ما الذي يحدث في الدوري الألماني لكرة القدم؟ يكفي النظر إلى جدول الترتيب بعد الجولة الثامنة لإدراك أن شيئاً كبيراً حاصل في "البوندسليغا"، حيث كباره باتوا في المراكز الأخيرة وصغاره في المراكز الأولى. إذ بينما يقف بايرن ميونيخ، كالعادة، في المركز الأول بـ 20 نقطة، فإن ملاحقه ليس إلا لايبزيغ الوافد من الدرجة الثانية بـ 18 نقطة بعدما كانت الترشيحات تصب في مصلحة بوروسيا دورتموند أن يكون في هذا الموقع، وهذا ما كانت عليه الحال في المباريات الأولى هذا الموسم قبل أن يتلقى فريق المدرب توماس توشيل ضربات متتالية لم تكن في الحسبان وضعته في المركز السادس الآن. أما في المركز الثالث والرابع والخامس، فتأتي على التوالي فرق هيرتا برلين وهوفنهايم وكولن التي كانت تصارع في الأعوام الأخيرة للبقاء في الدرجة الأولى.
تحتل المراكزَ الأخيرةَ فرق ذات تاريخ وأحرزت البطولات
في المقابل، فإن المراكز الأخيرة تحتلها فرق ذات تاريخ وأحرزت البطولات المحلية والأوروبية، حيث يأتي شالكه في المركز الرابع عشر وفيردر بريمن خامس عشر وفولسبورغ سادس عشر وهامبورغ في المركز الأخير بنقطتين فقط من أصل 24 ممكنة. أن تقول هامبورغ تحديداً، يعني ذلك جزءاً من تاريخ كرة ألمانيا وحيّزاً مهماً من ذاكرتها الجميلة في السبعينيات والثمانينيات. هو الفريق الذي أحرز لقب «البوندسليغا» 6 مرات وحلّ وصيفاً 9 مرات وأحرز لقب مسابقة الأندية الأوروبية البطلة (دوري أبطال أوروبا حالياً) عام 1983 وكأس الكؤوس الأوروبية عام 1977. الفريق الذي ارتدى قميصه عمالقة الكرة الألمانية من فرانتس بكنباور إلى فيليكس ماغات وأوفي زيلير وهورست هروبيش، مروراً بالإنكليزي كيفن كيغان والسويدي مارتن دالين، وليس انتهاءً بالغاني أنطوني يبواه والإيراني مهدي مهدافيكيا والبرازيلي زي روبرتو والبوسني حسن صالحمدزيتش والهولندي رود فان نيستلروي والبلجيكي فينسنت كومباني. بيد أن هذا الفريق مهدد جدياً هذا الموسم بالهبوط إلى الدرجة الثانية التي لم يسقط إليها في تاريخه.
من يرى هذا التبدل الدراماتيكي الحاصل يعتقد لوهلة أن الفرق الصغيرة انتقلت ملكيتها إلى رجال أعمال أثرياء وعززت صفوفها بلاعبين مهمين، إلا أن الحقيقة أن عماد هذه الفرق هم لاعبون ألمان غير مشهورين وأجانب عاديون، بمن فيهم لايبزيغ مفاجأة الموسم المدعوم من شركة "ريد بُل". وعلى النقيض، فإن الفرق الكبيرة تضم وجوهاً معروفة كالنجم جوليان دراكسلر وماريو غوميز والبولوني ياكوب بلاتشيكوفسكي والبرازيلي لويز غوستافو والسويسري ريكاردو رودريغيز في فولسبورغ والموهوبَين ماكسيميليان ماير وليون غوريتسكا وبينيديكت هوفيديس ودينيس أوغو والبرازيلي نالدو والجزائري نبيل بن طالب في شالكه ولويس هولتبي وآرون هانت والكرواتي ألن هاليلوفيتش في هامبورغ والموهوب سيرج غنابري وماكس كروزه والمخضرم البيروفي كلاوديو بيتزارو في فيردر بريمن.
هذا الواقع يقودنا إلى أن الأساس في هذه "الثورة" الحاصلة هو تلك الروحية العالية والمقاتلة التي تخوض بها الفرق الصغيرة البطولة، حيث كسرت الفوارق مع الكبار وأظهرت شراستها لتحقيق الفوز. وهذا الأمر بات يعاني منه حتى بايرن ودورتموند الذي على سبيل المثال سقط في الجولة الأخيرة في فخ التعادل أمام إينغولشتات الوافد من الدرجة الثانية وصاحب المركز قبل الأخير 3-3 بعدما كان متأخراً 1-3.
هذا التبدل في خريطة "البوندسليغا" يحيلنا إلى التطور الذي تشهده هذه البطولة عاماً إثر عام من الناحية الجماهيرية والفنية، أما ارتداداته الإيجابية فيمكن رؤيتها في صفوف المنتخب الألماني بطل العالم.