لا يهمّ من وصل إلى المباراة النهائية لكأس أوروبا، فهي تبقى نهائياً سيتابعه حتى من أراد وقوف منتخبين آخرين لتأدية العرض الأخير. فهذه البطولة التي تركت مشاهد رائعة كثيرة لا بدّ أن تترك في النهائي ذكريات أيضاً ستُخلّد في سجلات التاريخ الكروي.فرنسا الحالمة بلقب طال انتظاره، تحديداً 16 عاماً، والبرتغال التي لم تعرف يوماً طعم الألقاب تحلم به أيضاً.
هذا الجيل من لاعبي فرنسا يعلم أن وصمة عار ستلتصق به إذا فشل في حمل الكأس الفضية الجميلة في نهاية المباراة. فهناك في باريس، وعلى ملعب "بارك دي برانس" تحديداً، مهّد ميشال بلاتيني لكأسٍ أولى في النهائي أمام إسبانيا (2-0) عام 1984. وهناك في باريس حيث ستقام المباراة النهائية على "استاد دو فرانس" في ضاحية سان دوني، طار زين الدين زيدان برأسه مرتين ليشق الطريق نحو كأس عالمية أولى بالفوز على البرازيل (3-0) في نهائي مونديال 1998.
وصمة عار ستلتصق بلاعبي فرنسا إذا ما فشلوا في حمل الكأس

لا شك في أن مدرب فرنسا ديدييه ديشان، سيحمل كلمات تذكر بالتاريخ معه إلى غرف تبديل الملابس قبل انطلاق المباراة، ليقول لأنطوان غريزمان صاحب الأهداف الستة حتى الآن إنه سيصير في منزلة النجمين المذكورين أعلاه في حال قيادته "الديوك" إلى لقبٍ أوروبي ثالث (أحرزته فرنسا أيضاً عام 2000). وسيذكّره بأنه سيصنع أسطورته الخاصة بالرقم 7 هذه المرة لا الرقم 10 الذي عكس دائماً وجه القائد الملهم نحو المجد بالنسبة إلى الـ "تريكولور".
غريزمان ذاك اللاعب الذي أشار إليه النقاد في مستهل مسيرته بالضعيف البنية، هو أقوى من الجميع ذهنياً، ويمكنه فعلها. الدليل أن هذا الشاب الذي أضاع ركلة جزاء أكثر من مهمة لفريقه أتلتيكو مدريد الإسباني في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام الجار ريال مدريد، ذهب بكل ثقة لينفذ بنجاح الركلة التي حصل عليها منتخبه أمام ألمانيا، حيث أضاف الهدف الثاني أيضاً.
غريزمان نفسه يعكس صورة جديدة عن منتخب فرنسا الذي عانى المشكلات الكثيرة في الأعوام القريبة الماضية. تلك المشكلات لم تكن فنية، بل سلوكية بغالبيتها، وها هو منتخب ديشان يرميها جانباً ويعيد رسم صورةٍ جميلة عن "الديوك" من خلال الانضباط على أرض الملعب وروح الفريق التي لم تسقط قطّ في أي مباراة خلال "اليورو". صورة يُنتظر أن تكتمل باحتفالات في الشانزيليزيه تلي رفع الكأس الغالية في الملعب الوطني.
لكن مهلاً، هناك من أصاب قلب غريزمان بالألم منذ فترة قصيرة جداً. إنه "الدون" كريستيانو رونالدو الذي يملك أيضاً قصة أسطورية ليكتبها من خلال هذا النهائي.
رونالدو سيقف هناك غداً، مدركاً أنه يلعب لمنتخبٍ لم يكن مرشحاً لبلوغ النهائي، ويعلم أن الحظ حالفه ومنتخبه ليعبر مرحلة تلو الأخرى من دون أن يفوز أحياناً. لكن رونالدو يمكن أن يمحو كل شيء بلمح البصر. يمكن أن يمحو كل تقارير المباريات، ويمحو تهمة الفشل لمنتخبه، وحتى يمكنه أن يمحو اسم الأسطورة البرتغالية أوزيبيو من كل أزقة البرتغال ويطبع اسمه مكان اسم "الفهد الأسود" الذي عُدّ دائماً أعظم من أنجبت الملاعب البرتغالية.
بصراحة، هو رونالدو الذي يمكنه أن يحوّل منتخباً عادياً إلى أقوى منتخبٍ في أوروبا بغض النظر عمّا إذا كانت طريقه إلى النهائي سهلة إلى حدٍّ بعيد. هو فعلها منذ بداية هذا "اليورو"، وسيفعلها ليس فقط من أجل ما وعد به رئيس البرتغال مارسيلو دي سوزا لدى زيارته له قبل البطولة، بل من أجل نفسه، تماماً كما فعل غالباً...
يدرك "الدون" أن أكثر من الكأس الفضية بانتظاره مساء غدٍ، فالفضة سيمهّد نحو المعدن ذي الطعم الأطيب، أي الذهب، لأن الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم ستكون في انتظار أن يقبّلها من جديد. يدرك الفرنسيون ما يجول في خاطر "سي آر 7"، وهذه الأفكار الجائعة هي الأخطر عليهم بكل تأكيد.