كان تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخطر حتى اللحظة في ظل كل الأحداث التي سبق أن لاحقت أزمة المنشطات في روسيا، وتقرير الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا)، الذي دعا إلى إيقاف الروس عن المشاركة في جميع الأحداث الرياضية الدولية بما فيها الألعاب الأولمبية المقبلة في ريو دي جانيرو (5-21 آب). "نلاحظ انتكاسة خطيرة تتمثل بتدخل السياسة في الرياضة. نعم أدوات التدخل هذه تغيرت لكن جوهرها ما زال السابق: جعل الرياضة أداة للضغط الجيوسياسي". الأهم في بيانه هو ما ورد بعد التقديم الأول: "الأحداث الأخيرة والوضع الصعب حول الرياضة الدولية والحركة الأولمبية، تتشابه مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي... الحركة الأولمبية بعد قضية المنشطات قد تكون على شفير الانقسام".
لن تكون جملة بوتين في بيانه جملة عابرة على الإطلاق، إذ مهَّد بالعودة الى الحرب الباردة بين بلاده والولايات المتحدة، المتهم الأول مع الكنديين بالتحريض على إيقاف بلاده من دون المشاركة في الأولمبياد المقبل.
شفا الإنقسام الذي أورده، حدث بدايةً في الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1980 في موسكو. عامذاك، قاطعت الولايات المتحدة الأميركية البطولة للاحتجاج على الحرب السوفياتية في أفغانستان التي بدأت عام 1979، بعدما رفضت اللجنة اقتراح الولايات المتحدة نقل البطولة الى اليونان.
هذه المقاطعة أثرت على مستوى العالم. حاول الأميركيون الضغط على باقي الدول، حيث أرسلت إدارة الرئيس جيمي كارتر دعوات وطلبت، ليقاطعوا، فتماثل معهم كل من اليابان وألمانيا الغربية، كما انضمت للمقاطعة كل من الصين والفيلبين والأرجنتين وكندا. أما المملكة المتحدة وفرنسا وأوستراليا ، فدعمت المقاطعة، لكن من جهة أخرى سمحت لرياضييها بالمشاركة إذا رغبوا بذلك.
اصبح واضحاً ان الرياضة باتت أداة للضغط الجيوسياسي

هذه المقاطعة رُدت سريعاً في الأولمبياد المقبل الذي تلاه في الولايات المتحدة، واقيم في لوس أنجلس. 14 دولة قاطعت أولمبياد صيف عام 1984 معظمهم من  شرق أوروبا، والحلفاء الذين كان الاتحاد السوفياتي  يتزعمهم. هذه الدول نظّمت بطولة أخرى تُسمّى ألعاب الصداقة وأقيمت في حزيران من العام نفسه.
يهدد بوتين ويحذر من تكرار هذه التجربة التي أساءت الى اللعبة. إنها حرب باردة مطعّمة أولمبياً. يؤكد ذلك رئيس المجلس الأولمبي الأوروبي، الإيرلندي باتريك هيكي، الذي رأى أن الولايات المتحدة وكندا تقودان حملة إبعاد جميع رياضيي روسيا عن الدورة. ما تتكل عليه "وادا" هو تقرير المحامي الكندي ريتشارد ماكلارين عن التحقيق الذي أعده لهم بعد اتهامات أطلقها المدير السابق للوكالة الروسية لمكافحة المنشطات غريغوري رودتشنكوف. العشرات من الرياضيين الروس، منهم 15 حصلوا على ميداليات أولمبية، استفادوا من نظام تنشط نظمته وأشرفت عليه روسيا وأجهزة استخباراتها في دورة سوتشي بحسب التقرير.
لم يمر هذا الكلام الذي تتخوف منه أوروبا، مروراً سهلاً عند رئيس المجلس الأوروبي الإيرلندي باتريك هيكي. تساءل الأخير عن السلطة التي بموجبها أعدت الوكالتان الأميركية والكندية هذه الرسالة وسمحت لهما بقيادة اتصالات دولية لإيقاف دولة أخرى في الأسرة الأولمبية.
انقسمت الدول في ردات فعلها على تقرير "وادا"، والتاريخ شارف على التكرار مرةً أخرى. لم يكن كل الأميركيين راضين عن المقاطعة سابقاً، وفي أولميباد سوتشي بعدما ذكر عدداً منهم أنه يجب المقاطعة، رأى السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام أنه ينبغي للرئيس باراك أوباما إعادة النظر بإمكانية مقاطعة سوتشي اذا أقدمت روسيا على تقديم المأوى للضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن. ردَّ السيناتور جون ماكاين قائلاً: "إن تجربتنا السابقة بمقاطعة الألعاب الأولمبية لم تكن ناجحة جداً".
هذه الحرب الإعلامية لابعاد روسيا عن الرياضة هي لسبب بارز: "هناك الكثير ممن لا يحبذ نجاحات رياضية في فترة قصيرة"، ما يعكس تفوّق أمة الى اخرى. حرب مجهزة منذ سنين، بدأت بنشر تقارير وفيديوهات عن رياضيين روس يتعاطون المنشطات في قنوات أميركية. كذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر أوردت الصحيفة "مايل أون صنداي" البريطانية في ربيع 2013 تأكيدات أن الرياضيين في روسيا يجبرون على تناول مستحضرات محظورة وأن المختبر الخاص بمكافحة تناول المنشطات في موسكو يحجب هذه المعلومات ويستبدل العينات مقابل أموال تدفع له.
تكررت هذه التهم مرةً أخرى أمس وقبله بأيام، وخرج التقرير. قد تبتعد روسيا عن الاولمبياد، لكن بعض لاعبيها قد يشاركون دون علم بلادهم كما حدث في الثمانينيات، حين سار رياضيو عدد من الدول تحت العلم الأولمبي بدلاً من أعلامهم الوطنية، فنافسوا مستقلين.