منذ ذاك الهدف الذي سجله مجدي عبد الغني في مرمى هولندا (1-1) في كأس العالم 1990، ومصر تحلم بالعودة الى العرس الكروي وعيش تلك اللحظة الخالدة التي تحوّلت الى واحد من أهم المشاهد التي عاشتها كرة القدم المصرية في تاريخها العريق.
منتخب «الرجالة»، ورغم حكمه للقارة الافريقية طوال سنوات خلت، عجز عن فك النحس المونديالي. جاء نجوم وذهب آخرون وبقي النحس ملازماً للمصريين. هم باتوا يؤمنون بوجود لعنة لدرجة أطلق أحد المعلنين على اللوحات الالكترونية في الملعب «هاشتاغ» تشجيعي للاعبين تحت عنوان «يللا_نفك_النحس»!
هو نحسٌ فعلاً شعر المصريون بأنه لن يتركهم بسلام، وتحديداً في الدقيقة 87 عندما صدمهم لاعب منتخب الكونغو أرنولد بوكا موتو بهدف التعادل ردّاً على الهدف الافتتاحي لنجم المنتخب المصري محمد صلاح (63)، فأسكت الآلاف الذين احتشدوا في مدرجات استاد برج العرب قبل ساعات طويلة على بداية اللقاء، فذُرفت الدموع وعلت صرخات الأسف على وجه الجميع، ما عدا أولئك الـ11 رجلاً الذين تواجدوا على المستطيل الاخضر ورفضوا الاستسلام.
ففي الوقت المحتسب بدل من ضائع، احتسب الحكم الغامبي باكاري غاساما ركلة جزاء بعد مخاشنة بيرانغار ايتوا لمحمود حسن «تريزيغيه» داخل منطقة الجزاء انبرى لها صلاح بنجاح وسجل الهدف الاغلى لمصر منذ أعوام طويلة.
هنا، لا ضرورة لوصف ما حصل في الملعب او في الشوارع المصرية او حتى ما حلّ بصوت معلّق المباراة على قناة «OSN» مدحت شلبي الذي شرع في ترديد كلمات باللغة الروسية، في اشارة منه الى ذهاب المصريين الى المونديال في الصيف المقبل. مونديال سيكسب مصر، ويخلق متعة اكبر لكل العرب، فأيّاً كان من تأهل من منتخبات البلاد الناطقة بلغة الضاد لن يجمع حوله شغفاً كذاك الذي جمعه صلاح ورفاقه مساء امس حول العالم العربي الذي تغنى بهذا الانجاز.
لكن لماذا طال هذا الانجاز؟ وما هو الفارق بين هذا المنتخب وكل المنتخبات التي تعاقبت بعد عام 1990 ولم تتمكن من حجز بطاقة مونديالية؟
السبب الاول والرئيس هو وجود لاعبٍ مثل محمد صلاح في صفوف المنتخب المصري. هو يختلف عن سابقيه كلهم، من حازم امام الى محمد ابو تريكة، مروراً بأحمد حسام «ميدو» ووصولاً الى عماد متعب وعمرو زكي. كل هؤلاء عرفوا النجومية، وغالبيتهم الاحتراف على أعلى المستويات في اوروبا، لكنهم لم يعرفوا تلك الجرأة التي يتّسم بها نجم ليفربول الانكليزي الذي ظهر دائماً أنه لا يهاب شيئاً أو فريقاً أو لحظة صعبة، والدليل طريقة تنفيذه ركلة الجزاء التي منحت مصر أغلى انتصاراتها أمس.
اما السبب الثاني فهو انتقال نجوم المنتخب المصري الى تقمّص شخصية اوروبية في مقاربة الكرة، من محمد النني (ارسنال) واحمد حجازي (وست بروميتش البيون) ورمضان صبحي (ستوك سيتي) الذين اثبتوا حضورهم في اصعب دوري في العالم، فباتوا عماد المنتخب والعمود الفقري له، والآن صنّاع تاريخه الجديد.
اما السبب الثالث فهو استقدام المدرب الارجنتيني هكتور كوبر الذي لم يتفاءل به أحد، لا لأنه ليس بالجدير لتولّي الدفة الفنية، بل لأنه عُرف بأنه اكثر مدرب منحوس على وجه الارض، واشتهر بخسارته للمباريات النهائية (مع مايوركا في نهائي كأس الكؤوس الاوروبية ومع فالنسيا في نهائي دوري ابطال اوروبا مرتين متتاليتين). لكن الرجل ومنذ اليوم سيحصل على لقبٍ جديد وهو «رجل النص مليون»، فهو بمجرد حمله مصر الى المونديال سيحصل على مكافأة قدرها 500 الف دولار بحكم البند الموجود في عقده...
فعلتها مصر، لأنها ببساطة استحقتها بمجرد خروجها من تلك المجموعة القوية التي خاضت فيها اكثر من مخاض عسير، واستحقتها لأن الكرة في دماء شعبها الذي استشهد من أجلها وعاش من أجلها ليلة أمس، ليخرج هاتفاً بكلمتين: «عاشت مصر».