غالباً عندما يأتي المموّلون أو المستثمرون إلى أندية كرة القدم، يكون الحديث الأول والأخير لدى المتابعين عن الخطوات التي ستتخذ لتدعيم الفريق الأول دون سواه. ويكثر الكلام أيضاً عن الأسماء المحلية المميزة التي سيستقدمها النادي لتعزيز صفوفه، إضافةً إلى الأسماء الأجنبية التي ستشكل الحجر الأساس في أي إنجازٍ مرتقب.
لكن في الأعوام القريبة الماضية، بدأت العقلية تتبدّل لدى أندية عدّة في الكرة اللبنانية، ذهبت إلى تأسيس أكاديميات تعنى بالعمل مع المواهب الصغيرة بشكل جديّ، وسط إدراكها أن هذا الأمر سينعكس إيجاباً عليها في المستقبل من خلال تخريجها للاعبين يمكنهم أن يكونوا الرافد الأساس لفريق الرجال، ويوفّروا عليها الأعباء المالية الناتجة من الصفقات.
نادي العهد كان سبّاقاً على هذا الصعيد، إذ إن ما يقطفه حالياً ليس سوى ثمرة عملٍ طويل ودؤوب بدأ منذ أعوامٍ عدة، وأفرز تباعاً أسماء مميزة أعطت الفريق الأول الكثير والمنتخبات الوطنية على حدٍّ سواء. لذا لم يكن مفاجئاً أن يضيف العهداويون الصغار إلى لقب الدوري العام، ألقاب بطولات الآمال والشباب والناشئين، حيث لم يفلت منهم سوى لقب الأشبال الذي ذهب لمصلحة الأنصار، وهو النادي الآخر الذي يعمل بجديّة واهتمام على خط الفئات العمرية.
المدير الفني لفرق الفئات العمرية في العهد باسم مرمر، يردّد دائماً أن «الهدف الأول ليس الفوز بالألقاب، بقدر تنشئة لاعبين يمكنهم أن يشكّلوا إضافةً مهمة للفريق الأول».

150 ألف دولار كانت ميزانية فرق الفئات العمرية في العهد

كلام مرمر يلتقي مع ما كان يمكن لمسه على الأرض في الموسم المنتهي حيث لعبت عناصر شابة دوراً كبيراً في استعادة العهد للقب الدوري، فبرزت أسماء حسين الزين وخليل خميس وغازي حنينة ومهدي فحص وحسين حيدر. ويُنتظر طبعاً أن تضاف إليها أسماء أخرى في المواسم القريبة المقبلة، أمثال كابتن فريق الآمال مصطفى بيضون الذي سبق أن شارك مع الفريق الأول قبل أن يتعرض لإصابة قوية أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة، ليعود بعدها ليرفع لقب الآمال قبل أيام. وسبق هؤلاء عباس كنعان وأحمد زريق وحسين دقيق وهيثم فاعور الذين أحرزوا ألقاب البطولات الخمس مع العهد منذ بداياتهم مع النادي.
أمين سر نادي العهد الحاج محمد عاصي، تحدث لـ«الأخبار» عن أهمية هذه النقطة، «إذ إن عملية صقل اللاعب الصغير السن لا ترتبط بالبطولات فقط، ولهذا السبب فإن تمارين فرق الفئات العمرية تكون على مدار السنة، وهي مسألة تعطي أفضلية للعهد على غيره من الأندية بالنظر إلى الجاهزية الدائمة للاعبيه».
وإذ يلفت عاصي إلى ضرورة إعادة دراسة شكل البطولات بشكلٍ عام لكي تكون مثلاً على صورة دوري الآمال الذي لُعب من مرحلتين ذهاباً وإياباً، دعا الأندية الأخرى إلى تكثيف العمل بجدية في قطاع الناشئين «لأن هذا الأمر سيوفّر لهم الكثير من الخيارات الفنية مستقبلاً ويخفف الأعباء المالية عنهم أيضاً».
وتضاف نقطة مهمة إلى هذا الأمر، هي مسألة التناغم والكيميائية التي تولد بين اللاعبين الذين يتدرّجون سوياً حتى الوصول إلى الفريق الأول، ما يزيد من الإضافات الإيجابية للفريق. وفي هذا الإطار تبرز نقطة أيضاً تتمحور حول إشراك العهد للاعبي فريق الأشبال في بطولة الناشئين ولاعبي فريق الناشئين في بطولة الشباب، أي مع اللاعبين الذين هم أكبر سنّاً منهم، ما يضيف أكثر إلى قدراتهم ويعزّز النضج السريع لديهم.
العهد يلعبها بذكاء أيضاً على صعيد إرسال مدربيه لصقل قدراتهم في دورات خارجية، حيث خاض مرمر مطلع الشهر الحالي إحداها في ألمانيا، ما يضيف أيضاً إلى تخصّصه في العمل مع هؤلاء الصغار حيث يبرز اسما المدربين محمد سلوم وبلال هاشم أيضاً.
150 ألف دولار بين إعداد فرق الفئات العمرية ومكافآتها كانت ميزانية العهد في الموسم المنتهي. هذا الرقم قد يجعل رئيس النادي تميم سليمان، يبتسم على مضض أمام الكاميرات في كل لحظة تتويج على حدّ قوله، لكنه يعترف بأن الابتسامة ستكون أكبر في اليوم الذي سيذهب فيه قسمٌ من هؤلاء اليافعين لحمل العهد إلى أعلى منصات الذهب.