عمره الآن. أمس، كان يحتفل بعيد ميلاده. كبُر. أصبح الأب جَدّاً، لكنه لا يزال فتياً في قلوب عشاقه. هو مملكة للعشق لا حدود لها.
لا يزال دييغو فتياً في الذاكرة. يأبى أن يفارقها. أتى نجوم وذهب نجوم وبقي مارادونا ساكنها الأوحد. كيف يمكن أن يخرج من ذاكرة العشاق لاعب أفرح القلوب ورسم البسمة على الشفاه؟ كيف يمكن لهؤلاء أن يفارقوا صورة دييغو الشاب الذي صال وجال وصنع في الملاعب ما يفوق الخيال؟
رغم أن نجوماً كثراً مروا وأبدعوا، إلا أن القلب يبقى متعلّقاً بذاك الزمن الجميل. زمن كرة دييغو التي لم تضاهها كرة، ولم يكن لها نظير. زمن الفن الكروي الذي يُعزف كلحن جميل. هل يمكن أن يملّ العاشق من لقطة هدف مارادونا التاريخي في ربع نهائي مونديال 1986 في مرمى الحارس الإنكليزي بيتر شيلتون تحت شمس ملعب "الآزتيك" في مكسيكو سيتي، أو من مراوغاته وأهدافه الساحرة مع نابولي التي لا تزال رائحتها الزكيّة تعبق في الملاعب الإيطالية.

هي "النوستالجيا" تظل تهفو إلى ذاك الزمن. زمن مارادونا عندما كانت الآهات إعجاباً بالسحر الكروي تصدح في المدرجات. كان يكفي أن يقوم دييغو بفاصل مراوغة لخصومه حتى يصبح رفيق السهرات ومحور الأحاديث في الصباحات.
لكن دييغو هو ملك كل الأزمنة. كان المعشوق لاعباً شاباً، وظل الشغل الشاغل "كهلاً". يكفي أن يُطلّ مارادونا في حدث ما أو مناسبة ما ليكون السحر رفيقه، ليكون الجمع أسيره. يكفي أن يُطلق تصريحاً ليكون وقعه مختلفاً. في حضوره هو ساحر، وفي كلماته هو ساحر. في شبابه كان ساحراً وفي "كهولته" هو ساحر.
أمس، احتفل مارادونا بعيد ميلاده الـ 57. قد لا يحمل الرقم للبعض رمزية، لكن في حالة دييغو لا مناص من الاحتفال. هذا أقل القليل مقابل ما خلّفه مارادونا من ذكريات حلوة لا تفارق البال. ذكريات جعلت منه "إلهاً" بالنسبة الى عشاق الكرة وأبناء قومه الذين تقاطروا في مناسبة ذكرى ولادته الى كنيسة انشأوها لتحمل اسمه وليؤكدوا من خلالها على موهبته الإلهية التي لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ أول ركلة للجلد المدوّر.
جاء نجوم ورحل آخرون. منهم من طبع اللعبة بطابعه الخاص ولفترات طويلة، لكن بقي اسم مارادونا مرادفاً لكلمة فوتبول بمعناها القيّم الذي لا يقدّر بثمن، والدليل أن أي لاعب برز على المستطيل الأخضر ذهب الكل الى تشبيه هدفه أو مهارته أو لمحة منه الى شيء قام به "الولد الذهبي" أيام حكمه للملاعب التي لم يفارقها قط.
دييغو في الـ 57، لكن أحداً لن يستطيع سرقة "ألوهيته" في عالم كرة القدم. اسألوا ملاعب الأرجنتين وإيطاليا، وسكان مدينة نابولي التي لا تزال تتنفسه بجدرانها وأزقتها وكل شبرٍ في ملعبها الشهير "سان باولو". واسألوا أي لاعب ارتدى القميص الأزرق السماوي دونه الرقم 10 الذي لا يجرؤ أحد على التفكير في طلبه كونه يرتبط بأسطورة نعرف كلنا مكانتها في كل الأزمنة.
أخيراً، اسألوا ليونيل ميسي، ومع كل ما حصده من ألقاب فردية وجماعية، وما رسمه من إبداعات في الميادين المختلفة، إذا ما كان يشعر بأن له مكانة في قلوب الأرجنتينيين كتلك التي تمتع بها ملهمه في كل مرة ارتدى فيها الألوان الوطنية ووقف مدافعاً عن منتخب "راقصي التانغو" الذي يحنّ كل يوم الى أيامه التي لا تتكرر، وإلى ذاك المشهد في المكسيك عندما حُمل على الأكتاف وهو يرفع الكأس الذهبية التي لا تزال منذ ذاك اليوم بعيدة عن بلاد الفضة.